المصدر: الراي الكويتية
الاثنين 15 أيلول 2025 01:21:13
يَعكس تَقاسُم الملفات المالية صَدارة المشهد اللبناني جنباً إلى جنب مع العناوين السياسية – العسكرية، التلازُمَ الذي لا فكاك منه بين مَساريْن باتا يشكلان واقعياً طرفيْ الحبل المشدود الذي تَسير عليه «بلاد الأرز» التي طوتْ التحولاتُ العميقة في المنطقة ونتائج «حرب لبنان الثالثة» أي هوامش ممكنة لتكرار عملية «اللعب على الحبلين» في ما خص الإصلاح المالي وأخواته، كما السياديّ الذي صارت تختزله قضية سلاح «حزب الله».
وفي الوقت الذي يُكْثِر الخارجُ من إعطاءِ «العينين الحمراوين» للبنان في الملفين السيادي كما المالي، لم يَعُدْ أحد يشكّك في التَشابُك شبه الكامل بينهما بوصْفهما مساريْن يكملان بعضهما البعض إذا أرادتْ بيروت أن تُمدّ لها «شبكةُ أمانٍ» تحول دون أي ارتطاماتٍ مروّعة سواء بدفْعٍ من حربٍ تتجدّد وتتحيّنها إسرائيل أو بـ «نفْضِ يدٍ» دولي من أي دعم لبلاد الأرز للنهوض والإعمار في حال التلكؤ عن التزام «دفتر الشروط» الإصلاحي بشقيّه المتوازييْن.
الملفات المالية
وفي حين تتّجه الأنظار إلى كلمة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اليوم في القمة العربية – الإسلامية الطارئة في الدوحة، استوقف الأوساط السياسية تَصَدُّر الملفات المالية صدارة جدول أعمال مجلس الوزراء في الأسابيع المقبلة، عقب الانتهاء من تعيين الهيئات الناظمة في قطاعات أساسية، ولا سيما في مرافق الاتصالات والكهرباء والطيران المدني، ما يمهّد الطريق أمام استخلاص مندرجات مشروع القانون الارتكازي لاستعادة الانتظام المالي، والمعني خصوصاً بتحديد معالجات «الفجوة» المالية المقدرة أساساً بنحو 73 مليار دولار، تضاف إليها الاحتياجات الاعمارية البالغة نحو 11 مليار دولار.
وفي موازاة استمرار الانشغال بالتحضير لمؤتمرات دولية لدعم الجيش وبتحقيق خطوات ملموسة في ملف حصرية السلاح بيد الدولة الذي يواجَه بمعاندة تصاعُدية من «حزب الله» الذي يستعدّ لإحياءٍ شعبي لذكرى اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله (27 الجاري) وقبْلها تفجيرات البيجر (17 الجاري)، تنكبّ الحكومةُ خلال الأسبوعين المقبلين على مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، وسط توقعات بإقراره ضمن مهلة لا تتعدى نهاية الشهر الجاري، تمهيداً لإحالته على البرلمان مع العمل على ضمان انسياب مروره مع ما يلزم من تعديلات واقتراحات تصويب، عبر لجنتيْ المال والموازنة والادارة والعدل.
وفيما تهدف الحكومة إلى أن يبلغ المشروع محطةَ التشريع الناجز قبل نهاية الشهر الأول من 2026، يمثّل التقدمُ في تحديد مسارات هذه الملفات والتعيينات والتحسينات المستمرّة في إدارة المرافق العامة وموارد الخزينة، ركيزةً صلبة وقابلة للتطوير لقياس استجابة الحكومة لإطلاق مرحلة الاصلاحات الهيكلية، والمنسجمة استطراداً مع المطالب الدولية، على أن تخضع لاختبارٍ أول ضمن نطاق جولة المفاوضات الجديدة التي يتولاها فريق زائر من صندوق النقد الدولي إلى بيروت خلال الثلث الأخير من الشهر الجاري.
وبالفعل، طلب وزير المال ياسين جابر إدراجَ مشروع موازنة 2026 على جدول الحكومة، حيث يَظهر التوازن التام في الأرقام بين بيانات الإيرادات والنفقات عند مستوى 5.65 مليار دولار، أي بزيادة قدرها نحو 653 مليون دولار ونسبتها 13.6 في المئة عن موازنة العام الحالي.
