في عيدك ألف تحيّة... "حقّك معلّم فينا"

إنّه التاسع من آذار عيد المعلّم... أيّ عيد في زمن القهر والانهيار والانحدار؟! زمن تبدّلت فيه الأحوال وبات من يزرع الأمل في نفوس الأجيال يحتاج إلى من يُخرجه من اليأس الذي غرسته الطبقة الحاكمة بكل ما أوتيت من قوة وتسلّط في نفوس كل اللبنانيين وليس في روح المعلّم وحده.

السؤال عن معنى العيد في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد والتي انعكست بشكل كبير على القطاع التربوي، طرحناه على عدد من المعلّمين، بعضهم ما زال يؤدي رسالته السامية وبعضهم الآخر اضطر للابتعاد عنها مُكرهًا ليؤمّن لقمة العيش من مهنة أخرى.

"عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟"

"عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟" تستعير إحدى المعلّمات في المدارس الخاصة السّيّدة... ب. م. من "المتنبي" هذا البيت الشهير لتصف الحالة التي وصلت إليها، وتضيف: "لا نشعر بالعيد، فنحن نعمل ونبذل كل جهدنا من دون مردود ماديّ كافٍ لتأمين حياة كريمة لأبنائنا، وقد وصل بنا الأمر إلى اقتراض المال أحيانًا لنملأ خزّانات سياراتنا بالبنزين من أجل الحضور إلى المدرسة، فحتى مبلغ الـ10% فريش والذي يُعادل 200 أو 300 دولار الذي دفعته بعض المدارس الخاصة لإنقاذ العام الدراسي لا يكفي لدفع فواتير الكهرباء والمولّدات والانترنت"، وتتابع: "العيد هو الراحة ماديًا ومعنويًا الأمر الذي نفتقده منذ ثلاث سنوات".

السّيّدة ك. ز. تقول عن المناسبة: "لقد اختلف العيد هذه السنة عن السنوات السابقة، فقد كان الأستاذ محلّ تقدير كبير من الإدارة والتلامذة والأهل. كنا ننتظر التاسع من آذار لأنّ التلميذ بدوره كان ينتظر هذا اليوم ليُقدّم الشكر لمعلّمه".

تضيف: "الأهل تغيّروا وكذلك التربية والتلاميذ، فالتكنولوجيا أفسدت كل شيء، وصار الأستاذ قابلًا للاستبدال، وحتى الأهالي يتحدثون عن الأساتذة بطريقة مختلفة والتلاميذ لم يعودوا يقدّرون معلّميهم وعطاءاتهم اللامتناهية".

وتتابع: "بدلًا من أن يُعلّم بات على المُدرّس بذل طاقة أكبر في التوجيه نحو القيم، وعوض أن يفرح المعلّم بنقل الرسالة عليه أن يذكّر بالأخلاق والتربية وهذا أمر مزعج ومُتعب".

وتستطرد السّيّدة ك. لتقول: "من دون شك إنّ الأزمة الاقتصادية تؤثر على نفسيّة المعلّم بشكل كبير، وبقدر ما تحاول الإدارة أن تساعد، فإن الراتب لا يعادل شيئًا أمام الانهيار غير المسبوق للّيرة وارتفاع الأسعار وتعدّد الفواتير".

ووصفت الأستاذ بأنه "ورقة محروقة" فهو يحرق وقته وأعصابه ويتعب وفي غالبية الأوقات ما من نتيجة، لأن التلاميذ تغيّروا ومعنى التعلّم تغيّر ولم يعد من قيمة للعيد والقطاع التربوي".

وأكدت أنه لا يمكن للأستاذ أن يغيّر حياته، فإن أراد أن يعطي دروسًا خصوصيّة سيُقصّر في واجباته تجاه مدرسته وعائلته لأنه سيستنزف طاقته، وإن لم يُعطِ دروسًا لن يستطيع العيش، كما أنه لا يستطيع السفر أو الهجرة. باختصار الأستاذ يعيش في اليأس".

