لبنان "المتلقّي" يرصد بقلق نتائج الدخول الإيراني المكشوف في الحرب

لم تشتّت الجهوزية الإسرائيلية الكاملة للمسيّرات والصواريخ الإيرانية التي انطلقت أول من أمس، مستهدفة الداخل الإسرائيلي رداً على عملية اغتيال قادة إيرانيين في دمشق، الطيران الإسرائيلي عن استمرار اعتداءاته على الساحة الجنوبية المكشوفة على كل احتمالات الرد والتوسّع.

فساعات الردع الإسرائيلي للصواريخ والمسيّرات الإيرانية، لم تلجم تلك الاعتداءات بل زادت من وتيرتها، على نحو أرادت منه تل أبيب تأكيد قدراتها الدفاعية والهجومية، وقرارها بعدم التراجع عن المسار الذي رسمته لحربها على لبنان من بوابة الجنوب.

لقد جاء الرد الإيراني على عملية اغتيال قادة لها في دمشق، ليعيد خلط الأوراق وإرساء معادلة إقليمية ودولية جديدة، بعد مرحلة من الترقب إلى مآل الحرب في غزة.

فحكومة نتنياهو التي كانت قد بلغت مرحلة من العزلة والتخلي التدريجي الغربي عموماً والأميركي خصوصاً عن السياسة العبثية المعتمدة في غزة، استعادت، بعد الهجوم الصاروخي، دعماً دولياً ساعد تل أبيب على صدّ الهجوم، من دون أن يعني ذلك إغفال معطى أساسي، تجلى بالسماح لطهران بشن الهجوم. وهذا يُعدّ في رأي مصادر سياسية بمثابة تسليف دولي لإسرائيل منع المواجهة الأكبر، ولكن لا بدّ من أن ينعكس في المقابل في غزة، وفي الحل المرتقب للملف الفلسطيني. ذلك أنه بقطع النظر عن تقييم العملية الإسرائيلية التي استهدفت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، فإنها كانت محدّدة الاستهداف، أما الرد الإيراني فقد وُضع في خانة اعتداء دولة إقليمية كبرى على دولة أخرى مماثلة، ولا يمكن أن يتم من دون غضّ طرف أميركي، وفق هذه المصادر. فالهدف ليس إخراج إسرائيل من عزلتها أو استعادتها لتحالفاتها الدولية لصدّ أي هجوم إيراني محتمل جديد يتهدّد أمنها، أو حتى منحها هامش تحرّك أوسع تأمل به في اتجاه لبنان حيث لا يزال خطر "حزب الله" يهدّد أمن مستوطناتها الشمالية. فالعملية أرست دينامية دولية جديدة فرضت بدورها قواعد جديدة لا بد من أخذها في الاعتبار لأنها فتحت العالم والإقليم على مشهد جديد.

وبناءً على ذلك، فإن الأنظار تتجه الآن إلى ما سيكون عليه رد فعل الحزب على الداخل اللبناني، وسياسة المشاغلة التي انتهجها منذ بدء حرب غزة، ومدى انعكاسها على الملفّ اللبناني ولا سيما في الشق المتعلق بالاستحقاق الرئاسي.

أولى الخطوات الداخلية ستتجلى في اختبار مدى إمكانية انعقاد جلسة لمجلس الوزراء دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تحت عنوان الشعور بالمسؤولية الوطنية، حيث وضع الدعوة بتصرّف جميع الوزراء تلبيةً "لنداء الواجب الوطني، ولا سيما في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد". ولا يستبعد أن تتناول الجلسة إذا انعقدت، الوضع الأمني الداخلي بعد الأجواء المتشنجة التي سادت على أثر مقتل المسؤول في حزب "القوات اللبنانية" باسكال سليمان، وما رتبه من مخاطر على السلم الأهلي في ظل التفلت الأمني الناجم عن اللاجئين السوريين. ويأمل ميقاتي حضور الوزراء المقاطعين من التيار الوطني الحر، نظراً إلى الأوضاع الاستثنائية التي تستدعي التشاور حول الأوضاع الداخلية والإقليمية بعد التطورات الأخيرة، علماً بأن الاتصالات جارية من أجل تأمين انعقاد الجلسة، وسط معلومات عن استبعاد حضور وزراء الثنائي والتيار لها.

على خطّ موازٍ، ستشهد البلاد استئناف سفراء مجموعة الدول الخمس تحرّكهم مع عودة السفراء إلى مزاولة نشاطهم في بيروت بعد عطلة الأعياد، حيث ينتظر أن يكون لهؤلاء جولة جديدة على رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، علماً بأن السفيرة الأميركية ليزا جونسون لن تشارك حكماً في اللقاءين، وهي ستغادر بيروت إلى الولايات المتحدة منتصف هذا الأسبوع. ثم يلتقي هؤلاء الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي.

ومن شأن هذا التحرك أن يعيد الزخم إلى الملف الرئاسي، ولا سيما أن التطورات الأمنية الأخيرة باتت تلقي بثقلها على الوضع اللبناني الداخلي، تحت عنوان أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، علماً بأن أجواء الخماسية قبل الهجوم الإيراني كانت قد عكست دينامية جديدة تحدثت عنها مصادر ديبلوماسية رفيعة، آملة أن تؤدّي إلى خرق حال المراوحة السائدة، والتعويل على مواقف أكثر مرونة من قبل "حزب الله" حيال الملف الرئاسي، بعدما فرض هذا الهجوم معادلات جديدة لا بد من أن تدفع القوى المعطلة إلى السير في تسويات تساعد على النزول عن شجرة التعطيل. وإلا فإن البلاد ستكون أمام مرحلة تصعيد جديدة.