المصدر: الراي الكويتية

The official website of the Kataeb Party leader
الخميس 27 تشرين الثاني 2025 01:14:59
تتعدّد المقارباتُ والخلاصةُ واحدة: التصعيدُ آتٍ، أما التوقيتُ فإما بعد زيارة البابا ليو الرابع عشر لبيروت (بين الأحد والثلاثاء)، وإما بعد نهاية السنة، ما يجعل ديسمبر شهراً مفصلياً كما في لبنان كذلك للمنطقة.
وفي وقت كانت طهران بلسان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، تظهّر إمساكها بزمام «التصلّب الاستراتيجي» لـ «حزب الله» لجهة رفْض سحب سلاحه، وهو السلوك الذي يُبْقي الدولةَ اللبنانيةَ في موقع ضعيف على الساحة الدولية و«مكشوفة» على مخاطر التصعيد الاسرائيلي، جاءت محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في بيروت لتَحمل مزيجاً من الارتياح إلى أن لبنان ليس «متروكاً» عربياً لمصيره القاتم، ومن تعزيز القلق من «الرياحِ الساخنة» التي تحوم فوق الوطن الصغير ولم تعد... مكتومة.
ولم يكن عابراً أن عبدالعاطي تعمَّد التذكيرَ بأنه يزور بيروت للمرة الرابعة في غضون 18 شهراً، وتأكيده أن تحرّكه أتى «بتوجيه مباشر» من الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي حرص على أن يستبق بدء وزير خارجيته محادثاته في لبنان باتصالٍ أجراه بالرئيس جوزف عون «تمت خلاله مراجعة ومتابعة كل ما يتعلق بالتطورات في المنطقة ولبنان الشقيق» والتشديد على دعم القاهرة لـ «بلاد الأرز» وشعبها «في الظروف الراهنة التي تمر بها».
وانطوت المواقفُ التي أدلى بها عبدالعاطي بعد لقاءاته مع كل من الرئيس جوزف عون ورئيس البرلمان نبيه بري كما مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، إلى جانب ما نُقل عنه في اجتماعاتٍ لم يصرِّح بعدها كما مع رئيس الحكومة نواف سلام، أو لم يُعلن عنها كما مع نواب وشخصيات سياسية، على تعبيراتٍ واضحة عما يحدق بلبنان ما لم تنجح مَساعي القاهرة، التي بدت كأنها «الفرصة الأخيرة»، في خفْض التصعيد الحالي وتالياً تَلافي ما كرّر وصْفه بأنه «ويلاتُ أي تصعيد (إضافي) محتمل».
وخلْف سطور كلام الوزير المصري ارتسمت محاولةٌ لإنضاج «أرضيةٍ مَرْجعيةٍ» لخفْضِ التصعيد تُوازي بين اتفاق وقف النار الذي يكمل اليوم سنته الأولى، وبين القرار 1701، ومبادرة عون التي أعلنها في رسالة الاستقلال، وقرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة في جنوب الليطاني وشماله و«كل ربوع لبنان»، على أن يظلّل ذلك وقف اسرائيل اعتداءاتها كمنطلق.
وتمثّلت «الجملة - المفتاح» بكلام عبدالعاطي في ما أعلنه بعد لقاء بري حول اذا «كان نقل تحذيراً للبنان من احتمال شن اسرائيل لعدوان قريب»، إذ قال إن «العمل الأساسي ليس التحذير ولكن التواصل مع الأشقاء في لبنان، ونحن ننقل رؤيتنا وما يصل الى مسامعنا ونعمل بطبيعة الحال على سد أي ذرائع أو تصعيد محتمل».
وأكد «تعويلنا الدائم على حكمة الرئيس بري في تحقيق الإتزان المطلوب والتوازن وأيضاً العمل على تحقيق الإستقرار وخفض التصعيد في لبنان».