السّيّدة كوليت ب. قالت بغصّة: "تغيّرت المعايير، أصبح عيد المعلّم هزليًا. لقد كسروا روح العطاء التي لطالما ميّزت هذه الرسالة المقدّسة، فالمعلّم يعاني من كل شيء ومهنته إلى زوال"، وأضافت: "بات على المُدرّس أن يعمل في مجالات أخرى ليؤمّن قوته". وتابعت: "نحن نضحّي وندرّس ونبذل كل طاقاتنا لكن الأيام اختلفت ومعها العيد، ففي الماضي كان لنا عمل، أمّا اليوم فصرنا في الحضيض، مع العلم أن أكثرية المدارس تأخذ حقّها وزيادة لكن عندما يصل الأمر إلى الأستاذ يبدأ النعي"، وختمت: "إنها نهاية الأستاذ الذي أصبح فاعل خير تجاه المدرسة والأهل مع الأسف".

تربويون ابتعدوا عن التعليم ولجأوا إلى قطاعات أخرى

السيدة ب . س. التي اضطرّت مُرغمة لترك مهنتها قالت: "من المعروف أن عددًا قليلًا من الناس يختار التعليم، فالتدريس مهنة تحتاج إلى الكثير من الحبّ وبذل الذّات، يكون المرء فيها كريمًا ويعطي أكثر ممّا يأخذ، لكننا وصلنا الى مرحلة قدّمنا فيها الكثير ولم يعد بإمكاننا العمل بشكل شبه مجاني ولا نستطيع شراء أدنى متطلّبات لأبنائنا، لأن ما نحصل عليه لا يكفينا".

وتضيف شارحة: "لقد بات التعليم يتطلّب من المُربّين الكثير من التحضير، باعتبار أن الأجيال اختلفت، ونحن بحاجة الى وسائل إيضاح والبحث الشاقّ عبر الانترنت أو غيره لنستطيع خطف انتباه المتعلّمين وتمكينهم من الوصول إلى المعلومة بطريقة غير تقليديّة".

وتابعت: "عدد كبير من المعلّمين اضطر لترك مهنته كما فعلتُ أنا، مع أنّني معلّمة ناجحة وأحبّ مهنتي التي عملتُ فيها منذ الـ 2008، لكن لم يعد بإمكاني أن أهمل بيتي وعائلتي من دون مقابل، لذلك قدّمت استقالتي ولجأت إلى عمل آخر يؤمّن لي عيشًا كريمًا".

الأستاذ ج. ا. قال من جانبه: "أي احتفال وأيّ عيد في بلد القهر والتسلّط؟" وأضاف: "إدارات بعض المدارس وبعض الأهالي لا يقدّرون الإرهاق والعطاء، يطلبون ولا يشبعون وكأنّنا عبيد"، فيما المقولة الشهيرة تقول: "من علّمني حرفًا صرتُ له عبدًا".

إنّها مهنة الذلّ من دون منازع في بلد بات الدولار هو المتحكّم بالعباد، فأين نحن من قم للمُعلّم وفّهِ التبجيلا؟ وأين الرسول الذي تغنّت به القصيدة؟

واعترف الأستاذ ج. بأنه أجبر على الانسلاخ عن وطنه وعائلته ليعيش بكرامة في بلد غريب، لكن يحترم الإنسان ويقدّر المعلّم.

باختصار، هي مهنة المعاناة والهموم التي فرضها وضع البلد نتيجة سياسات حكّامه اللامسؤولين الذين نسوا مَنْ كانوا سبب وصولهم إلى المناصب التي تربّعوا على عرشها، لكن وبرغم كلّ الصعوبات التي مرّ ويمرّ فيها المعلّم، تبقى مهنة التعليم رسالة سامية يؤدّيها المعلّمون بكل أمانة انطلاقًا من قناعتهم بأنّها كانت وستبقى المدماك الأول في في بناء الأوطان والأجيال، ولكم منّا في عيدكم ألف تحية واحترام وتأكيد أنّ "حقكم معلّم فينا".