"لبنان أولا"... مفتاح الحل للأزمة الرئاسية

جاء في الراي الكويتية: أي «سورياليةٍ» أن يشكّل تأكيدُ عواصم غربية وإقليمية وعربية وجوب «لبْننة» الحل للأزمة الرئاسية المتمادية، عامِلَ قلقٍ داخلياً حيال أفقِ المأزق المُسْتحْكِم والذي يُنْذِر بدخولِ مرحلةٍ أقسى في سياق لعبة «مَن يصرخ أولاً» يُخشى أن تستمرّ فوق الهشيم المالي فتكون بمثابة الصاعق لـ «الانفجار الكبير» ما لم يبادر الأفرقاء اللبنانيون المعنيون لتفيؤ الانفراجاتِ الإقليمية للنزول كلٌّ من على «شجرته» على متن... «حبْلٍ وسط».

ولم يكن أدلّ على هذه المشهدية من الارباكات التي سادت لدى أطراف لبنانيين مع الحركة البارزة التي استكملها أمس السفير السعودي في بيروت وليد بخاري وحملتْ رسالةً واضحة عنوانها «الانتخابات الرئاسية شأنٌ سياسي داخلي لبناني بامتياز وقرار الخيارات السياسية يؤخذ ويُصنع في بيروت، والمملكة ضد الإملاءات في هذا الموضوع من أي جهة كانت (...) وليس لدينا اعتراض على أيّ مرشحٍ رئاسي يختاره اللبنانيون ويحظى على ثقتهم، وما يتوافق عليه اللبنانيّون نُرحِّب به».

وإذ جاء موقف السفير السعودي ليؤكد أن الرياض وواشنطن تلتقيان على أن «القفل والمفتاح» في الأزمة الرئاسية ومتفرعاتها هو في «لبنان أولاً»، وذلك بعدما كانت طهران تركت لحلفائها إدارة هذا الملف وفق القواعد التي سبق أن اعتمدوها وارتكزتْ على حجْز موقع متقدّم لزعيم «المردة» سليمان فرنجية في السِباق الذي يخوضه «على حصانٍ» فرنسي لاحت مؤشراتُ فرْملة اندفاعته ما لم يكن تم وقْفها، فإنّ تَحَرُّك بخاري وما أعلنه تحوّل مادة تأويلاتٍ داخلية، رغم اعتبار أوساط مطلعة أنه لم يَخْرج عن ثوابت المملكة في رفْض التدخل في الشأن اللبناني على قاعدة أن «أهل مكة أدرى بشعابها»، وأن أي مرتكزات تحدّدها في ما خص موقعها ودورها في دعم أي مسار لنهوض «بلاد الأرز» تنضوي تحت ما سبق للمجتمع الدولي أن رسمه، وتنطلق من أن لبنان دولة سيّدة لها فيها أصدقاء ولا تتعاطى معهم بمنطق «الإملاء».

فالسفير السعودي الذي زار أمس، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، بلْور أكثر جوهرَ موقف الرياض من الواقع اللبناني والذي كانت عبّرت عنه أجواء لقائه مساء الأربعاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

وكانت زيارة بكركي المحطة الأبرز في تظهير مقاربة السعودية للانتخابات الرئاسية، حيث نُقل عن بخاري «أننا على ثقة بأنّ اللبنانيين قادرون على تحقيق التّوافق الذي يُساهم في حل الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية واستعادة ثقة المجتمع الدولي»، قبل أن يأتي الموقف الأكثر وضوحاً على لسان المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض الذي نَقل عن السفير السعودي أنه حمل تحيات المملكة الى البطريرك الراعي «مقدّراً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ووضع حد للفراغ الرئاسي الذي تعتبره المملكة يهدد كل المساعي الآيلة إلى تحقيق تطلعات المجتمع اللبناني».

وبحسب غياض، شدد بخاري الذي نشر هذا الكلام على صفحته على «تويتر»، على أنه «يجب وضع حد للفراغ الرئاسي بأسرع وقت، وأن المملكة تعتبر أن الاستحقاق الرئاسي شأن سياسي داخلي لبناني بامتياز وأن ليس لديها أي اعتراض على أي مرشّح رئاسي يحظى بثقة اللبنانيين أنفسهم، فأي رئيس ينتخبه المجلس النيابي ترحب به المملكة الحريصة على التعاون ودعم لبنان».

وأضاف بخاري: «المملكة حريصة على ألا تُتهم بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، وتؤكد أن انتخاب الرئيس هو شأن داخلي وهم لا يضعون الفيتو على أي مرشح ولا يدعمون أحداً ويرفضون زجهم في الشؤون الداخلية للبنان».

