"كمّ أفواه" صحافيين جنوباً بغَضَب مناصرين لـ"حزب الله"

يتكبّد الصحافيون اللبنانيون عناء تحمّل أساليب مضايقة حاصلة كظاهرة مرفوضة تُلحَظ خصوصاً في مناطق أو قرى تتولّاها بعض الأحزاب السياسية. وباتت مضايقات كهذه تتطلّب اقتلاعاً جذريّاً بدلاً من ظاهرة محاولة "قبع مهمّة الصحافيّ" أو تقييد تحرّكه، وهذا ما يظهر في توقيت المناوشات الحربية أيضاً... ويشكِّل الجنوب اللبناني إحدى العيّنات المتّخذة مثالاً راهناً على انتهاكات حاصلة في حقّ العاملين في مجال الصحافة، علماً أنّ هكذا "حرتقات" لا تنحصر في منطقة الجنوب بل إنّ ما يحصل عموماً في مناطق متعدّدة يُعتَبَر مقياساً مناسباً لحالات مشابهة.

لكن، أن يتعرّض الصحافيون لهكذا حالات تضييقية من مناصرين لـ"حزب الله" تحت "زخّ القذائف"، فهذا بذاته أدّى إلى تنديد خاصّ في الأوساط الإعلامية والمؤسّسات المدافعة عن الحريات. وجرى أن تلاحقت ثلاثة إخلالات مشابهة أوّلها تعرّض على أثرها مراسل قناة "العربية" محمود شكر لاعتداء بالضرب من مناصرين لـ"حزب الله" أثناء قيامه بمهامه الإعلامية ما استدعى نقله إلى المستشفى كما حُطّمت مقتنيات فريق "العربية".

ثمّ تعرّضت الإعلامية مايا الهاشم للاحتجاز لساعات خلال قيامها بوظيفتها بعدما اقتيدت وزميلها إلى مكان آخر. وكانت حالة الانتهاك الثالثة من نصيب مراسلة قناة "أم تي في" جويس عقيقي التي تعرّضت للمضايقة مع فريق عمل المحطة، بعدما اعترضها أحد الأشخاص متوجّها إليها بعبارات هجومية وطالباً منها مغادرة المنطقة التي تؤدّي رسالتها الإعلامية من خلالها.

وإذ تُعتَبر هذه المضايقات مستنكرة فإنّه يلاحظ أنها تحصل رغم تنسيق غالبية الفرق الاعلامية مع جهات فاعلة أو نافذة في الجنوب. وانطلاقاً من معطيات "النهار"، فإنّ غالبية الفرق الصحافية التي تتولى تغطية الأحداث في الجنوب اللبناني بُعَيد انطلاق المناوشات المستمرّة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، تعمل على تنسيق خطواتها مع مديرية التوجيه في الجيش اللبناني وكذلك مع "حزب الله" في غضون حالات الاستنفار التامة القائمة راهناً من ناحيته في اعتباره يتولّى الزمام الأمنية. وبدا لافتاً أنّ أساليب المضايقة التي تعرّض لها الصحافيون في الأيام الماضية أثناء تغطيتهم للأوضاع جنوباً، أتت رغم تنسيق بعضهم القائم مع فريق "حزب الله" قبل دخول المنطقة، وهذا ما ينطبق على حال ما جرى مع المراسلة جويس عقيقي التي واجهت انتهاكاً خلال تأديتها مهمتها الصحافية.

وإذ تؤكّد عقيقي القيام بأعمالها المهنية والموضوعية على أكمل وجه وتنقلها بين جبهة وأخرى بهدف مواكبة الحدث، فـ"إننا نتعرّض خلال أعمالنا للمضايقة من غير المحبّذين للمؤسسة الصحافية التي أمثّلها ولا أفصل بيني وبينها"، وفق تأكيدها. وحصل أن استنكر "حزب الله" لها شخصياً الإشكال الذي اعتبره بمثابة عمل فرديّ، لكن الفكرة التي تحرص عقيقي التأكيد عليها لـ"النهار"، تكمن في "ضرورة عدم تخوين أيّ شخص لا يوافقنا الرأي وتحويله إلى خائن لبلده رغم كلّ ما أتعرّض له من مخاطر على الجبهات حيث لا يحقّ لأحد إجراء فحص دم في الوطنية لي أو اعتبار الأرض حكراً له لأنها أرض كلّ اللبنانيين وتستوعب الجميع في الجنوب اللبناني وسط قواسم مشتركة كبيرة متمثلة في اعتبارنا جميعاً كمواطنين لبنانيين". والحال نفسها، لا بدّ أن تنطبق على المناطق اللبنانية الأخرى أيضاً وفق تشخيص عقيقي، لأن "ما يجمعنا هو لبنان واحد. ومن المعيب تخوين من يخالف أحدهم الرأي واعتباره خائناً... وأنا جويس عقيقي لا أنتمي إلى أيّ حزب سياسي بل إلى هذا الـ"لبنان" المشلّع، وعندما يجمعنا بلدنا ليس هناك ما يفرّقنا".