وقال: «تحدثنا عن مبادرة الرئيس عون الأخيرة التي أعلنها لمناسبة عيد الاستقلال وأثلج صدرنا أن الرئيس بري أعلن دعمه الكامل علانية لها».
وأضاف ان «مصر توظف كل شبكات العلاقات التي تربطها على مستوى الفاعلين الإقليميين والدوليين لتجنيب لبنان الشقيق ويلات أي تصعيد محتمل في الفترة المقبلة».
وتابع «علينا العمل الدؤوب والمكثف من خلال الاتصالات مع كل الاطراف الاقليمية والدولية المعنية من أجل العودة للالتزام باتفاق 27 نوفمبر بكل جوانبه ومراحله بما في ذلك حصر السلاح وفرض سيادة الدولة، واذا كان يتحرك اللآن في منطقة الجنوب هناك مراحل أخرى، ولكن على الجانب الاسرائيلي ان يتوقف عن الانتهاكات التي يقوم بها وأن نترك فرصة امام مؤسسات الدولة اللبنانية وفي مقدمها الجيش للاستمرار بأداء مهمته الوطنية والتي يقوم بها بنجاح».
وكان عبدالعاطي، شدد بعد لقائه الرئيس اللبناني على «اننا نقوم بجهد مكثف لتجنيب لبنان أي مخاطر او أي ميول عدوانية ضد أمنه وسلامته، وهذه الجهود تتم بتعليمات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولن تتوقف، لان استقرار لبنان من امن مصر واستقرارها. وبالتأكيد نحن معنيون بشكل كامل باستقرار لبنان وبأهمية الانسحاب الكامل من كل الأراضي اللبنانية وتطبيق القرار 1701 بكل بنوده وجوانبه من دون انتقائية، وهو ما يتطلب بطبيعة الحال وقف كل الانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية بكل صورها وبشكل فوري».
وإذ كرر أن مصر تسعى لنزع فتيل التصعيد، قال: «نحن نخشى من أي احتمالات للتصعيد ونخشى على أمن لبنان واستقراره، ولن نتوقف عن بذل أي جهد للعمل على تجنيب لبنان أي ويلات ومخاطر للتصعيد».
واعتبر «أن المنطقة برمتها على شفير التصعيد الكامل، وهذا لا يخدم مصالح أي طرف على الاطلاق، ولدينا اتصالات مع كل الأطراف بلا استثناء ونوظّفها لخدمة خفض التصعيد ودفع الحلول السياسية والدبلوماسية من خلال الحوار والتواصل، سواء المباشر او غير المباشر».
من جهته، أكد الرئيس نواف سلام خلال لقائه عبدالعاطي أنّ «الجيش يقوم بواجبه في تطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة وتنفيذ قرارات الحكومة، إلا أنّ إسرائيل تستمر في خرق الاتفاق من خلال الاعتداءات اليومية واحتلال عدد من النقاط في الجنوب». وثمّن «جميع الجهود التي تبذلها مصر لخفض التصعيد».
إسرائيل تتوعّد بيروت
وما عزز أهمية الحركة المصرية، رفْع اسرائيل مستوى تهديداتها للبنان، إذ توعّد وزير دفاعها يسرائيل كاتس لبنان بأنه «لن ينعم بالهدوء في حال عدم ضمان أمن إسرائيل».
وقال: «لن نسمح بأي تهديد ضد سكان الشمال، وسيستمر فرض إجراءات صارمة بل وستتصاعد».
وحذّر كاتس «كما كنا مستعدين قبل أيام عدة لعملية التصفية (لرئيس أركان حزب الله هيثم طبطبائي)، لن يكون هناك هدوء في بيروت، ولا نظام واستقرار في لبنان، حتى يتم ضمان أمن دولة إسرائيل»، مضيفاً: «في حال لم يسلم حزب الله سلاحه، فلا مفرّ من العمل مُجدداً بقوة في لبنان».
