لبنان على شفا قرار مصيري في "الثلاثاء الفاصل"... إستقرار أم إنتحار؟

دَخَلَ لبنان واقعياً «العدَّ التنازلي» لجلسة 5 آب التي يَعقدها مجلس الوزراء لإخراجِ قرار حصرية السلاح بيد الدولة، وهو الاسمُ الحَرَكي لسحْب الترسانة العسكرية لـ «حزب الله»، من إطار الأقوال إلى الأفعال، أو أقلّه وضْعه على سكةِ الترجمة، علّ ذلك يجنّب البلاد الاستمرارَ في «الانتحار» وأن «يترحّم علينا العالم متفرّجاً» كما نبّه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.وفيما كان عون عشية عيد الجيش اللبناني وفي ذكرى شهدائه يعلن ما يشبه «أمرَ اليوم» السياسي بأن «ساعةَ الحقيقة بدأت تدقّ» راسماً إطاراً زمنياً ناظماً لحصريّة السلاح هو «اليوم قبل الغد»، ارتسمتْ في خلفية المشهد الداخلي مَلامِحُ «تَدافُعٍ خَشِنٍ» يُنْذِر بأن يشتدّ في الأيامِ الفاصلة عن «الثلثاء المفصلي» الذي يتمّ التعاطي معه على أن ما بَعده إما «7 اغسطس»، على غرار 7 مايو 2008، أي استخدام «حزب الله» «أظافره» العسكرية مجدداً في الداخل، وإما «سبتمبر لاهب» يُترك فيه لاسرائيل أن تكمل غرْز أنيابِها في «لبنان الجريح» الذي لم يَخرج بعد من تحت ركام حرب الـ 65 يوماً (بين سبتمبر ونوفمبر 2024).

وفي الوقت الذي أوحى الرئيس عون في كلمته المطوّلة من مقرّ وزارة الدفاع في اليرزة بأن الحكومة تتجه في «جلسة السلاح» لتحديد مراحل زمنية لتنفيذ مَضامين التعديلات التي اقترحها لبنان على مقترح الموفد الأميركي توماس براك حول ترسانة «حزب الله» و«بشكل متواز»، فإنّ مناخاتٍ قاتمة لاحتْ من خلف مؤشرات إلى أن مجلس الوزراء قد يتحوّل «كيس ملاكمة» يُخشى أن يُسْقط البلد بـ «الضربة القاضية»:* سواء ذهبتْ الحكومةُ إلى وضْعِ جدول زمني واضح بِسَحْبِ السلاح رغم الرفض الصريح من الحزب، الذي لم يكن ممكناً الجزم بخياراته، وهل يشارك أصلاً في جلسة تحت هذا العنوان، وهل ينسحب من الحكومة بعد أي قرار في هذا الاتجاه، أم يندفع نحو ما هو أدهى ويكرر سيناريو «5 مايو 2008 (قرار الحكومة بنزع شبكة اتصالات الحزب او سلاح الإشارة) الذي أفضى الى 7 مايو».وكان الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أعطى ما اعتُبر أول «جرعة تصعيد» في الطريق الى جلسة الثلثاء المقبل، حين «ارتقى» بكل مطالبةٍ بتسليمِ ترسانة الحزب في هذه المرحلة وقبل التزام اسرائيل بالانسحاب من التلال الخمس ووقف الاعتداءات وإطلاق الأسرى وبدء الإعمار إلى مستوى «خدمة المشروع الاسرائيلي»، ورابطاً مسألة سلاحه، الذي «لن نسلّمه لاسرائيل»، بـ «نقاشٍ داخلي» يَجْري بعد تحقيق هذه الأولويات وبمَخاطر وجودية تؤشر وفق خصومه برغبة في «تأبيد» الاحتفاظ بالسلاح.*

وسواء انكفأتْ الحكومةُ، تحت وطأة الاتصالات عبر «الخطوط الساخنة» داخلياً، عن تحديد جدول زمني لحصْر السلاح واعتمدت «أنصاف الحلول» أو صِيَغاً «تخفيفية» تحاول الالتفافَ على الضغوط الأميركية خصوصاً لترجمة الأقوال إلى أفعال و«فوراً»، مثل الاختباء وراء «أولوياتٍ» ترمي كرةَ «الخطوة الأولى» على اسرائيل «وبعدها نرى» في حال فُسرت مذكرة الرئيس عون على أنها اولويات تَراتُبية وليست تلازُماً وتَوازياً، لأن مثل هذه المقاربات لن تمرّ عند واشنطن التي كانت طلبت أيضاً أن يوافق حزب الله علناً على حصر سلاحه المجدْوَل زمنياً تفادياً لتكرار لعبة «شراء الوقت».

