المصدر: النهار
الكاتب: مازن عبيد
الاثنين 1 أيلول 2025 11:51:14
في ظل إصرار الدولة على استعادة حصربة السلاح، وعدم تجاوب الحزب من دون انغماسه في فوضى داخلية وسط تصاعد التوتر الإقليمي واستكمال جولات التفاوض الأميركي-الإيراني، ينتظر بلد...
أجواء لم تمنع مغتربين من الجيل الثاني من القدوم. فكان أن التقيت خورخي سعد وابنته. هو لم يولد هنا ولا يتكلم اللبنانية. أتى ليزور أرضا لا يعرفها. تبرّع لإنشاء حقل توليد طاقة شمسية. سرّني انشداده إلى بلد وهب فيه أملاكه لأقربائه، وهو مصرّ على محبته.
خورخي وغيره رأس مال بشري حيّ في رصيد بلد مفلس. لا يهم حجم تدفقات أولئك النقدية. فما يهمّ هو صيانة شبكة الحماية التي يوفرونها. خورخي ابن من رحلوا ب"البابور" هربا من جوع الحرب الكونية، فصنعوا ممالكهم بالعمل والاستقامة.
انتشار يشكل فرصة لإعادة تأسيس شعب "مصمم على الحفاظ على هويته عبر التعليم، والدين، والذاكرة الثقافية" (Hovannisian, 1997) تماما كما فعل الأرمن. الموارنة بذلوا جهودا، ولكن ليس سائر المكونات.
يلزمنا الحفاظ على هويتنا في الانتشار بالثقافة والقصص والغنوة والعوائد والتعليم (2015(Suny,. فالذاكرة الجماعية أهمّ من التاريخ. توحّدنا وتضمن استمرارنا. ثمة توازن بين الاستقلال الثقافي الداخلي والانفتاح على البيئات المحيطة يتوجب الحفاظ عليه، فلا تذوي الذاكرة الجماعية. توازن يختل عادة مع الجيل الثالث، إذا تُرك من دون تدخل ورعاية.
نعم، يجب ألا يفقد المغتربون الذين فقدوا الأرض ذاكرتها التي تشدهم إليها. فالذاكرة تتحوّل وطنا، كما هو حاصل في حالة خورخي.
المطلوب صيانة "الهابيتوس" الذي يشكل شبكة لاواعية من الممارسات والتصورات المتجذرة في البنى الاجتماعية التي تعيد إنتاج نفسها عبر الزمن (Bordieu,1990). فثروتنا السرديات والمطبخ والقصص والعادات والثقافة والكنائس والمساجد. يتوجب إعادة تخيّل الانتشار والاستثمار فيه كرصيد قوة متجددة، إنما لا لأهداف سياسية بل كقوة دفع استراتيجية.
من الضروري إعادة صياغة قضية جامعة للانتشار الذي يشكل أصولا غير مادية. قضية تعيد إيقاظ مشاعر الانتماء لدى أولئك السفراء الذين يعملون بمجانية لتعزيز ارتباطهم بالبلد.
لدينا مقومات اقتصادية، وأصول غير مادية يتوجب الاستثمار فيها. في ظل انسداد الفرص لبنانيا نرى في الانتشار فرصة للتحليق بعيدا!