وكان السفير السعودي عاود نشر تغريدة لجعجع عن فحوى الاجتماع بينهما مساء الأربعاء وفيه أكد رئيس «القوات» «اننا تباحثنا في التطورات السياسية في البلاد وخصوصاً موضوع الاستحقاق الرئاسي، حيث كان موقف المملكة واضحاً لجهة اعتبار الانتخابات الرئاسية شأناً سيادياً لبنانياً ويعود للبنانيين مسألة تقرير مَن سيكون الرئيس المقبل وتقف المملكة خلف اللبنانيين في خياراتهم».

وفيما شكّل هذا الموقف فحوى ما أعلنه النائب سامي الجميل بعد استقباله بخاري، فإن أجواء فريق «8 مارس» تعاطت مع ما أعلنه السفير السعودي على أنه يعبّر عن عدم وجود فيتو على مرشح «حزب الله» والرئيس نبيه بري أي فرنجية، معتبرة أن هذا ما سبق لبري أن تلقاه من الجانب الفرنسي، في حين رأت أوساط المعارضة أن بخاري في رسالته الشفوية التي حملها من المملكة «قطع الطريق على مَن راهنوا على أن الرياض في وارد الضغط على أصدقائها في لبنان لانتخاب مرشح الممانعة، الأمر الذي ثبُت أنّ الرياض ليست في وارده، بل هي تعتبر أن الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني سيادي ومتروك للبنانيين التقرير فيه، والمملكة تتعاطى مع الرئيس المنتخَب، اياً يكن استناداً إلى نهجه وسياساته داخلياً وخارجياً، وأنها تركت لحلفائها أن يفعلوا ما يرونه مناسباً في الملف الرئاسي».

وفي حين كرر الجميل بعد استقباله بخاري رفْضه انتخاب فرنجية معتبراً «أن تأمين نصاب أي جلسةٍ يكون زعيم(المردة)ضمَن قبْلها وجود 65 صوتاً له (كفيلة بانتخابه في الدورة الثانية) سيكون بمثابة مشاركة في انتخاب مرشح حزب الله وهذا ما لن نقوم به، ومستعدون لسحْب مرشحنا (ميشال معوض) بحال سحبوا مرشحهم وننزل إلى جلسة بحثاً عن اسم توافقي بين مرشحين أو 3»، أكد «أن السعودية لم تطلب منا شيئاً في الملف الرئاسي، ولا نحن نتلقى تعليمات من أحد، ولن نقبل أن يملي علينا حزب الله إرادته».

ولم يقلّ دلالةً إعلانُ جعجع بعد استقباله السفيرة الأميركية دوروثي شيا أمس، أنّ «الرهان على عامل الوقت في الانتخابات الرئاسية لن يخدم أيّ فريق، وبشكل خاص الفريق الممانع ومرشّحه الذي لن يزيد من فرص انتخابه التي أصبحت معدومة، وبالتالي جلّ ما تؤديه لعبة الوقت هو تفاقم الأزمة وتأخير فرص الإصلاح التي يحتاج اليها اللبنانيون اليوم قبل الغد»، لافتاً إلى أنه «حان الوقت للتحلّي بالجرأة المطلوبة ودعوة البرلمان للالتئام والقيام بمهامه الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس في أسرع وقت».

وفيما أفادت تقارير أن موفداً من بري سيزور البطريرك الراعي اليوم، سادت أجواء عن إمكان أن يبادر رئيس البرلمان قريباً للدعوة إلى جلسة انتخاب رئاسية، مستفيداً ما يعتبره «غياب ممانعة» خارجية صريحة لفرنجية، وعلّ ذلك يساهم في جذْب بعض المتردّدين من نواب المعارضة إلى دعْم خيار زعيم «المردة»، ومُراهِناً على عدم سير كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في تعطيل نصاب الجلسات.

ورغم اقتناعٍ راسخٍ بأن جنبلاط لن يكون في وارد السير بأي مرشح لا يشكّل عامل ثقة للداخل والخارج، والأهمّ لا يلقى قبولاً مسيحياً وهي حال فرنجية الذي يصطدم بتقاطُع مسيحيي المعارضة و«التيار الوطني الحر» على رفْض انتخابه، فإن ثمة خشية من أن تنفتح المرحلة المقبلة رئاسياً على مناوراتٍ ومحاولات حثيثة لـ «الاستفراد» بنواب من المعارضة لجذبهم إلى خيار زعيم «المردة» ولا سيما بحال لم تسارع المعارضة إلى التوحد حول اسم أو نسْج خط تلاقٍ مع «التيار الحر» على مرشح... يقلب الطاولة.