فمثل هذا السيناريو، سيعني وفق أوساط مطلعة، تفريغاً لجلسة 5 اغسطس من مضامينها الجوهرية وسيكون بمثابة إعلان فشلٍ للدولة تجاه المجتمعين العربي والدولي وتالياً استدعاء اسرائيل وربما هذه المرة من دون تحييد البنى التحتية.ولم يكن عابِراً في هذا السياق ما نقلتْه قناة «الحدَث» عن مصادر ديبلوماسية من أن الضغوط الدولية على لبنان ستتجاوز التهديدات العسكرية في حال رَفَضَ «حزب الله» تسليم سلاحه، مشيرة إلى أن البلاد تواجه خطر إدراجها على «اللائحة السوداء»، إلى جانب ضغوط اقتصادية وأن «لبنان مهدَّد بمنعه من استيراد النفط والقمح وتقييد الحوالات المالية، وجميع المناطق ومنها بيروت مهدَّدة بالقصف».وعلى وقع هذه المحاذير الشديدة الخطورة، بدا من الصعب استشرافُ ما سترسو عليه جلسةُ مجلس الوزراء:- فهل سيكون متاحاً إقرارُ حَصْرِ السلاح بالمعنى السياسي، ومع تحديدِ مهلةٍ زمنية «عامة» وترْك الآليات التنفيذية للمجلس الأعلى للدفاع، بما يوفّر لرئيس الجمهورية وقتاً أطول لمواصلة الحوار مع «حزب الله» وينزع فتيل تفجير الحكومة من الداخل، ويُرْضي في الوقت واشنطن على قاعدة أن لبنان خطا الخطوة الأولى وعبر الحكومة؟

- أم أنّ مثل هذا السيناريو سيقابَل باعتراضاتٍ قوية من مُناهضي الحزب داخل مجلس الوزراء (وخصوصاً وزراء القوات اللبنانية والكتائب إلى جانب هذه المَرة وزراء التقدمي الاشتراكي) وسيبدّد الارتياحَ العربي والدولي الذي قوبلتْ به كلمة رئيس الجمهورية وتالياً «الفرصة الأخيرة» لتفادي الكابوس وخصوصاً أن واشنطن كانت رفضت الردّ اللبناني الذي قام على «التلازم والتوازي» بين انسحاب اسرائيل ووقف الاعتداءات وبدء الإعمار وبين سحب السلاح ولكن من دون أي مهل زمنية وكذلك مقترح الرئيس نبيه بري حول تعهُّد اسرائيل بوقف نار لـ 15 يوماً بما يتيح إطلاق مسار بحث مع «حزب الله» حول سلاحه.وقد استوقف الأوساط السياسية في كلمة عون أمس تظهيره الصريح لِما هو على المحكّ في حال لم يحصل «الاصطفاف خلف الجيش في مهمته التاريخية»بـ «تفويضه وحده حمْل السلاح عنا كلنا والدفاع عن لبنان».

فرئيس الجمهورية رسم معادلة واضحة في ضوء واقع «المنطقة من حولنا، وهي في حال غليان وتتأرجح بين حافة الهاوية وسلّم الازهار»، معلناً «علينا أن نختار إما الانهيار وإما الاستقرار»، ومتحدثاً عن «مرحلة مصيرية» يمر بها لبنان ومحذراً من «ان الخطر أكان أمنياً أو اقتصادياً لن يطال فئة دون أخرى» و«سنكون هذه المرة تخلينا عن الدعم العربي والدولي بإرادتنا»، مع تشديده على «أننا تعبنا من حروب الآخرين على أرضنا (...) وخصوصاً حين تصبح الحروب عبثية مجانية ومستدامة، لمصالح الآخرين».وقال عون في كلمته المطوّلة التي كشف فيها مضمون المذكرة التي سلّمها إلى براك خلال زيارته الأخيرة لبيروت مسمّياً سلاح حزب الله بالتحديد على أنه مشمول بأن يُسحب: «واجبي وواجب الأطراف السياسية كافة، عبر مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع ومجلس النواب والقوى السياسية كافة، أن نقتنص الفرصة التاريخية، وندفع من دون تردد إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، دون سواها، وعلى كافة الاراضي اللبنانية، اليوم قبل غد، كي نستعيد ثقة العالم بنا، وبقدرة الدولة على الحفاظ على أمنها بوجه اعتداءات اسرائيل، التي لا تترك فرصة إلا وتنتهك فيها سيادتنا (...)».

ولفت إلى «ان الجيش وقف الى جانب الأهالي بكل شجاعة، رغم كل شيء، وخسر شهداء أعزاء، وتمكّن على الرغم من تواضع الامكانات وكثرة مهامه الأخرى، من أن يبسط سلطته على منطقة جنوب الليطاني غير المحتلة، وأن يَجمع السلاح، ويدمر ما لا يمكن استخدامه منه، وهو مصمم على استكمال مهامه (...)».وأضاف: "أمام مسؤوليتي التاريخية، وانطلاقاً من صلاحياتي الدستورية واحتراماً لليمين التي حلفتها، ولخطاب القسم، أرى من واجبي اليوم، أن أكشف للبنانيين، وللرأي العام الدولي ولكل مهتم ومعني، حقيقة المفاوضات التي باشرتها مع الجانب الاميركي (...) والتي تهدف الى احترام تنفيذ إعلان وقف النار، والذي وافقتْ عليه الحكومة اللبنانية السابقة بالإجماع.

