"قرية المحبة": بيع رضع واستغلال جنسي للأطفال.. ومخدرات

تكاد لا تمر أيام قليلة في لبنان، حتى يضج بقصص عن جرائم مرعبة تتركب بحق الأطفال والطفلات والقاصرين/ات. والسؤال راهنًا: هل أصبحنا نكشف ونعرف أكثر حول ما يتعرض له الأطفال؟ أم أن ثمة ارتفاعًا حقيقيًا بمعدلات الجرائم المرتكبة بحقهم/ن؟

في كل الأمكنة
تاريخيًا، لم تبذل مؤسسات ووزارات الدولة المعنية جهدًا لإجراء المسوحات اللازمة، وإصدار البيانات التي من شأنها أن تساعد على تحديث القوانين ووضع أسس نظام حماية اجتماعية، وتحديدًا للفئات الأكثر عرضة للانتهاك. لكن الانهيار وانحلال المؤسسات الرسمية، بلغ مرحلة تتويج لفشل الدولة وغياب سياساتها الرعائية، التي جعلت من الأطفال والطفلات فريسة سهلة للجرائم والانتهاكات، وفي مختلف الأمكنة: البيوت، المدارس، الأحياء، دور الحضانة، دور الأيتام، دور الرعاية ومختلف المساحات العامة والخاصة.

وفي وقت ما زالت قضية مقتل الطفلة لين طالب، على إثر اغتصابها في بيت عائلتها في المنية، على صفيح قضائي ساخن، وكذلك قصة تعرض أطفال للتعذيب والضرب في دار الحضانة في المتن، إضافة إلى الاعتداء الجنسي على طفلتين في البقاع وطفل في عكار، وصولًا إلى عثور كلب شارد على طفلة رضيعة مرمية بكيس أسود على قارعة الطريق في طرابلس، وكذلك العثور على طفلين رضيعين في جبيل، وغيرها الكثير..، انكشفت أيضًا قصة جديدة حول الاتجار الجنسي بالقاصرات، وإجبار الأطفال على تعاطي المخدرات، إضافة إلى الاتجار بالرضع عبر عرضهم للتبني من دون المرور بالمحاكم، وخلافًا للقوانين، وبالتواطؤ مع أحد المخاتير والمستشفيات.

فضيحة "قرية المحبة"!
قبل أيام، ضج لبنان بقرار القاضية المنفردة الجزائية في بعبدا، جويل بو حيدر، بشأن إقفال جمعية "قرية المحبة والسلام" لصاحبتها المدعوة نورما سعيد، وختمها بالشمع الأحمر فورًا، بعد توثيق مخالفات فاضحة بحق أطفال وقاصرات تستقبلهم بقرارات قضائية لحمايتهم، لكنها تتاجر بهم جنسيًا وماديًا وخدماتيًا، وتعرض رضعًا للبيع بغية التبني غير المشروع، إضافة إلى تعاطي المخدرات.

ومنذ آذار 2023، أجرت القاضية تحقيقاتها، بعد تبليغ مواطنين شكاوى عما يحصل داخل الجمعية.

وحسب معلومات "المدن"، فإن من بين المشتكين ضد الجمعية، شخصاً ربطته علاقة بإحدى القاصرات اللواتي كانت تجبرهن نورما سعيد على ممارسة الجنس مقابل المال، حيث أخبرته قصتها وعمرها، فأثارت شفقته، وقدم تبليغًا ضد الجمعية.

ووثق نص القرار القضائي، بعضًا من أفعال المدعوة نورما سعيد، التي كانت أيضًا شاهدة على أفعال جرمية يرتكبها أحد الموظفين في الجمعية، وهو جبران كالي –كما ورد بالقرار القضائي– "حيث قام بالتحرش بقاصرتين اثنتين، كما حثهما على ممارسة الجنس، وتعاطي المخدرات.."، وغيرها من الانحرافات التي تشكل جرائم موصوفة بحق الأطفال والقاصرين. ووثق القرار عينه تعمد نورما سعيد على اصطحاب القاصرات إلى الحانات الليلية، والسماح لهن بشرب الكحول بكميات كبيرة، إلى أن حاولت إحداهن الانتحار. ناهيك عن استغلال القاصرات بأخذهن عنوة إلى منزلها، خلافًا للقانون، للقيام بخدمتها وبأعمال التنظيف.

جرائم وجمعيات وهمية
وبلغت جرائم سعيد إلى درجة إتجارها بالرضع في التبني غير المشروع، حيث قامت بإعطاء رضيعين لعائلتين، مقابل تقاضيها مبالغ ضخمة، ومن دون أي مسوغ قانوني ومن دون المرور بالمحكمة، وذلك أيضًا بالتواطؤ مع أحد المخاتير، في تزوير الأوراق والمستندات الرسمية للرضع!

