لبنان بعيون عراقية: مريضٌ تعطيه المال ليتعالج... فيهدره

كتب خضر حسان في المدن:

كثُرَت رحلات الوفود اللبنانية إلى العراق لبحث ملفّ تسديد كلفة استيراد زيت الوقود العراقي. ذلك الزيت الذي يستورده لبنان بموجب اتفاقية موقّعة مع العراق في العام 2021 ويستبدله بفيول جاهز لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء. والقصد من البحث المتواصل، هو إقناع العراق باستمرار توريد زيت الوقود بمعزل عن تسديد الكلفة المتّفق بأن تُسَدَّد على شكل سلع وخدمات. حتى اللحظة، لا يستسيغ العراق المقصد اللبناني، لكنه ملتزم بالتوريد في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وما أفرزته الحرب الإسرائيلية من نتائج كارثية على اللبنانيين.

يتجدّد العقد سنوياً، ومعه يكرِّر العراق حاجته لضمانات لبنانية تتعلّق بالتسديد، لكن من دون جدوى. ما يترك الاتفاقية أمام مخاطر قد تؤدّي إلى عدم تجديد الاتفاق، وهو ما عبَّرَ عنه وزير المال العراقي علي علاوي، الذي اعتبر في تموز 2022 عقب تجديد العقد، أنّ الحكومة العراقية بحاجة لضوابط "لتستطيع بموجبها أن تقوم بإدارة المخاطر المالية التي تترتب على الاتفاقية، من ضمنها سعر الصرف والتأخير عن الدفع".

لا ضمانات حتّى الآن، لكن حكومة نواف سلام تواصل مساعيها لطمأنة العراق واستمرار توريد الفيول. ومن تلك المساعي، الزيارة التي قام بها وزيرا المالية والطاقة ياسين جابر وجو الصدّي، إلى العراق لبحث ملفّ الفيول وملفّات أخرى. وفي ظل عدم الالتزام اللبناني، كيف يرى الجانب العراقي مصير الاتفاقية؟.


لقاءات متواصلة
قُبَيلَ اتّساع رقعة الحرب الإسرائيلية على لبنان، كانت حكومة نجيب ميقاتي تجهد لإقناع العراق أنّها ستلتزم دفع مستحقاته. وأتت الحرب لتفرض واقعاً إنسانياً دفعَ العراق إلى غضّ البصر عن مطالبه، ولم يقف موضوع المستحقات عائقاً أمام إرسال العراق المساعدات الإنسانية للبنان. ومع انتهاء الحرب وتشكيل حكومة جديدة، استُؤنِفَت اللقاءات بين الطرفين للتوصُّل إلى حلّ مناسب لقضية مستحقات الفيول. ففي شهر شباط الماضي، توجّهَ إلى العراق نائب المدير العام لجهاز أمن الدولة العميد حسن شقير ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "إيدال" مازن سويد، لمناقشة اقتراح لبناني لكيفية تسديد مستحقّات العراق لقاء الفيول، وذلك عبر تقديم خدمات وبضائع للعراق بنحو مليار دولار. واليوم الإثنين، غادر جابر والصدّي إلى العاصمة العراقية للقاء عدد من كبار المسؤولين العراقيين بهدف تفعيل التنسيق القائم بين البلدين، خصوصاً في موضوع تزويد لبنان بالمحروقات لزوم قطاع الكهرباء، وكذلك لبحث مواضيع تتعلّق بالاتصالات وخط الإمداد النفطي. وأكّد جابر قبيل مغادرته مطار بيروت، أنّه "سيتم البحث في مواضيع تهم البلدين من الكهرباء والاتصالات والفايبر أوبتيك الذي قد يمتد إلى لبنان ومنه إلى أوروبا على أن تكون انطلاقته من لبنان، وموضوع خط أنابيب النفط Pipeline إضافة إلى مسألة معالجة المستحقات المترتبة على لبنان".


عدم الثقة
التفاؤل الرسمي اللبناني يقابله موقف عراقي يتراوح بين الغموض وعدم الثقة. إذ أكّد عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية العراقي النائب باسم نغيمش، أنّ "العقود ثابتة، وأبرمتها الحكومة العراقية وتقيّد ديناً على الحكومة اللبنانية. وهناك اتفاق على أنّ المبالغ المالية المترتّبة، تسدَّد على شكل خدمات". لكنّه أوضح في حديث لـ"المدن"، أنّه "لا يعلم مدى إمكانية الحكومة اللبنانية على السداد، لكن الأكيد أنّها تمرّ بظروف صعبة واستثنائية". ومع أنّ هذا الموقف ينطوي على غموض يخصّ الدفع، إلاّ أنّ "الحكومة العراقية تقدّر تلك الظروف".

من ناحية ثانية، عَبَّرَ المحامي العراقي في مجال النفط والغاز سجّاد السوداني، عما هو أبعد من الكلام الرسمي. ومع تأكيده على أنّ "الشعب العراقي فرح بأن حكومته تقدّم الوقود للبنان"، اعتبر خلال حديث لـ"المدن"، أنّ "الجانب اللبناني ليس لديه خطّة واضحة حول كيفية سداد مستحقات العراق". 

وكشف السوداني أنّ أصواتاً كثيرة في العراق تنظر إلى لبنان في ظل عدم امتلاكه خطة لمعالجة هذه المشكلة، إنّما "يحاول عبر الوفود الرسمية، كسب الوقت من العراق. إذ يدرك الجميع أنّ عمر الحكومة العراقية الحالية بات قصيراً، وستدخل مرحلة تصريف الأعمال، وإذا استفاد اللبنانيون من الجوّ الإيجابي الذي انتشر مع تشكيل حكومتهم الجديدة، وحالة قرب الانتخابات النيابية العراقية وما يرافقها من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة ودخول الحكومة الحالية مرحلة تصريف الأعمال، فسيكسب لبنان نحو 4 أشهر من الهدوء في هذا الملف".

لكن الهدوء لا يعني التغاضي عن الحق بالحصول على الأموال "خصوصاً وأنّ العراق يمرّ بمشكلة نقدية ومالية، وهو في أزمة غياب للسيولة النقدية الكافية التي يحتاجها لدفع المستلزمات، ومنها الرواتب، إذ هناك بين 4 إلى 5 ملايين موظّف في البلد".

يدرك اللبنانيون واقع العراق جيّداً "ويحاولون اللعب ضمن هذه المساحة التي يعرفونها". ولذلك لا يُبدى العراقيون بحسب السوداني "ثقة بالجانب اللبناني. ويشبِّه استمرار إعطاء لبنان المساعدات من دون وجود إصلاحات، بأنّه "مريض تعطيه المال ليتعالج... فيهدره". ويخلص السوداني إلى أنّ "لبنان يستحق المساعدة والعراق يريد استمرار الشراكة لكن بشروط، منها تسديد الديون وضمانات على حسن استخدام الفيول".

تدرك الحكومة اللبنانية أنّ الوقت يداهمها لناحية ضرورة إجراء الإصلاحات، وهي الملتزمة بإجرائها. لكن مسار الإصلاحات يجب أن يلحظ سريعاً إقفال ملف الفيول العراقي بما يضمن سداد المستحقات أو تقديم ما يُطمئن العراق إلى أنّ حقوقه لن تضيع، وما عدم الدفع إلاّ مسألة وقت تحكمها الظروف الصعبة، لا استمرار الفساد.