المصدر: المدن
الكاتب: أدهم مناصرة
السبت 2 آب 2025 22:44:06
في غمرة الضبابية المخيمة على مستقبل لبنان والمنطقة عموماً، خرج موقع "الأخبار اليومية اليهودية" الإسرائيلي، بتقرير يرصد التحولات الأمنية والعسكرية على جبهة لبنان من مسافة صفر، بعد مرور 8 أشهر على سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
واستند التقرير إلى مقابلات مع قادة في اللواء الثالث في الجيش الإسرائيلي المعروف باسم "ألكسندروني"، والذي يتولى مهمة مركزية في التموضع على التلال الخمس في منطقة رأس الناقورة منذ احتلالها على إثر الحرب الأخيرة.
وتحت عنوان "مقابلات تكشف واقعاً جديداً"، فاخر الموقع الموجه لليهود المتدينين بما وصفه "التحول الاستراتيجي والتغيير الدراماتيكي" في جبهة لبنان، محاولاً رسم صورة براقة لمقاتلي وحدة الكوماندوس "ألكسندروني"، وهم يراقبون "مشهداً تغير تماماً"، ويؤدون مهمة مركبة، جمعت بين الرصد الاستخباراتي لأي حركة لـ"حزب الله"، وإحباط محاولات الأخير إعادة بناء قدراته، مروراً بتنفيذ عمليات سرية في عمق الأراضي اللبنانية.
وسلط التقرير الضوء على أهمية التلال اللبنانية الخمس بعيون عسكرية إسرائيلية، وكأنها معيار حاسم ومُثبت للتغييرات "الاستراتيجية". وقال قائد وحدة الكوماندوس الإسرائيلية من دون كشف وجهه أو اسمه، أنهم يتموضعون على قمتها، لكونها "إنذاراً مبكراً وإضافياً" ضد أي خطر، وتمكنهم من مراقبة جانبي الحدود بشكل "دقيق ودراماتيكي". وتابع معد التقرير أن مشاهداته من قمة إحدى التلال تكشف "الأهمية الاستراتيجية الهائلة" للسيطرة عليها في العمق اللبناني.
وبحسب قائد كتيبة في وحدة "ألكسندروني"، وسُمّي بالرمز "راء"، فإن التغيير الدراماتيكي يكمن في التحول من "تهديد وجودي إلى واقع جديد"، مضيفاً أنه قبل التوغل البري الإسرائيلي في جنوب لبنان، كان عناصر "حزب الله" يقفون على نفس التلة، ويراقبون كل صغيرة وكبيرة في المستوطنات المحاذية للحدود.
وقال قائد سرية في الوحدة الإسرائيلية أن دروس الحرب الأخيرة في لبنان، قادت إلى استراتيجية جديدة مفادها "الجنود قبل المدنيين"، أي تمترس الجنود الإسرائيليين على القمم اللبنانية التي احتُلت في الأشهر الأخيرة، بحجة أنها "خط دفاعي استباقي". وأضاف أن هناك دافعاً آخر للسيطرة على التلال يتمثل بكونها نقطة لانطلاق عمليات خاصة في الأراضي اللبنانية، بدعوى أنها تمنح الجيش الإسرائيلي "مساحة مناورة" تمكنه من العمل بحرية في الأراضي اللبنانية قبل وصول عناصر "حزب الله" إلى العمق الإسرائيلي.
وهنا، ادعى قائد وحدة "ألكسندرون" أن الاستراتيجية الاسرائيلية انتقلت من "التدمير إلى الردع"، لكنه حذر من شعور "الغرور" والارتكان على "الإنجازات العسكرية"، متحدثاً عن ضرورة مواصلة ملاحقة ومطاردة "حزب الله" وإحباط أي مسعى لإعادة بناء قدراته.
وفاخر القائد في وحدة الكوماندوس المذكورة، بأن قواته ينفذون عمليات مستمرة في الأراضي اللبنانية بعد وقف إطلاق النار، وكل ليلة تقريباً بهدف خلق شعور بالمطاردة لدى الطرف الآخر، وهو تعبير يمثل اعترافاً عسكرياً إسرائيليا بأن العمليات في لبنان تجري من دون هدف محدد في كثير من الأحيان. وكشف القائد العسكري أن لديهم "الوحدة 869" لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتقوم الأخيرة بالتنسيق مع وحدة "ألكسندروني".
وأشار العسكري الإسرائيلي أيضاً إلى أن الوحدة نفذت قبل أسبوعين عملية في جنوب سوريا، أدت إلى اعتقال خلية تعمل لصالح إيران معتبراً ذلك دليلاً على أن وحدة الكوماندوس "تصل إلى كل مكان.. وفي أي وقت".
وفي سبيل تعزيز شعور الإحباط لدى "حزب الله" خصوصاً واللبنانيين عموماً، نشر التقرير مجموعة من الصور لقرى وأراض لبنانية على مرأى من الجنود الإسرائيليين. وراح إلى دق إسفين بين اللبنانيين، عبر القول أن كل شخص لم يسمح لـ"حزب الله" بتحويله إلى بنية عسكرية، فإنه "كسب هدية بعدم تدمير منزله"، في إشارة إلى أن التدمير اقتصر على قرى ومنازل استُخدمت لصالح "حزب الله"، وهو ادعاء إسرائيلي يحاول إخفاء فلسفة الانتقام والتدمير التي تنتهجها تل أبيب ضد كل ما هو فلسطيني ولبناني، عبر تكريس مشهدية الدمار في غزة ولبنان، بغض النظر عن انتماءاتهم وعلاقتهم المباشرة بـ"فصائل المقاومة" من عدمها.
ونسب قادة وحدة الكوماندوس الإسرائيلية "فعالية العمليات الهجومية الإسرائيلية ضد حزب الله خلال الحرب الأخيرة"، إلى "الاستنزاف" الذي لحق بالحزب خلال فترة وجود إسرائيل في موقع "الدفاع" بعد اندلاع المواجهة عند الحدود في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وبحسب قيادة وحدة "ألكسندرون" الإسرائيلية، ، اغتال الجيش الإسرائيلي منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ أكثر من 220 من عناصر وقيادات ميدانية لـ"حزب الله" في جنوب لبنان وما بعده، بموازاة تنفيذ عمليات قصف ضد بنى تحتية للحزب.
ويأتي التقرير في وقت تبرز فيه مخاوف من عودة شبح الحرب الواسعة على لبنان، على ضوء الرسائل الأميركية والإسرائيلية بخصوص سلاح "حزب الله"، لكن التقرير عمد إلى بث رسائل عسكرية إسرائيلية إلى بيروت، أبرزها أن احتلال التلال اللبنانية الخمس هو دائم لذرائع وجودية، إلى جانب مواصلة عمليات القصف والتوغل سراً في لبنان إلى أجل غير مسمى، وسط مساعٍ إسرائيلية لإحداث تغييرات ديموغرافية في المنطقة اللبنانية القريبة من حدود فلسطين.
وجاءت السيطرة الإسرائيلية على التلال الخمس في أعقاب توصية أمنية وعسكرية إسرائيلية إثر هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الذي نفذته "حماس" في جنوب إسرائيل وأشعل فتيل الحرب في غزة. وأفادت التوصية حينها بأن تنشئ تل أبيب مناطق أمنية واسعة مع جميع دول الجوار، بما يشمل حصرية السيطرة الإسرائيلية على المناطق الأكثر ارتفاعاً، من أجل درء الخطر الوجودي.