وكشفت جرائم وتجاوزت نورما سعيد، مرة جديدة، ضبابية وفوضى عمل الجمعيات في لبنان، والشكوك حول مصادر التمويل وآلية صرفها. حيث ذكر القرار القضائي أيضًا، أن هناك "شبهات عديدة موثقة، تثبت تعاون الجمعية مع جمعيات وهمية غير موجودة بغية الاستحصال على تبرعات ومبالغ مالية لتأدية رسالتها، وهو أمر قيد التحقيق من قبل الجهات القضائية، ويدخل في صلب مكافحة الفساد الذي يدفع ثمنه الأطفال.."

وتشير معلومات "المدن" أن هذه الجمعية، سبق أن صرحت عن وجود نحو 60 فردًا لديها بين أطفال وطفلات ومراهقين/ات قاصرين/ات، إضافة إلى وجود أكثر من 20 عاملًا بالجمعية. وهو ما يطرح التساؤلات عن دور جميع العاملين بالجمعية، ومسؤولياتهم المعنوية والقانونية والمباشرة، حيال ما كان يرتكب بحق هؤلاء الأطفال.  

ونتيجة ذلك، اتخذت القاضية قرارًا قضى بإقفال الجمعية، وأحالت قرارها إلى المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع، وأوقفت مديرة الجمعية وبعض المتورطين معها بجرم الاتجار بالبشر، كما ينظر مرجع قضائي آخر في النيابة العامة، بقضية الرجل المتحرش من العاملين بالجمعية.

ادعاءات الجمعية
رسميًا، تتبع هذه الجمعية مباشرة إلى مطرانية السريان الأرثوذكس ممثلة بالمطران جورج صليبا. ولعل الأكثر إثارة في قصة الجمعية المصنفة قانونيًا "دار إيواء" منذ تأسيسها سنة 2020، هي أنها أخذت العلم والخبر من وزارة الداخلية تحت شعار أن "غايتها إنسانية، تنموية، اجتماعية تسعى بشكل عام لإيواء، استقبال وتأهيل المعرضين للخطر من جميع الأعمار لاسيما الفئة العمرية لغاية سبع سنوات، وتقديم كل ما من شأنه المساهمة في تنمية وتطوير قدراتهم الجسمانية والنفسية، وذلك من خلال دعم مهاراتهم الفكرية والتعليمية لتمكين دمجهم في مجتمع صالح، يؤهلهم الانطلاق نحو مستقبل أفضل. وبصورة عامة متابعتهم صحيًا علميًا وثقافيًا".

وهو ما يطرح أيضًا وفق كثيرين، إشكالية الآلية التي تتبعها وزارة الداخلية في منح أذونات العلم والخبر لإنشاء الجمعيات.

والمثير أيضًا، هو أن القوانين اللبنانية تجيز للجمعيات من هذا النوع عدم التعاقد مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وتاليًا، التحرر من سلطتها الرقابية. وهو ما أقر به وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار بحالة جمعية "قرية المحبة والسلام"، التي لم تتعاقد مع وزارة الشؤون الاجتماعية. أي أنها رفعت عن نفسها وعن الوزارة سلطة الرقابة والمتابعة لضمان حماية الأطفال.

التقصير الرقابي
وفي حديث لـ"المدن"، تعتبر خبيرة الحماية الأسرية رنا غنوي، أن المشكلة تبدأ من عدم إخضاع جميع الجمعيات العاملة بالمجال الرعائي والاجتماعي لسلطة وزارة الشؤون الاجتماعية، وأن الأخيرة تبرر تقصيرها الرقابي بضعف القدرات اللوجستية والمادية.

وتقول إن الواقع الكارثي للأطفال والطفلات في بعض الجمعيات ودور الحضانة والمدارس، سببه الفجوة المسلكية أكثر مما هي قانونية. وتفسر ذلك: "حتى الآن، ورغم كل الفضائح والجرائم المرتكبة، لم تعمل وزارات الشؤون والتربية والصحة والمالية والعدل مجتمعة على وضع خطة طوارئ اجتماعية لتنفيذ استراتيجية الاستجابة السريعة".

عمليًا، تمكنت القاضية بو حيدر من نصرة الأطفال والقاصرات الذين وقعوا ضحية هذه الجمعية ولو بعد حين. لكن ذلك، وعلى أهميته القصوى، قد لا يكون كافيًا للحد من الجرائم المرتكبة بحق الأطفال، في ظل هشاشة القوانين وضعف الأنظمة الرقابية.

وتتحدث معطيات عن محاولة للملمة فضيحة الجمعية وصاحبتها وبعض المتورطين معها، نظرًا لانتماءاتهم السياسية. والسؤال اليوم، من يراقب ويتابع ما يحصل في بقية المؤسسات الرعائية في لبنان؟