في الذكرى 19 لغياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري... كيف تبدو أوضاع الساحة السنية؟

يتحضر "تيار المستقبل" لإحياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي تتزامن أيضاً مع مرور سنتين على تعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي في لبنان.
 
سنتان من دون الحريرية السياسية في لبنان رافقتها تغيرات كبيرة إقليمياً ودولياً، لكنها لم تبدّل الكثير في الواقع الداخلي اللبناني المأزوم.
 
انسحاب الحريري وبغض النظر عن خلفياته الاقليمية-العربية أتى في لحظة كان الشارع اللبناني فيها مهيأً للتغيير على المستويات كافة، وكانت لاتزال الشوارع مليئة بـ"الثوار" والمعارضين للطبقة بأكملها، وكان الحريري واحداً منها.
إلّا أنه وبعد سنتين غاب الناس عن الشوارع والطبقة السياسية رممت نفسها من جديد وعادت الى ما كانت عليه وربما أقوى، ولم تؤدِّ "الصعقة" التي أرادها الحريري مؤداها، سوى عليه وعلى جمهوره ومن بعده على الطائفة السنية.
 
الطائفة السنية التحقت بركب التغيير لا بل قادته وخلع قسم من أبنائها العباءة الزرقاء ودعموا التغيير وفي مختلف المناطق، وهذا ما أظهرته الانتخابات النيابية بشكل واضح في بيروت، واقليم الخروب والبقاع وقرى العرقوب حتى في الشمال، فيما عادت باقي الطوائف بأغلبية كبيرة تحلّقت حول زعمائها التقليديين، باستثناء خروقات صغيرة تكاد لا تذكر ولا تغير في الواقع شيئاً.
 
اليوم وبعد سنتين يراود الشارع المؤيد للحريري، والذي اندفع نحو التغيير، شعور بالحسرة والأسى، يفصّلها بعدد من الأحداث بدءاً من الثورة التي برأيه توقفت عند الحريري وتحللت، ولم تكمل نحو الباقين وكأنها كانت ضد الحريري فقط وليس بوجه طبقة كاملة فعاد الجميع، باستثناء الحريري.
 
يبدأ هؤلاء من لحظة اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة بعد حراك "17 تشرين"، اذ عندما حاول خلق توازن في البلاد وطالب بالمداورة وبرئاسة فعلية للحكومة من دون تعطيل وبوزراء يختارهم رئيس الحكومة ليشكلوا فريق عمله، تم رفضه، فلبس الفرصة رئيس الحكومة الحالي الذي ارتضى إرسال وزير داخليته الحالي إلى لقاء جبران باسيل قبل تشكيل الحكومة.
 
ومن بعدها كرت السبحة، فأتت الانتخابات النيابية لتجعل النواب مجموعات مفتتة. وبينما زاد "حزب الله" من كتلته السنية الى ما يزيد عن 9 نواب، عاد النواب التغييريون إلى قواعدهم الإيديولوجية السابقة، فبات قسم منهم قريباً من الحزب، والباقي من دون هوية واضحة، متسلّحين بشعار المدنية والحداثة وما إلى هنالك.
العدوى المارونية، بتولي الرئاسة تحولت الى الطائفة السنية برأي هؤلاء، فأضحى كل نائب او وزير أحس ببعض القدرة، مرشحاً لرئاسة الحكومة، ويعمل على استرضاء باقي القوى وخصوصاً "حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري بهدف الحصول على الموقع من دون النظر إلى مصالح الطائفة، فتحول الوزراء والنواب إلى مجموعة متنافسين للوصول إلى الكرسي.
 
على مستوى المؤسسات، ظهرت انشقاقات في المؤسسات الدينية والاجتماعية، من دار الفتوى مروراً بمؤسسات البر والإحسان حتى المؤسسات التربوية بمجملها، وبات كل واحد يلهث وراء مكاسب وحصص معينة، تجلّت في عدد من الاستحقاقات التي شهدتها هذه المؤسسات.
وأضحى الموظفون في الإدارات والمراكز السنية "من دون ظهر" نتيجة انقسام القوى السياسية، فيجري استهدافهم تباعاً، من مدير عام قوى الأمن الداخلي إلى المدعى العام التمييزي وغالبية موظفي الفئة الأولى، وما جرى مع أمل شعبان وما يجري مع اللواء عثمان وغيره أبلغ دليل، وهذا أجبر عدداً من هؤلاء إلى الاحتماء عند زعماء آخرين وتقديم الولاء والطاعة حفاظاً على وجودهم.
 
أما في السياسة فقد أضحت الطائفة من دون وزن على غرار السابق، يأتي موفدون ويذهبون ولا تعقد اجتماعات ولقاءات وتطرح مبادرات، فيما السنة غائبون عنها، بينما كانت هذه اللقاءات تنطلق من بيت الوسط إن كان الحريري رئيساً للحكومة أم لم يكن، وكأن اللعبة السياسية في لبنان أصبحت بين الشيعة والمسيحيين والدروز فقط. حتى بمناقشة أمر مهم كالموازنة التي تتعلق مباشرة بحياة الناس لم نسمع أصواتاً تناقش بجدية وتقاتل وترفض وتقبل، حتى المتكلمين والخطباء غابوا.
 
إلى ذلك، فقدت الطائفة المبادرة. فمنذ اتفاق الطائف والوجود السوري، كان الرئيس رفيق الحريري رجلاً مبتكراً للمبادرات، وينسج التسويات ويتماهى مع الضغوطات ويحولها لصالحه، وأكمل بهذا الدور سعد الحريري، ونسج عدداً من التسويات في عز تفجّر الصراعات في المنطقة وأخطرها، وهنا المقصود الخلاف السني-الشيعي بحيث تعاطى معه بطريقة حكيمة حتى لا يصل لهيبه إلى لبنان. أما اليوم فبسبب ضعف القيادة والمرجعية هناك من يستغل أحداث المنطقة، أي الحرب في غزة، للدخول إلى هذا الشارع باستخدام الشعارات الرنانة كالمقاومة وغيرها لاستقطابه إلى مكان لا يشبهه، ودفع هذا الشارع إلى التعصب والتقوقع، وهذا مختلف تماماً عما ظهرت عليه الطائفة السنية في لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي.
 
ثمة من يقول اليوم إنه بغياب رئيس الجمهورية فرئيس الحكومة هو الرجل الأول في الدولة، ويدير البلاد وهو المهتم بمصالح الطائفة، ولا يمكن اتهام الرئيس نجيب ميقاتي بالتفريط بحقوق الطائفة، إلا أنه برأي المستقبليين فإن غياب "الظهر" النيابي والطائفي يجعله بموقع ضعيف، وبحاجة دائماً إلى الاحتماء بالقوي وهو الثنائي الشيعي في الوقت الراهن.