كيف أصبحت سوريا الوجهة الأولى للبضائع اللبنانية؟

فيما انكفأت دول الخليج تدريجا عن الاستيراد من لبنان بعدما كانت تشكل الوجهة الأبرز للصادرات اللبنانية مستحوذة على نحو 21% من مجمل الصادرات قبل عام 2012، برزت سوريا مستوردا رئيسيا، لتتبوأ المرتبة الأولى في حجم الصادرات اللبنانية خلال العقد الأخير.


صحيح أن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين البلدين تعدّ أمرا طبيعيا ومنطقيا، لكونها تقوم على أسس ثابتة ومبررة مثل الجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية، إلا أن الأزمات التي تعيشها سوريا، إلى جانب انخفاض كلفة صناعاتها المحلية، يمكن أن تشكل عاملا يحد من اعتمادها على المنتجات اللبنانية ذات الكلفة المرتفعة.


لكن البيانات الجمركية اللبنانية تكشف واقعا مغايرا. إذ تشير إلى أن سوريا "احتلت المرتبة الأولى بالاستيراد من لبنان" خلال الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2025، لأسباب لخصها وزير الاقتصاد عامر البساط لـ"النهار" بالعلاقات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية بين البلدين، وسهولة النقل وانخفاض كلفته.

أسباب التحول؟
على الرغم من الصعوبات التي عاشتها سوريا خلال سنوات الأزمة، بقي لبنان موردا رئيسيا للكثير من المنتجات الزراعية والغذائية والصناعية التحويلية التي تلائم حاجات السوق السورية. وقد مكّنه قرب المسافة وتنوع الإنتاج اللبناني من تلبية جزء من الطلب السوري لسلع يكلّف استيرادها من بلدان أبعد، وهو ما أسهم في تحقيق فائض تجاري لمصلحة لبنان.


يؤكد مدير "شركة الدليل الصناعي" فارس سعد أنه "قبل نحو ربع قرن، لم تكن سوريا تحتل موقعا متقدما في قائمة الدول المستوردة من لبنان، بل كانت تراوح بين المرتبتين السبعين والثمانين بسبب القيود المالية والإدارية الصارمة التي كانت مفروضة على حركة التجارة بين البلدين. ففي تلك الفترة، كان التاجر اللبناني يُلزم تغطية قيمة الاعتماد لتوريد بضاعة إلى سوريا نقدا، في حين كانت الدول الأخرى تتمتع بفترة سماح تصل إلى 90 يوما. لكن المشهد تغير جذريا بعد توقيع اتفاق "الصداقة والتعاون والأخوة" عام 1991 الذي قدّم امتيازات وتسهيلات جمركية غير مسبوقة، ثم أعقبه الاتفاق الاقتصادي والاجتماعي سنة 1993، ثم كان الاتفاق عام 1998 على إعفاء البضائع اللبنانية من الرسوم الجمركية والذي دخل لاحقا ضمن اتفاق التيسير العربية".

 
ويضيف: "الاتفاقات السياسية فتحت الباب أمام تسهيلات تجارية غير مسبوقة، شملت إعفاءات جمركية وحوافز للصناعات اللبنانية، ما جعل السوق السورية مفتوحة على مصراعيها أمام البضائع الآتية من لبنان".


إلى ذلك، يؤكد سعد أن "قرب المسافة جعلت عملية التوريد أسرع وأقل كلفة من أي وجهة عربية أخرى. وكان للحرب السورية والحصار الاقتصادي، وتحديدا بعد صدور قانون قيصر الأميركي، دور حاسم في زيادة اعتماد سوريا على السوق اللبنانية. وبغض النظر عن البضائع التي تهرّب إلى سوريا لسد حاجات السوق، أصبح لبنان المنفذ التجاري الأقرب والأكثر مرونة لتلبية حاجات المستهلك السوري، ولا سيما في المواد الغذائية والصناعية الخفيفة". وإلى العوامل أعلاه، يوضح سعد أن "بعض الصادرات اللبنانية كانت تمر عبر الأراضي السورية، لإعادة تصديرها إلى العراق أو دول أخرى".


وبالأرقام، تشير الإحصاءات إلى أن سوريا احتلت المرتبة الأولى في الاستيراد من لبنان بين عامي 2016 وآذار/مارس 2025، إذ بلغت الصادرات إليها ما قيمته نحو مليار و584 مليون دولار، فيما استورد لبنان منها بنحو مليار دولار، بينما جاء العراق في المرتبة الثانية من حيث الكميات، لكنها الأولى من حيث الأرباح. فقد صدّر لبنان إلى العراق في الفترة عينها ما قيمته مليار و375 مليون دولار، في حين استورد لبنان منه ما يقارب الـ 52 مليون دولار فقط.


تُعدّ الصناعات الغذائية في مقدم السلع اللبنانية المصدرة إلى سوريا، تليها الصناعات الميكانيكية والآلية وبعض المنتجات الكيميائية والمنزلية. ويعزو سعد ذلك إلى تشابه الأذواق والحاجات الاستهلاكية بين الشعبين، إضافة إلى سهولة التبادل البري وقلة تكاليف النقل والتخزين.