المصدر: الأنباء الكويتية
الكاتب: داود رمال
الاثنين 18 آب 2025 00:56:00
القرارات التي اتخذتها الحكومة في جلستي الخامس والسابع من الشهر الجاري لم تمر مرور الكرام، بل شكلت منعطفا سياسيا ودستوريا يعيد التأكيد على أن لبنان لا يزال قادرا، على رغم كل العواصف والانقسامات، على الإمساك بخيوط المبادرة وإطلاق مسار جديد نحو تكريس السيادة وبناء الدولة. فالأهمية لا تكمن فقط في مضمون ما تقرر، بل في ما حمله من رمزية سياسية تفتح الباب أمام استعادة ثقة اللبنانيين بأن دولتهم يمكن أن تنهض من كبوتها وتفرض سلطتها على كامل أراضيها.
ويشير مرجع لبناني بارز لـ«الأنباء» إلى أن «هذه القرارات تعكس عودة الدولة إلى المبادرة بعد سنوات طويلة من الغياب أو التردد، وأنها بمثابة إعلان نوايا صريح بأن المؤسسات الرسمية وحدها هي المرجع وصاحبة القرار، وأن كل القوى مدعوة للالتقاء تحت سقف الشرعية لا سواها».
هذا المسار يعيد طرح جوهر الفكرة اللبنانية وهي أنه لا خلاص إلا عبر الدولة، ولا استقرار إلا من خلال سلطة شرعية موحدة، ولا مستقبل إلا بشراكة حقيقية بين جميع المكونات.
ويقول المرجع «من هنا يكتسب القراران بعدا يتجاوز الآنية إلى التأسيس لمرحلة مختلفة، عنوانها أن لبنان دولة حرة وسيدة ومستقلة، لا تتبع قطار أي محور أو جهة، بل تسعى إلى أن يكون قطارها الوحيد هو قطار الشراكة الوطنية ودولة القانون».
وقد جعلت هذه القرارات، بحسب المرجع، «موقف لبنان أكثر قوة وصلابة في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة التي حاولت استغلال الانقسام الداخلي لفرض إملاءات أو تنازلات لا تخدم المصلحة الوطنية. كما أنها شكلت ردا عمليا على التعنت الإسرائيلي المستمر في ملفي الحدود والاعتداءات المتكررة، إذ قدمت صورة واضحة عن دولة متماسكة تعرف كيف تدير خلافاتها الداخلية وتوحد قرارها في مواجهة الخارج، الأمر الذي عزز ثقة الحلفاء بلبنان، وفرض على خصومه إعادة حساباتهم».
انعكاسات هذا التوجه يمكن أن تكون إيجابية على أكثر من صعيد. ويرى المرجع انه «داخليا، يوجه الوضع رسالة واضحة للبنانيين بأن زمن الارتهان للخارج أو للاستقواء بخطابات الحرب والتهديد قد ولى، وأن اللحظة تقتضي التقاء الجميع على طاولة واحدة لصوغ عقد وطني يواكب تحديات المرحلة. وخارجيا، يعطي القراران إشارات بالغة الأهمية إلى المجتمعين العربي والدولي بأن لبنان يريد أن يفتح صفحة جديدة قائمة على الاستقرار والازدهار، وأنه يطمح إلى شراكات اقتصادية واستثمارية تعيد إليه دوره الحيوي في المنطقة».
ويضيف المرجع أن «القرارات الحكومية لا تكتفي بتثبيت مبدأ السيادة، بل تفتح أيضا نافذة اقتصادية واعدة إذا ما أحسن اللبنانيون استثمارها، بحيث يمكن أن تكون مدخلا لتدفق استثمارات عربية ودولية طالما انتظرها لبنان منذ عقود».
لقد انتظر اللبنانيون طويلا أن تلتقط السلطة السياسية لحظة تاريخية مشابهة، منذ التسعينيات وحتى اليوم. ولعل ما صدر عن مجلس الوزراء يشكل بداية جدية لمرحلة مختلفة إذا ما استكمل بإرادة جامعة وتوافق داخلي، بعيدا من لغة التخوين والتجاذبات العقيمة. فالرهان الحقيقي ليس في تسجيل نقاط على الخصوم، بل في خلق فرص عمل، وتثبيت مناخ اقتصادي منتج، وتأمين بحبوحة افتقدها اللبنانيون منذ عقود.
القرارات الأخيرة تحمل في طياتها إمكانية أن تكون قاعدة ارتكاز لحوار لبناني واسع، عنوانه أن لبنان لكل أبنائه، وأن قوة الدولة لا تقاس بعدد المواقف الصاخبة أو الشعارات، بل بقدرتها على حماية سيادتها وتثبيت استقرارها وصون حرية شعبها. وفي هذا المعنى، ويؤكد المرجع أن «التلاقي الداخلي حول مفهوم الدولة الواحدة هو السلاح الأنجع بوجه أي محاولة لإعادة لبنان إلى زمن الحروب، وهو الطريق الوحيد لبناء الثقة مع الخارج وإعادة وضع لبنان على خريطة الاستقرار الإقليمي».
ويعتبر المرجع انه «إما أن يكون القراران بداية مسار طويل نحو دولة القانون والسيادة الفعلية، وإما أن تذهب الفرصة مجددا هباء. لكن المؤشرات حتى الآن توحي بأن قطار الشراكة انطلق، والواجب يقتضي أن يركبه الجميع بلا استثناء، لأن في وحدتهم وحدها خلاص لبنان».