في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. "لبنان استوفى شروط الدول البوليسيّة"

كتبت منال شعيا في النهار:

قيل الكثير عن الانتهاكات العديدة لحرية الرأي والتعبير في الأعوام الأخيرة. وقد شهد لبنان أخيرا سلسلة استدعاءات امنية لصحافيين وناشطين، في ظاهرة لم تعتدها البلاد إلا في زمن الوصاية والاحتلال.

فهل صحيح ان ثمة أرقاما غير مسبوقة لعدد الانتهاكات الإعلامية، وان التفافا واضحا على القانون بات هو النمط السائد لسلطة وأجهزة، وحتى أحزاب؟

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تحاول "النهار" توثيق الانتهاكات ورصدها، في سعي للإجابة عن سؤال: هل ان لبنان يتراجع على صعيد الحريات أم لا؟

بالأرقام، الاستنتاج واضح: عدد الانتهاكات، في الأعوام الستة الأخيرة، غير مسبوق مقارنة بالاعوام السابقة، وهو في منسوب تصاعدي.

ينطلق المسؤول الإعلامي في "مؤسسة سمير قصير" جاد شحرور من معادلة ان "مشهد الدولة البوليسية في لبنان اكتمل". ويقول لـ"النهار": "كمؤسسة وثّقنا ورصدنا، منذ عام 2017 وحتى اليوم، 800 انتهاك. انه رقم غير مسبوق، في لبنان، مقارنة بفترات ماضية".

وإذ يلفت الى انه "خلال الأعوام 2020 و2022 انخفضت الارقام قليلا، بسبب تفاقم الازمة السياسية - المالية في البلاد"، لا يخفي ان "الاعتداءات والانتهاكات الإعلامية والثقافية وصلت، خلال الأعوام الستة الأخيرة، الى حدود القتل والاغتيال عبر أوجه مختلفة من الاعتداءات الدموية، لاسيما بعد عام 2019".

أنماط ولا محاسبة

هذه الأوجه المختلفة من الانتهاكات ابرزت، وفق شحرور، دورا لافتا للميليشيات الحزبية في ممارسة عدد كبير من الاعتداءات على ناشطين ومفكرين وصحافيين، تماما مثلما تعددت الاشكال من تسريب ارقام التلفونات وممارسة التهديد وتوجيه رسائل الوعيد وتكسير معدّات بعض الفرق التلفزيونية الإعلامية ، وصولا الى الاعتداء المباشر على عدد لا يستهان به من الإعلاميين، مباشرة على الهواء.

هي أنماط او أشكال مختلفة مورست تحديدا، بعد عام 2019، واكتمل معها دور الميليشيات المسلحة في ممارسة سياسة التنكيل والتهديد.

يعلّق شحرور: "ما يقلقنا كمؤسسة ان كل هذه الاعتداءات بقيت بلا محاسبة، مما عزز اكثر ظاهرة الإفلات من العقاب. من هنا، نحن عندما نرفع الصوت ونوثق أي اعتداء، يكون هدفنا الأساس تسليط الضوء على الممارسات التعسفية، وانما أيضا الحثّ والضغط من اجل محاسبة المرتكبين، لئلا تتكرر الاعتداءات، والاهم لئلا تتحول نمطا عاديا من الممارسات".

ليس خافيا على احد ان إشكالية الحريات لطالما كانت معادلة مطروحة للبحث والنقاش في الأنظمة الديكتاتورية او السلطوية، لكنها لا يُفترض ان تكون كذلك في بلد الحريات، كلبنان الذي لطالما كان المنارة الإعلامية ضمن محيطه. انما ما حصل في الأعوام السابقة، ان عددا كبيرا من البلدان تقدمت، فيما لبنان تراجع.

بالطبع، هذا الاستنتاج ليس بعيدا عن الخلاصة التي توصلت اليها "مؤسسة سمير قصير"، وان كانت المناعة المجتمعية، (لا اصحاب السلطة بالطبع)، لا تزال كبيرة داخل المجتمع اللبناني، عند كل اعتداء او انتهاك، انما ممارسات السلطة غالبا ما تعتّم الصورة الإعلامية. والدليل ان نحو عشرة صحافيين اغتيلوا، منذ ما يقارب 20 عاما، وحتى اللحظة لا تحقيق جديا، لئلا نقول لا ورقة واحدة مكتملة في ملفهم القضائي. فماذا يُنتظر بعد من سلطة مماثلة؟

2023: 17 انتهاكا!

يتوقف شحرور عند سنة 2023 وحدها، ليكشف انه خلال أربعة اشهر فقط، أي حتى شهر نيسان الجاري، "سجلنا 17 انتهاكا، من ضمنها 29 ضحية، فضلا عن عشرة ملفات قضائية من نوع الاستدعاءات. هذه اللائحة تُعتبر كبيرة جدا في فترة زمنية محدودة، مما يعني ان النمط لا يزال سائدا. ونحن حين نرصد او نرفع الصوت، نريد التأكيد ان معركة الحريات ليست مهنة انما هي جزء من المواطنة الحقيقية، وهي مسألة رأي عام ينبغي ان يتبناها الشعب كحق لا يتجزأ من حقوقه كمواطن".

من المعلوم ان "مؤسسة سمير قصير" ترصد وتوثق الانتهاكات في تقارير شهرية، واحيانا كثيرة ضمن ملفات متخصصة، أي انها تفصّلها كمحاور، منها مثلا محور القضاء، محور الأحزاب الميليشيوية، محور الاستدعاءات الامنية وغيرها، والاهم انها تتابع توثيق الحالات لمعرفة تداعيات الاعتداءات او تكرارها، حتى على الشخص الواحد.

يستنتج شحرور ان "لبنان ومنذ عام 2019، استوفى شروط الدول البوليسية، من حيث الممارسات التي اعتمدت عبر القمع والاسكات والاستدعاء عبر القضاء او عبر الاجهزة او عبر الميليشيات. لقد باتت هذه العناصر الثلاثة مطواعة لخدمة واحدة هي التنكيل بالحريات. ويزداد الوضع سوءا اذا اخذنا ثلاثة نماذج فقط او حوادث هي، الحدث الاول: انفجار المرفأ، وما تلاه من كشف للكثير من الحقائق عبر الصحافة الاستقصائية مقابل عدم تحرك النيابة العامة تجاه اي من الملفات. الحدث الثاني: اغتيال لقمان سليم. الحدث الثالث: الممارسات التي اعتُمدت من قِبل القاضي غسان عويدات. كل ذلك، يظهر اننا في قلب الدولة البوليسية بامتياز".

هي شبكة مترابطة - متواطئة تشكل كلها ذراعا طيّعة في تقييد الحريات والحد منها... فالى أي حد يمكن ان يتراجع لبنان بعد؟ الوقائع والأرقام غير مطمئنة!