تحتاج ظاهرة مضايقة الصحافيين إلى حلّ على مستوى نفوس الناس وعقليّتهم ولا إمكان أن تستمرّ كعقلية متحجّرة وحاقدة، انطلاقاً من قراءة عقيقي للخلل، حيث "يتوجّب النظر إلى المواطنين جميعاً على أنهم من اللبنانيين ولا يمكن الاستمرار في تخوين من يختلف رأيه عن الآخرين. ولا بدّ للبنانيين أن يتكاتفوا في مرحلة تتعرّض فيها البلاد للمخاطر الإسرائيلية واختراق الأجواء اللبنانية". وإذ تعتبر نفسها موجودة للقيام بعملها مع شكرها لجميع المتضامنين، تلفت إلى أنّ "الإناء ينضح بما فيه" بالنسبة إلى الحاقدين. وفي استنتاجها، "لا إمكان أن يتحدّث شخص واحد في اسم جميع الجنوبيين أو يختصرهم، حتى أولئك الذين ينتمون إلى توجّه سياسي مماثل مؤيد لـ"حزب الله"، منهم عبّروا عن تضامنهم معي واستنكارهم لما حصل. وفي المحصلة، لا يمكن اختصار الجنوب بفئة محدّدة أو حزب واحد".

توثيق الانتهاكات التي يتعرّض لها الصحافيون بدءاً من تاريخ اندلاع المعارك بين إسرائيل وحركة "حماس" وانعكاسها كمناوشات على الحدود اللبنانية الجنوبية، تولّته "مؤسسة سمير قصير" وتستند "النهار" إلى أوساط المؤسسة لتستعرض الآتي، "بدءاً من جريمة الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في استهدافها طواقم الصحافيين وقتلها المصوّر عصام عبدالله من خلال صاروخ موجّه. ووصولاً إلى انتهاكات في الداخل الفلسطيني شملت 10 قتلى صحافيين إضافة إلى صحافيَّيْن مفقودَيْن وعشرات الجرحى". أمّا بالنسبة إلى الممارسات الحاصلة في الجنوب اللبناني لناحية طرد مناصري "حزب الله" بعض الصحافيين، فإنها استناداً إلى تقويم "مؤسسة سمير قصير" تعتبر بمثابة "ممارسات مرفوضة ولا يحقّ لأيّ شخص منع الصحافيين من نقل الواقع والحقيقة مهما يكن دور قوى الأمر الواقع؛ ويحقّ للمواطنين معرفة المعلومة التي ينقلها الصحافيّ. وما يجري نوع من أعمال القمع المرفوضة وكان يفترض تسهيل طريق نقل الصورة، على عكس ما يحصل في الجنوب اللبناني من مضايقات للصحافيين نتيجة عملهم في مؤسسات إعلامية يختلف محتواها عن مزاج قوى الأمر الواقع الموجودة".

ويُعتَبر التصويب على المؤسسات الإعلامية حالة مقلقة ترصدها "مؤسسة سمير قصير" وسط محاولة قوى الأمر الواقع في بعض المناطق فرض سيطرتها على كلّ شيء، و"هذه مسألة مرفوضة بالنسبة إلى بلد يدّعي الحرية". وتُشجع "مؤسسة سمير قصير" الصحافيين الذين يتعرّضون لانتهاكات على اتباع المسلك القانوني وإن كان قد لا يصل إلى نتيجة، ولكن "لم تُلحظ حتى اللحظة ردود أفعال على الأفعال التي يتعرّض لها الصحافيون. ومن الضروري للجسم الإعلامي أن يتضامن مع نفسه عندما يتعرّض أحد الزملاء لمضايقة أيّاً تكن. وتأخذ أشكال الانتهاكات أكثر من منحى منها الدعاوى أو الحروب الفردية على الإعلام أو المضايقات التي تُشعر الصحافي أنه مقيَّد... أمّا تغيير بعض مكونات المنظومة الأمنية فيحتاج عملاً في السياسة من خلال العودة إلى الديموقراطية والانتخاب، وهذا لا يُعتبر مسألة متوفرة حالياً". من ناحيتها، استنكرت جمعية "إعلاميون من أجل الحرية" ما لحظته من "الانتهاكات الميليشياوية في حقّ الإعلاميين أثناء تأدية واجبهم في تغطية الأحداث كواقع أسود يلقي بظلاله على الحريات العامة والإعلامية".