فيروس متحور من الحمى القلاعية يصيب المواشي: لا خطر على البشر

ما إن انتشر خبر تفشي الحمّى القلاعية بين الماشية، حتى تمدد معه الخوف من الحظائر إلى بيوت الناس، مصحوباً بقلق جماعي وهواجس من انتقال العدوى إلى البشر. وقد يكون هذا القلق الجماعي مبرراً في بلد خَبُر أزمات صحية وغذائية متلاحقة. لكن مع كل وباء، تغص مواقع التواصل الإجتماعي بالتحذيرات من مرض جديد، وتنتشر الصور ومقاطع الفيديو المثيرة للهلع، ما يفتح شهية المواطن على التساؤل ما إذا كانت مائدته اليوم جزءًا من دائرة الخطر، وهل يمكن أن تنتقل العدوى إليه عبر اللحوم أو منتجات الحليب؟

حقيقة انتقال الفيروس للبشر

يؤكد الدكتور عيد عازار، رئيس قسم الأمراض الجرثومية المعدية في مستشفى جاورجيوس، لـ "المدن" أن "هذا المرض حيواني المنشأ ولا ينتقل إلى البشر ولا يشكل أي خطورة على الإنسان. هذا فضلاً عن عدم تسجيل أي عوارض تُذكر، لا طفيفة ولا خطرة لدى الإنسان، في الحالات النادرة جداً التي جرى الحديث فيها عن احتمالية انتقاله عبر الإحتكاك المباشر مع الأبقار المصابة".

وعلى الرغم  من أن المرض لا يؤذي البشر إطلاقًا، وفق المعطيات المشار إليها، ينصح عازار "باتباع الإجراءات الوقائية المعروفة كالتعقيم الجيد بعد كل احتكاك، وتجنب ملامسة سوائل الحيوانات المصابة، والإبتعاد عن الحليب غير المبستر والمنتجات النيئة من الأبقار المصابة أو المشتبه في إصابتها".

من ناحيته نوّه الدكتور الياس إبراهيم، مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، "أن الفيروس ينتقل بواسطة الإنسان إلى الماشية وليس العكس، وذلك عن طريق حمله على الملابس أو الجلد أو عبر وسائل النقل. لكنه لا يشكل أي خطورة على صحة الإنسان".

التفسير العلمي للمرض

يوصّف الدكتورابراهيم المرض المعروف باسم الحمى القلاعية (Aphthovirus) على أنه "مرض فيروسي عابر للحدود وواسع الإنتشار، يصيب الحيوانات ثنائية الحافر مثل الأبقار والأغنام والماعز والخنازير حصرًا، ولا ينتقل إلى الحيوانات الأليفة أو الدواجن كما أشيع".

وتتمثل أعراض الإصابة وفقا لابراهيم "بظهور تقرحات على شكل قلاع في الفم وعلى اللسان والضَّرع وأطراف الماشية. وهو يؤدي إلى تراجع إنتاج الحليب وضعف نمو العجول، ما يسبب خسائر إقتصادية كبيرة لقطاع الثروة الحيوانية".

ويضيف أن طفرة (SAT 1) أو ( South African Territories 1) التي أصيبت بها الماشية في لبنان تعد متحورًا جديدًا من الفيروس مصدره الأساسي إفريقيا، ولا تمتلك القطعان مناعة تجاهه بعد، وهذا ما أدى إلى ظهور بؤر وبائية في بعض المناطق ونفوق أعداد من الماشية. ومع ذلك فإن السيطرة على المرض ممكنة عبر تنفيذ حملات تحصين ممنهجة، وأخذ عينات دورية، وإجراء مسوحات وبائية منتظمة لتقييم مستوى المناعة لدى القطيع، ورصد أي متحورات جديدة محتملة للفيروس".

تطمينات رسمية

سعت وزارة الزراعة إلى تطمين اللبنانيين منذ تسجيل أول حالة إصابة حيوانية بالحمى القلاعية بتاريخ 27 تشرين الثاني في منطقة البقاع، وعمدت إلى إجراء مسوحات وبائية وحملة تلقيح واسعة. وبدوره أوضح وزير الزراعة الدكتور نزار الهاني لـ "المدن" "أن الفيروس موجود منذ سنوات وليس جديداً. لكنه يطور نفسه على شكل متحور جديد، يجعل اللقاحات التي تُعتمد عادة أقل فعالية أو غير مجدية".

وأضاف أن "الفيروس مستوطن في عدة دول، لكنه انتقل حديثاً إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتحديداً إلى تركيا، وسوريا، والعراق، وإيران، والأردن، مصر، وليبيا، ولبنان مؤخرا".

ويرجح وزير الزراعة أن "المعابر غير الشرعية التي تهرب عبرها الماشية إلى لبنان المصدر الأساسي لانتشار الفيروس الأساسي. والسبب أن كل المواشي التي تدخل عبر المرفأ تخضع لفحوص مخبرية وإلى حجر صحي إلزامي إلى حين صدور النتائج والتأكد من سلامتها. لذلك أبلغت الوزارة الحكومة اللبنانية بضرورة اتخاذ القرار بضبط المعابر غير الشرعية لمكافحة عمليات تهريب الماشية، وإعلام الوزارة بأي شحنة يتم ضبطها".

ويضيف أن "الوزارة تحركت فوراً بالتعاون مع منظمة الفاو لمتابعة إجراءات التقصي الوبائي، ونفذت جولات ميدانية لرصد الوباء والتطعيم الوقائي للقطعان غير مصابة، وكانت قد تلقت 50 ألف جرعة من اللقاح ضد المتحور الجديد من جمهورية مصر العربية، وأبلغت الحكومة بقبول دفعة أخرى من اللقاح يبلغ عددها 50 ألف جرعة".

عند كل منعطف صحي يجد المواطن نفسه أمام وباء من نوع آخر، وهو الوباء المعلوماتي، الذي يعد أشد خطورة في معظم الأحيان من الوباء نفسه، حيث تكثر الشائعات والمعلومات الخاطئة في الفضاء الرقمي ويزداد عدد الخبراء، وهذا ما ينطبق في حالة "الحمى القلاعية" التي اتفق الأطباء والمؤسسات الرسمية والوزارات المعنية على أنها مؤذية جدا للقطيع. لكن بما يتعلق بالإنسان فـ"لا داعي للهلع".