لبناني متهم بالعمالة لإسرائيل يصدم أصدقاءه: تفاصيل لم تُروَ

كل شيء انكشف في مجموعة "واتسآب" تضم خمسة من أصدقائه، عندما أرسل أحدهم فيديو لتقرير وبيان للأمن العام حول تفكيك شبكة تعمل لصالح العدو الإسرائيلي، وكانت بصدد التحضير لأعمال إرهابية من تفجيرات واغتيالات في الداخل اللبناني، وتوقيف بعض أعضائها. 

ظهرت الحروف الأولى من اسم "م. ص." ضمن أربعة أسماء مرمّزة وردت في بيان الأمن العام. في البداية، لم يصدق الأصدقاء الأمر، وظلوا في حيرة، حتى انتشرت صورته في تقارير إخبارية بوسائل الإعلام اللبنانية، كما كُشف عن اسمه الكامل (رغم أن بيان الأمن العام أبقى الاسم مرمّزاً). وأدركوا أن ما تمت مشاركته بالمجموعة، كان صحيحاً، لكنهم لم يصدقوا الخبر إلا بعد ظهور صورته في تقرير تلفزيوني آخر.

صدمة وخيبة

كانت الصدمة الكبرى لأصدقائه الذين عرفوه عن قرب. أحدهم قال: "لم أصدق ما قرأت، لم أستوعب أن صديقي الذي عرفته طوال هذه السنوات، الشخص الذي كنت أثق فيه، فعل هذا". ويضيف: "الآن أفكر كيف يمكن لشاب أن يبيع بلده ومحيطه ودينه، ويتعامل مع العدو الإسرائيلي؟" وأضاف آخر: "الحمد لله أننا قطعنا صلتنا به قبل أن يدخل بيتنا". 

سارع أصدقاء "م. ص." الى حذف صوره من حساباتهم الاجتماعية. ويقول أحد أفراد المجموعة: "محوت كل الصور التي تجمعني به، لم أعد أريد أي ذكرى تجمعنا. لا أتشرّف بأن أكون صديقاً سابقاً لخائن". 

وتساءل الأصدقاء كيف استطاع أن يخون كل شيء، وكيف تحول من صديق مقرّب إلى عميل، بينما كانوا يتذكرونه شاباً متديّناً، منخرطاً في العمل التطوعي، يشاركهم الضحك والتخطيط لمشاريع خيرية، قبل أن تتحول كل صورته إلى لغز صادم عن الخيانة والخيبة.خلفية عائلية

"م. ص." الذي يحمل الجنسية البرازيلية إلى جانب جنسيته اللبنانية، حسبما أفاد بيان "المديرية العامة للأمن العام"، هو شاب لبناني بدأ دراسة الهندسة المدنية في العام 2013، ويتحدر من إحدى قرى البقاع الغربي، وكان يبدو للجميع معتدلاً، وملتزماً دينياً وسياسياً ضد إسرائيل. ينتمي الى عائلة ميسورة مادياً ومعروفة في محيطها.

انضم إلى جمعية خيرية لممارسة العمل التطوعي بين 2017 و2020، وكان مقرباً من "الجماعة الإسلامية" لكنه لا يحمل بطاقة حزبية. بعد إنهاء دراسته الجامعية في بيروت، تسجل في برنامج "MBA" في برلين، ومن هناك بدأت ترتسم الشكوك حول نشاطه، حسبما تشير التقديرات. 

في أوساط أصدقائه، بدأ التحليل، وتسارعت التكهنات: "هل بدأ مشواره بالتجسس أثناء وجوده في ألمانيا؟"، يسأل أحد اصدقاءه، إذ ربط بين هذه الرحلة، ومسار تشغيله من قبل العدو، بالنظر الى أن رحلاته الى أوروبا تكررت في الآونة الاخيرة، مما أثار أسئلة في أوساط أصدقائه عن هذا التغيير المفاجئ في نمط حياته، لناحية تكرار رحلاته السياحية الى أوروبا بمفرده، علماً أنه كان في تلك المرحلة يتحضّر للزواج، وقد تزوج بالفعل قبل انكشافه بنحو شهرين.

وكانت التحقيقات المنشورة في تقارير إعلامية، كشفت عن اسم مشغّل له يُدعى "مارتين"، ويقيم في ألمانيا، كما شارك الشاب في عملية اغتيال أحد أقربائه، علي الحاج، زوج عمته، الذي ينتمي إلى "الجماعة الإسلامية"، واستهدف منزله في الرفيد في البقاع الغربي العام 2024.

تساؤلات حول الدوافع

كل المعلومات الجديدة التي ظهرت دفعة واحدة بعد تحقيقات بدأت في أيلول، تركت أصدقاء "م. ص." مذهولين، متسائلون عن الدوافع؟ فمن الناحية المادية، لم يكن "م. ص" بحاجة لذلك، وفقاً لمجموعة اصدقائه المقربة منه، ويسأل هؤلاء: لماذا باع كل شيء وتعاون مع العدو الإسرائيلي؟ 

في مجالسهم اليوم، يذكر أصدقاؤه "م. ص." كما عرفوه: شاب عادي، طموح، كان ملتزماً دينياً، ويغالي في التزامه الديني في ممارساته اليومية. كان في نظرهم صديقاً مقرّباً، قبل أن تتحول صورته في عيونهم إلى لغز صادم، وتنقلب الصورة باتجاه الخيانة والخيبة.

لم تقتصر الصدمة على الصداقات القديمة. فالكل يحاول استيعاب "خيانته لأقرب المقربين منه"، في إشارة إلى زوج عمته! ويقول أحد الأصدقاء: "كيف كنا نخطط سوياً ونضحك سوياً ونتشارك في العمل الخيري، وهو شخص يفتقد أصلاً للخير؟" ويضيف: "إذا كانت الخلافات السياسية سبباً في تنمية الحقد، فكيف يمكن لشخص أن ينزلق الى التعامل مع العدو، مهما كان هذا الاختلاف السياسي كبيراً؟"