قلب أنطوان توقّف قبل تأمين المبلغ لإجراء الجراحة

لم يكن قلب أنطوان أسود قويّاً كفاية ليصمد أكثر، الوقت كان عدوّه ولم يكن المال بحوزته لإجراء جراحة بطاريّة للقلب التي تبلغ كلفتها بين 15 و20 ألف دولار. أنطوان واحد من عشرات المرضى الذين غدرهم الموت قبل أن يتمكّنوا من إجراء الجراحة، وهناك عشرات المرضى الذين يموتون في منازلهم بصمت لأنّهم عاجزون عن دفع تكاليف استشفائهم. وصلنا إلى القعر الصحّي، الجهات الضامنة عاجزة عن تصحيح تسعيراتها بما بتناسب مع الأزمة الاقتصاديّة وتحليق الدولار، وأموال بعض الناس محجوزة في المصارف فيما القسم الآخر يعاني فقراً أكثر والمستشفيات تهدّد للحصول على مستحقّاتها و"الكاش" هو خلاصها.


"الكاش" بالليرة اللبنانيّة بمبالغ هائلة أو الفريش دولار، وفي كلتا الحالتين قليلون قادرون على استفاء هذه الشروط، في حين يتأرجح غالبية اللبنانيين في الاستدانة أو الموت بسبب استحالة تأمين المبلغ المطلوب. صرخات الاستغاثة لم تعد تجدي، ولا المزايدات التي تعلو بين الحين والآخر استطاعت علاج هذه الثغرات، نحتاج إلى حلّ جذريّ لأنّ صحّة الناس في خطر، وبدأنا نُحصي المرضى الذين خسروا معركتهم في الحياة، ليس بسبب مرضهم بل بسبب عدم قدرتهم على الدفع.


القطاع الصحّي يُحتضر والأمن الصحّي للناس من سيّئ إلى أسوأ، "معك مصاري بتتعالج، ما معك الله يساعدك". لم تعد كلمة مضمون أو لديه تأمين صحّي تنقذك، القاعدة بسيطة عليك الدفع نقداً سواء بالليرة اللبنانية على سعر صرف السوق أو بالدولار لتحصل على حقّ الطبابة، هذا ما أصبحنا عليه اليوم و"ألله يستر من يلي جايي".


كان أنطوان أسود قد خضع لجراحة قلب مفتوح ويضع 9 رسّورات حسب ما أكّد لنا أحد عارفيه، "لم يكن متزوّجاً وبالتالي ليس لديه أولاد، كما لم يكن تابعاً لأيّ حزب سياسيّ. ويبدو واضحاً أنّ مشكلة القلب وراثيّة لأنّه ليس الوحيد في العائلة التي يعاني من مشاكل في القلب. ولكن ساءت حالته وكان بحاجة إلى زرع بطارية في القلب لتحسين حالته، ولأنّه عاجز عن تأمين كلفة الجراحة، لجأ إلى بعض الجمعيّات لمساعدته لتأمين المبلغ".

 

كان الوقت عدوّ أنطوان، لم تسعفه المساعدات المالية التي حصل عليها في استباق الموت، توفّي نتيجة ذبحة قلبية قبل أن يجري الجراحة. ولا صحّة لكلّ ما تمّ تداوله عن أنّه توفّي أمام المستشفى أو أنّ المستشفى رفضت استقباله، توفي أنطوان (54 عاماً) قبل أن يتمكّن من الذهاب إلى المستشفى.


أنطوان ليس المريض الوحيد الذي توفّي قبل أن يتمكّن من إجراء الجراحة، مرضى كثيرون يموتون بصمت في منازلهم من دون أن يعرف بهم أحد. إلّا أنّه للأسف لم توقظ هذه الحوادث الأليمة التي تصيب اللبنانيين ضمائر أحد من المسؤولين المشغولين في حسابات الانتخابات والمزايدات والاتّهامات.


لن ندخل في هرطقة استغلال مآسي الناس وقصصهم لتسجيل هدف في مرمى الخصم السياسيّ، ولسنا في وارد تبرير أو اتّهام أحد، وبغضّ النظر إذا كان أنطوان أسود تابعاً لحزب معيّن، برغم تأكيد أكثر من شخص على أنّه غير منتسب لأيّ حزب كما قيل، ومع ذلك تمّت مساعدته بتأمين مبلغ 10 مليون ليرة، صحّة المواطن ليست بازاراً نتفاوض عليه، هو حقّ مكتسب على الدولة تأمينه ببساطة.


كانت حالة أنطوان الصحّية تستدعي إجراء زرع بطارية للقلب، هذا ما يؤكّده طبيب القلب في مستشفى سيدة جبل لبنان الدكتور منصور جبران في اتّصاله مع "النهار"، مشيراً إلى أنّه "كان يعاني من ضعف في عضلة القلب التي كانت تعمل فقد 26 في المئة، وهذا الضعف أدّى إلى اضطرابات في كهرباء القلب. لذلك يكون خيار البطاريّة بهدف إعطاء شحنة كهربائيّة في حال توقّف القلب أو تنشيط عضلته بنسبة 15-20 في المئة. ويمكن أن يكون أنطوان قد توفّي نتيحة اضطراب في كهرباء القلب الذي أدّى الى وفاة مفاجئة أو ذبحة قلبيّة."


برأي جبران "أنّ لكلّ مريض حالته الخاصّة، ولكنّ العامل المشترك بينهم هو الوقت ومدى سوء حالته. إذ يتحسّن بعض المرضى على الأدوية التي يأخذونها لتحسين عمل عضلة القلب، في حين لا تعطي نتيجة مع مرضى آخرين ويكون الحلّ بزرع بطاريّة في القلب."


ولكنّ الخطر بالنسبة إلى طبيب القلب أنّ "هناك مرضى يموتون في منازلهم لأنّهم غير قادرين على الدخول إلى المستشفى. المشكلة خطيرة وجدّية وهي مترابطة بحلقات متداخلة من انقطاع أدوية إلى كلفة الاستشفاء الباهظة والفروقات التي يتوجّب على المريض دفعها، والأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلد منذ سنتين. لقد أطلقنا هذه الصرخة وما زلنا نستغيث وما كنّا متخوّفين منه بات واقعاً نراه في لبنان".