وتعوّل الوزارةُ على تحقيق زيادات متواصلة وبنسب مرتفعة في موارد الخزينة، من خلال مكافحة التهرّب الضريبي والضبط المحكم بشرياً وتقنياً لقنوات الايرادات الجمركية، في حين يؤكد وزير المال خلوّ مشروع الموازنة من استحداث ضرائب جديدة، وتضمينها مشاريع إنمائية واستثمارية تهدف إلى تحريك الاقتصاد ودعم النموّ، مع مراعاة الحاجات الأساسيّة لكلّ قطاع، بالتنسيق المستمرّ مع الوزارات المعنية لضمان توافق هذه المشاريع مع الأولويات الوطنية واحتياجات المواطنين.
وفي الملاحظات الأساسية، وفق ما أبلغه مسؤول مالي معني إلى «الراي»، فقد بَرَزَ الامعانُ في إغفال موجبات الدين العام رغم أهمية هذا البند في تصحيح الانحراف الحاد الذي أَخْرَجَ لبنان من الأسواق المالية الدولية بفعل قرار الحكومة في ربيع 2020، والساري حتى الساعة، بتعليق دفع كامل مستحقات سندات الدين السيادية (يوروبوندز). كما تَغيب أي إشارة جدية تفضي إلى تلبية مطالب تصحيح مداخيل موظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين، فضلاً عن وهنِ أرقام الانفاق الاستثماري، والذي يُعوّل على تنشيطه للمساهمة باستعادة النمو الايجابي للناتج المحلي، والذي فقد نحو 60 في المئة من المستوى الذي كان عليه قبل الأزمات والانهيارات، والبالغ حينها نحو 53 مليار دولار.
ويلفت تجمع موظفي الإدارة العامة، الى ادراج المادة 42 في مشروع الموازنة، والتي تمنح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي لغاية نهاية 2030، إذ إنه «ومع وجود هذه المادة، في حال أقرّها مجلس النواب، وفي حال صدرت الموازنة دون تعديل، فإن الحكومة تتجه إلى تغطية أي زيادة للعاملين في القطاع العام عبر فرْض رسوم جمركية إضافية تطول كافة المواطنين، كما فعلت أثناء إقرار المنحة الشهرية الأخيرة للعسكريين. وهذا تصرف مريب، إذ تضع الحكومة العاملين في القطاع العام، في مواجهة الرأي العام، باعتبار أن أي زيادة للرواتب ستقابلها زيادة في الضريبة المباشرة التي تطال كافة المواطنين».
أما في البُعد الإيجابي، فلم يَلحظ مشروع قانون الموازنة الحالي، وأسوة بسابقه، أي سلفة تمويلية لمصلحة مؤسّسة الكهرباء، بعدما بادرت الى تعديل الاشتراكات والتعرفات وفق الأسعار الجارية للدولار، وبما كفل تغطية تكلفة إنتاج الطاقة، وهو ما يعكس، وفق المسؤول المالي، جدّيةَ تصويب السياسات المالية، باعتبار أن قطاع الطاقة استنزف بمفرده على مدى عقدين سابقين ما يزيد على 24 مليار دولار وفق معطيات التدقيق الجنائي، ليمثّل مع كلفة دعم الليرة الثقبَ الأسود لتَمَرْكُزِ «الفجوة» وتبديد الودائع وتوظيفات البنوك لدى البنك المركزي.
رفع قيمة الغرامات
ويرفع مشروع قانون الموازنة قيمة العديد من الغرامات بنحو 25 ضعفاً، كما يزيد من الالتزامات المتعلّقة بإفصاحات صاحب الحق الاقتصادي، وهو إجراء يساهم في مكافحة غسل الأموال والامتثال للمعايير الدولية، بالإضافة إلى رفع رسوم عدم الالتزام بهذه المتطلّبات.
ويَفرض المشروع رسوماً على الشاحنات الأجنبيّة التي تدخل لبنان لأغراض النقل الدولي، باستثناء الشاحنات الآتية من الدول التي تمنح لبنان إعفاءً من هذه الرسوم. كما ينصّ على أن تقوم إدارة الجمارك بفرض رسوم بنسبة 3 في المئة على كل عمليّة استيراد، على أن تُعتبر هذه الرسوم كأمانة على حساب ضريبة دخل المستورد.
أمّا لجهة أبرز بنود النفقات، فيتوقّع مشروع الموازنة أن تشكّل التقديمات الاجتماعيّة نحو 25.8 في المئة من الاجمالي، تليها الرواتب وملحقاتها للقطاع العام بنسبة 22 في المئة، والتحويلات بنسبة 12.5 في المئة، والانفاق الاستثماري بنسبة 11 في المئة، والاكلاف الادارية بنسبة 10.7 في المئة.