كيف يؤثّر قصر النّهار على تركيزك ومزاجك؟

مع دخول الخريف تمهيداً للشتاء، لا يتغيّر الطقس فقط… بل يتغيّر إيقاع حياتنا الداخلية. تقصر ساعات النهار، تغيب الشمس باكراً، ويبدأ كثيرون بالشعور بانخفاض الطاقة وصعوبة التركيز. فقلّة التعرّض للضوء الطبيعي يؤثر على الساعة البيولوجية، وإنتاج الهرمونات، وحتى طريقة عمل الدماغ.

أكدت دراسة " 2Access to daylight and view in an office improves cognitive performance"، أنّ الموظفين في المكاتب الذين لديهم وصول إلى ضوء النهار ونافذة مطلّة على الخارج، قد أدّوا أداءً أفضل في مهامٍ معرفية مقارنة بمَن ليس لديهم ذلك. ووجدت أنّ مزيج الضوء الطبيعي مع المنظر الخارجي، حسّن بعض مقاييس الأداء المعرفي.
واستعرضت مقالة "Seasonality of brain function: role in psychiatric disorders" العلمية، كيف يمكن لتغيّرات طول النهار وتقلبات الضوء الموسمية أن تكون أساساً لتقلبات في وظائف الدماغ وأعراض الاضطرابات النفسية. وتشير المقالة إلى أن الوجود في أيام أقصر، يرتبط بأنماط عمل دماغية معدّلة وربما بشدة أكبر للأعراض في اضطرابات المزاج والنفسية.

لماذا يؤثر قصر النهار على إنتاجيتك ومزاجك؟

شرح المعالج النفسي والمستشار لدى منظمة "أطباء بلا حدود"، الدكتور ماريو عبود، في حديث إلى "النهار"، أنّ الإنسان يحتاج للتعرض إلى الشمس كثيراً، وتؤدي قلة ضوء النهار في الشتاء إلى تقلبات مزاجية موسمية مثل الاضطراب العاطفي الموسمي (ASD)، من جراء عدم التعرّض لضوء النهار بما فيه الكفاية شتاءً، وكذلك يفعل الطقس البارد. وهذا ما تؤكده حالات الاكتئاب وتغيّر المزاج في الدول التي يتسم شتاؤها بالضباب ويقصر يومها كثيراً مثل السويد وكندا وغيرها.
كذلك، يؤثر عدم التعرض إلى ضوء النهار شتاءً من جراء قصر اليوم، على إيقاعات الجسم اليومية الطبيعية، أي على دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية (circadian rhythm)، ما يؤدي إلى انخفاض الطاقة، وصعوبة التركيز.

ويلعب ضوء الشمس دوراً أساسياً في تنظيم الساعة البيولوجية التي تتحكم في نوم الإنسان ومزاجه ومستويات طاقته، بحسب عبود.

وتؤدي قلة ضوء الشمس إلى انخفاض مستوى السيروتونين، وهو مادة كيميائية في الدماغ تُشعرنا بالسعادة وتؤثر على مشاعرنا. كما يُسبب هذا الاضطراب خللاً في مستويات الميلاتونين، ما يجعلنا نشعر بالتعب والخمول، وقد يُسهم حتى في نقص فيتامين د. ومع انخفاض درجات الحرارة وقلة الأنشطة الخارجية، ليس من المستغرب أن تنخفض الإنتاجية.

هل يحفز قصر النهار الإنتاج أكثر خلال اليوم باعتبار أنّ لا يزال الليل طويلاً؟ أم يجب أن يفكر الشخص بالعكس؟
يقول عبود إنّ طول النهار لم يتغير بطبيعة الحال، وبالتالي غير مطلوب أن ترتفع إنتاجية الشخص إذا ما غابت الشمس أبكر من المعتاد وكان الليل طويلاً. فالأمر بالعكس. المطلوب أن يستفيد الشخص من قصر النهار، وأن يبدأ يومه باكراً مع طلوع الشمس وينهيه باكراً مع غروبها، والاستفادة من الوقت المتبقي من اليوم لنشاطات أخرى.
كيف تسترجع طاقتك في الأيام القصيرة؟

أكّدت دراسة "Higher light levels may improve cognitive performance"، أنّ التعرّض لضوء نهاري أكثر كثافة (أعلى illuminance) يُحسِّن الأداء المعرفي في مهام تتطلّب تركيزاً. بالتالي، لا بد من التعرّض للضوء قدر المستطاع في الصباح.

لذا، لا بد من الالتزام بهذه النصائح لتحسين مزاجك وطاقتك:

-       اخرج في ضوء النهار، وإن كان الطقس بارداً.

-       تقصّد اختيار أماكن عمل أو جلوس مطلّة أو فيها نافذة، لأن وجود الضوء مع المنظر يرفع الأداء الذهني.

-       تجنّب الجلوس طويلاً في ضوء ضعيف لأنّ ذلك قد يُبطئ عمل الدماغ.

-       استخدم إضاءة داخلية ذات كثافة جيّدة خلال النهار.

-       تجنّب الإضاءة الخافتة جداً أو اللعب بالشاشات في أوقات النهار كبديل للضوء الطبيعي.

-       افتح الستائر عند استيقاظك.

كذلك، لا بد من ممارسة الرياضة، فبحسب مقالة " Short-term cognitive boost from exercise may last for many hours" لجامعة Harvard، فإنّ تمارين معتدلة إلى قوية لمدة 60 دقيقة مرتبطة بتحسّن في الذاكرة في اليوم التالي. ووجدت دراسة " Physical activity and cognitive function moment-to-moment and day-to-day associations" أن جلسات التمارين لحوالي 20 دقيقة تحسن الأداء المعرفي تحسناً ملحوظاً حتى لو لم تكن التمارين عالية الشدة. لذا:

-       مارس نشاطاً بدنيّاً منتظماً خارج المنزل.

-       20-30 دقيقة (مثل المشي السريع، الرقص، صعود السلالم)، يمكن أن تُعطي دفعة معرفية وتحسّن التركيز.

-       حاول أن يكون النشاط صباحاً أو في منتصف النهار حتى تستفيد من تأثيره في اليوم ذاته.

-       اجعل وقت النوم والاستيقاظ ثابتاً تقريباً كل يوم، حتى مع تغير أيام النهار.

-       تجنّب الشاشات والإضاءة الزرقاء القوية قبل النوم مباشرة لأنها قد تعكّر إيقاعك البيولوجي.

-       كل 60-90 دقيقة، خذ دقيقة أو دقيقتين من الاستراحة، أغمض عينك، تنفس ببطء، أو قم من مكانك وتحرك قليلاً، فهذا يساعد الدماغ على إعادة الضبط. وأثناء الاستراحة، حاول التعرض لضوء النهار أو حتى الوقوف قرب نافذة لبضع دقائق.