ولفت إلى «أن الأميركيين ألزموا حزب الله بالتخلي عن سلاحه حتى نهاية السنة، ولا أرى أن هذا سيحدث ولا أعتقد أن حزب الله سيتخلى عن سلاحه طوعاً».
وفي مؤشر إلى أن اسرائيل تضيف عناصر إشكالية إلى سلّة التفاوض المحتمل مع، قال كاتس إن تل ابيب «ستُعيد النظر باتفاق الحدود البحرية مع لبنان (أُبرم برعاية واشنطن خريف 2022)»، مشيراً إلى أنَّ «هذا الاتفاق فيه نقاط ضعف وقضايا إشكالية».
وفي إطارٍ متصل، برز ما نقلتْه «نيويورك تايمز» عن الموفد الأميركي توم براك من أنه «إذا شعرت إسرائيل بالتهديد فسترد في أي وقت وأي مكان»، وهو الموقف الذي يؤشر إلى تفهُّم أميركي لأي تصعيدٍ من تل ابيب تجاه «بلاد الأرز» التي نقلت قناة «الحدث» عن مصدر سياسي فيها إنَّ «الهجوم الإسرائيلي المُحتمل على لبنان أصبح شبه حتمي والحل الوحيد هو في انصياع حزب الله لقرارات الحكومة وليس التهديد»، كاشفاً أنَّ «وزير خارجية مصر حذر لبنان من عمل عسكري إسرائيليّ ضده عبر الجو والبر».
«الخبز والماء»
وعلى وهج تقارير أخرى نقلت أن سفراء ومسؤوليين أممين نبّهوا لبنان أيضاً من أن اي تصعيد اسرائيل قد لا يقتصر على أهداف لـ «حزب الله» وربما يشمل مراكز تابعة للدولة، أطلق علي أكبر ولايتي مواقف بدت بمثابة «قنص» على المبادرات الدبلوماسية لخفض التصعيد وإعلاءً لدور ورقة «حزب الله» في مفاوضات طهران مع الغرب ومحاولة وقف تآكُل نفوذها على امتداد قوسٍ «يتكسّر» ساحة بعد ساحة.
وقال إن «الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية المتواصلة ضد لبنان تُظهر أن وجود حزب الله بات أهمّ من الخبز اليومي والماء»، وفق ما نقلت «وكالة تسنيم للأنباء».
وأضاف ولايتي، أن «إسرائيل لم تلتزم تعهداتها في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، ما يثبت مرة أخرى أنها لا تلتزم بأي من القوانين الدولية».
وأشار إلى أن اغتيال رئيس أركان الحرب هيثم طبطبائي، في الضاحية الجنوبية لبيروت، يوم الأحد، يعد «انتهاكاً لسيادة لبنان»، معتبراً أن إسرائيل «تحاول بث الرعب بين اللبنانيين، إلا أنّ لبنان أثبت صموده في وجه هذه الممارسات».
كما رأى ولايتي أن الخروقات الإسرائيلية المستمرة «أظهرت للجميع النتائج الكارثية لنزع سلاح حزب الله بالنسبة للبنان»، مؤكدا أنّ «إيران دعمت وستواصل دعم الحزب».
وعاجَل وزير خارجية لبنان يوسف رجي ولايتي بمنشور على منصة «اكس» متوجهاً إلى نظيره الإيراني عباس عراقجي: «كنتُ فعلاً أرغب بتصديق ما تفضلّتم به من أنّ إيران لا تتدخّل بشؤون لبنان الداخلية، إلى أن خرج علينا مستشار مُرشدكم الأعلى ليرشدنا إلى ما هو مهمّ في لبنان وحذّرَنا من عواقب نزع سلاح حزب الله. وهنا أوضح ما يلي: ما هو أهمّ من الماء والخبز بالنسبة إلينا هي سيادتنا وحريتنا واستقلال قرارنا الداخلي بعيداً عن الشعارات الايديولوجية والسياقات الاقليمية العابرة للحدود التي دمّرت بلدنا ولا زالت تمعن في أخذنا نحو الخراب».