لأقوياء القلوب... ناجية من قوارب الموت تروي قصتها: حيتان وسكاكين وتحرش وقمة "الوحشنة"!

في قوارب الهجرة غير الشرعية نداءات كثيرة ومقالات توعوية لصدّها كونها "قوارب موت". لن ادخل في عظات لشرح المخاطر التي قد تهدد حياة المهاجرين، الا اني سأروي قصة "ملك" (اسم رمزي)، لربما يتعظ بعض من يريد خوض هذه الغمار. ملك سيدة حالفها الحظ ربما او رافقتها العناية الالهية من المؤكد، لكي تبقى حيّة بعد 23 يوما قضتها في رحلتها الى بلاد بعيدة،  23 يوما كانت كالكابوس، جعلتها امرأة اقوى فعلاً، لكنها تركت في داخلها ذكريات أليمة ومرّة، ناصحة جميع من يفكر بالهروب عبر القوارب غير الشرعية ألا يخاطر لأنه ليس دائما "تسلم الجرّة".

قصة ملك (متزوجة وأم لولدين) بدأت حين قررت ترك لبنان لتهاجر، حزمت امتعتها ووضعت اموالها في جيب سروالها الداخلي، خوفا من اي مجهول، وغادرت عائلتها على امل اللقاء القريب في دولة تحترمها اكثر، علما انها كانت تدرك انها لا تعلم السباحة وبالتالي هناك خطر كبير على حياتها.

واللافت في الامر كان انضمام زوجة المهرب واقاربه الى الرحلة التي لم تبدأ بالقارب اولا، انما باغلاق عيون المهاجرين ووضعهم "كالخواريف" في شاحنة صغيرة، والسير بهم بسرعة فائقة نحو جهة مجهولة، خوفا من ان توقفهم القوى الامنية، وهناك يتم تبادلهم مع مهرب آخر، عن طريق الركض ثم رمي انفسهم الى الشاحنة الثانية التي تسير ايضا. وهكذا بدأوا يرمون انفسهم واحدا تلو الآخر، وحين جاء دور ملك، علقت رجلها في الشاحنة فبات المهرب يصرخ عليها ويشتمها لتركض وهي غير قادرة صحيا على ذلك، "والدم يفور" من رجلها، الا انها قررت ان تقسو على نفسها وان تخطو خطواتها لتصل الى الشاحنة الاخرى.

وبعد الوعود بان الرحلة ستنطلق اليوم وغداً، استغرق الامر 6 ايام، قضوها في فيلا مهجورة قديمة ومتسخة لشخص مجهول، لكن ملك لم تستطع النوم، حولت حقيبتها الى مخدة ولكن لم يغف لها ساكن، فنظرت الى الباب فرأت المهرب يدخل الى غرفتها وينظر اليها بطريقة وحشية وكأنه يرغب بها، وبدأ يسأل الهاربين عنها، الا ان احدهم قال له انها ابنة عمه، وطمأنها بأنه لن يتركها وسيبقى في غرفتها مع سائر الرجال لكي لا يتعرض لها المهرب لا من قريب او بعيد.

وفي اليوم السادس، جاء القارب، وبدأت الجموع تصعد وسط الصراخ والشتائم وقمة الاذلال، وهنا كانت المفاجأة فالقارب المرتقب ان يضم 200 شخص، سيحتوي على 500 شخصا، واغلب المتوافدين اجانب ومعهم سكاكينهم، اما المفاجأة الثانية فانه كان مركونا في عمق البحر، فنزل الجميع الى البحر وسط الامواج العالية ليصلوا الى القارب ريثما ينتهي هذا الكابوس، ومعهم ملك وهي تبكي، خائفة من الرحلة المجهولة كونها لا تتقن السباحة من جهة، وتريد العودة الى اولادها من جهة ثانية.

اما المفاجأة الصدمة فهي ان القبطان كان مراهقا بعمر 16 عاماً، ويمتلك هاتفا حتى يتصل بفرق الانقاذ الا ان بطاريته كان ينفذ شحنها.

وسار القارب، وكان الى جانبه قاربا آخر ما لبث ان مشى حتى غرق كل الراكبين فيه، الا ان قارب ملك كان يسير وبهدوء وعند حلول الليل، بدأ سيناريو الرعب يزداد، فالسواد في السماء وفي البحر، وهنا بدأ الجميع يرى اسماكاً كبيرة، "قد تكون دلافين ام اسماك قرش لا اعلم".

غير ان القارب وعلى شدة الظلام ضاع عن مساره في المياه، الا انه وللحظ، تم اللقاء بسفينة ايطالية سياحية سارت امام القارب وطمأنتهم بأنها ستتحدث مع فرق الانقاذ لاعطائهم الاحداثيات. الا ان الوقت مرّ، ولم يظهر اي دليل على النجاة، وهنا تصف ملك مرارة اللحظة اذ بدأ "الرجال بالبكاء، والنساء فقدن اعصابهن وغبن عن الوعي من قلة الطعام والشراب، وبعد يومين وصلت بارجة الانقاذ ورجلي كانت تبدأ بالالتهاب، فعالجوها على قدر المستطاع وكان المنقَذون صغارا وكبارا واطفالا وشبابا وعددهم كبير جداً ".

وبعد ذلك اوصلتهم البارجة الى مخيم يحتوي 1500 شخص، ثم اتصلت ملك ومن معها بالمهرّب، فارسل اليهم قائد السيارة فقطعت النمسا والمانيا، وسط مخاوف من ان يتم القبض عليهم من قبل شرطة هذه الدول الاجنبية.

والتقت ملك بامرأة أعطتها خريطة مقابل آخر فلس كان معها، واوصلتها الى محطات القطار ودلتها اين يمكن ان تسلم نفسها، وهنا التقت باشخاص فعلا ساعدوها على الوصول الى محطة تسليم نفسها ووطأت اقدامها البلد الذي تنوي الوصول اليه والذي منحها كل الأمان والاحترام والإنسانية  حيث بدأت رحلة جديدة وحياة جديدة.