كليرفيلد في الجنوب: محاولة أميركية لتفادي الانفجار أم لتثبيت المواجهة؟

ثمة ما يشبه العد التنازلي الصامت في سماء لبنان،  مصادر أوروبية تحدثت لصحيفة عربية عن احتمال أن تكون الضربة الإسرائيلية الواسعة ضد لبنان مسألة وقت لا أكثر، بالتالي هذا الكلام لا يُقرأ في إطار التهويل المعتاد، بل في سياق واقعي تتقاطع فيه المعطيات الأمنية والسياسية والعسكرية، لتضع البلد الصغير أمام واحد من أخطر منعطفاته منذ عقود. 

فإسرائيل، وفق تلك المصادر، لا تزال تدرس خيار توجيه ضربة موسعة، فيما لم يُحسم بعد إن كانت ستتعامل مع الدولة اللبنانية كطرف متواطئ أو كسلطة فاشلة عاجزة عن ضبط حدودها وسلاحها.

في المقابل، يراقب الداخل اللبناني المشهد بانقسامٍ خانق بين من يرى أن التهديد مجرد ضغط سياسي، ومن يخشى أن يكون مقدمة لانفجار فعلي قد يغير وجه البلاد، فمع تصاعد التوتر على الحدود وتزايد الاختراقات الجوية والرسائل الميدانية، يتعمّق الشعور بأن لبنان يُساق بهدوء نحو لحظة خطيرة، حيث يصبح الخطأ في الحساب كافيًا لإشعال كل شيء.

تقول مصادر أمنية لموقع “kataeb.org” إن الأشهر المقبلة قد تشهد نوعاً جديداً من الحروب الباردة الساخنة، عمليات محدودة، مسيّرات، ضربات دقيقة، وضغوط اقتصادية تهدف إلى إخضاع الساحة اللبنانية تدريجياً من دون الحاجة إلى حرب شاملة، فلعبة الأعصاب الطويلة هذه، كما تصفها المصادر، قد تكون أكثر تدميرًا من الحرب نفسها، لأنها تترك الجرح مفتوحاً وتستنزف قدرة الدولة على الصمود يوماً بعد يوم.

في هذا السياق يبرز اسم الجنرال الأميركي جوزاف كليرفيلد، الرئيس الجديد للجنة الإشراف على وقف إطلاق النار، كعنصر دقيق في معادلة متوترة، يوصف الرجل بأنه صاحب مناقبية عالية، مختلفة عن كثير من الضباط الأميركيين الذين مرّوا في هذا الملف، لكن وجوده لا يخلو من الرمزية، فالبعض يرى أنه جاء لمنع الانزلاق نحو الأسوأ، فيما يخشى آخرون أن يكون تمهيداً لتفاهم أميركي -إسرائيلي يهدف إلى ضرب حزب الله ضربة حاسمة ونهائية تُعيد رسم قواعد اللعبة.

ومهما كانت النوايا، فبحسب اوساط نيابية تحدثت لموقعنا، يبقى أن التباطؤ في معالجة ملف سلاح "حزب الله" يضع لبنان أمام اتهامات مباشرة، كَوْن واشنطن تحديدًا لم تعد تفرق كثيرًا بين العجز والتواطؤ، وأي تقاعس إضافي عن بسط سيادة الدولة سيُقرأ كإشارة ضعف تستدعي تدخلاً أو تصعيدًا. 

وتضيف: هكذا، يتحول السلاح من قضية داخلية إلى ذريعة دولية تُستعمل لتبرير كل خطوة قد تُقدم عليها إسرائيل تحت عنوان استعادة الردع أو حماية الحدود.

وتلفت الاوساط عينها، ففي حال وقع الانفجار، لن تكون نتائجه عسكرية فحسب، بل إنسانية وسياسية بامتياز، سينهار ما تبقى من توازن أمني، وستشهد البلاد موجات نزوح جديدة، وانقطاعًا في الخدمات الأساسية، وانهيارًا في البنية الاقتصادية الهشة أصلاً. 

أما على المستوى السياسي، فإن أي مواجهة من هذا النوع ستُسقط آخر ما تبقى من ثقة بين الدولة ومواطنيها، وستفتح الباب أمام مرحلة من الفوضى والفراغ يصعب احتواؤها لاحقاً.

بالتالي، الفرصة الوحيدة المتبقية تكمن في استعادة المبادرة، ولو متأخرة، المطلوب اليوم إعادة تفعيل الدبلوماسية اللبنانية على خط العواصم المؤثرة قبل أن تُرسم الخطوط الحمراء من دون مشاركة لبنان فيها، فكل تأجيل إضافي لمواجهة الحقائق سيحوّل الدولة إلى رهينة على طاولة الآخرين، عاجزة عن حماية نفسها أو التفاوض باسمها.

وتخلص الاوساط إلى القول: ما يحدث الآن ليس مجرد تصعيد أمني عابر، بل مؤشر على زمن جديد يُكتب ببطء فوق الجغرافيا اللبنانية، قد ينجح الداخل والخارج في تأجيل الانفجار، لكن إشعاره الأحمر صار مرفوعًا بوضوح، لبنان يقف على حافة رفيعة بين الخلاص والانهيار، بين القدرة على ترميم دولته أو خسارتها بالكامل، وإن لم يتدارك لحظته الآن، فستأتي الضربة لا كصدمة، بل كتحصيل حاصل بالتالي العد التنازلي بدأ، ولا أحد يملك ترف الصمت.