فالجانب الاميركي كان عرض علينا مسودة أفكار، أجرينا عليها تعديلات جوهرية، ستُطرح على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل وفق الأصول، ولتحديد المراحل الزمنية لتنفيذها. وهذه أهمّ النقاط التي طالبنا بها:1 - وقف فوري للأعمال العدائية الاسرائيلية، في الجو والبر والبحر، بما في ذلك الاغتيالات.2 - انسحاب اسرائيل خلف الحدود المعترف بها دولياً، وإطلاق سراح الأسرى.3 - بسط سلطة الدولة اللبنانية، على كافة أراضيها، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضِمنها حزب الله، وتسليمه الى الجيش اللبناني.4 - تأمين مبلغ مليار دولار أميركي سنويا، ولفترة عشر سنوات من الدول الصديقة، لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتعزيز قدراتهما.5 - إقامة مؤتمر دولي للجهات المانحة لإعادة إعمار لبنان في الخريف المقبل.6 - تحديد وترسيم وتثبيت الحدود البرية والبحرية مع الجمهورية العربية السورية، بمساعدة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية والفرق المختصة في الأمم المتحدة.7 - حل مسألة النازحين السوريين.8 - مكافحة التهريب والمخدرات، ودعم زراعات وصناعات بديلة".وتابع: «هذه أهمّ بنود المذكرة التي حددنا مراحل تنفيذها بشكل متوازٍ، والتي لا يمكن لأي لبناني صادق ومخلص إلا أن يتبنّاها بما يقطع الطريق على اسرائيل في الاستمرار بعدوانها، ويَفرض عليها الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة، ويرسم حدود لبنان جنوباً وشرقاً وشمالاً، لأول مرة في تاريخه، ويضبط مراقبة هذه الحدود، ويمنع الاعتداءات ويعيد الناس الى أراضيها، ويؤمن لهم الأموال اللازمة لبناء البنى التحتية والبيوت (...)».

وأكد «آن لنا أن ننهي أعذار وأطماع أعدائنا الذين يستثمرون في انشقاقاتنا وهواجسنا والذين واجهناهم أحياناً فرادى من خارج أطر الدولة، اعتقاداً من بعضنا، ولو عن حسن نية، بأن الدولة أضعف من أن تقاوم أو أن العدو هو في الداخل، أو أن طرفاً خارجياً يدعم أحدنا سيحارب نيابة عنه. وقد سقطت هذه الأوهام كلها. بعدما أسقطت الآلاف من شهدائنا ودمرت قسماً كبيراً من وطننا».

وقال: «لا، ليس أضمن من سلاح الجيش بوجه العدوان. وندائي الى الذين واجهوا العدوان والى بيئتهم الوطنية الكريمة أن يكون رهانكم على الدولة اللبنانية وحدها. وإلا سقطت تضحياتكم هدراً، وسقطت معها الدولة أو ما تبقى منها. وأنتم أشرف من أن تخاطروا بمشروع بناء الدولة، وأنبل من أن تقدموا الذرائع لعدو يريد أن تستمر الحرب علينا، فنستمر نحن في مأساتنا وتشرذمنا وانتحارنا. لكن هذه المرة، تكون قد تخلينا عن الدعم الدولي والعربي بإرادتنا. وخسرنا إجماعنا الوطني. وهذا ما لا تريدونه ولا نريده».وأضاف: «من هنا، أدعو جميع الجهات السياسية، إلى مقاربة قضية حصر السلاح بكل مسؤولية، كما عهدكم لبنان دوماً عند الاستحقاقات الوطنية الكبرى فالاختلاف يبقى ضمن أطر الاحترام والتنافس، تحت سقف الميثاق والدستور. لكن المرحلة مصيرية، ولا تحتمل استفزازاً من أي جهة كانت، أو مزايدة تضر ولا تنف (...)».

وإذ ذكّر بأن حكومة الرئيس نواف سلام «أعطت الأولوية لستة ملفات» بينها «إعادة بناء ثقة الناس بالقضاء، وضبط الأمن وحصر السلاح بالتوازي مع تحضير ملفات إعادة الإعمار»، قال: «عملْنا على إعادة لبنان الى محيطه العربي والمجتمع الدولي من خلال الزيارات التي قمت بها الى عدة دول أجنبية وعربية، أعادت البحث في إحياء اتفاقيات نائمة. كما أدت الى إعادة فتح سفارات، أو تعيين سفراء معتمدين في بيروت وعودة سياح، عرب وأجانب. وفي هذا المجال تلقينا مبادرة مشكورة من الأخوة السعوديين للمساعدة على تسريع الترتيبات الضرورية لاستقرار الحدود بين لبنان وسورية. فلبنان حريص على بناء علاقات ممتازة مع الجارة سورية، لمصلحة كلا البلدين فازدهار واحدنا هو من ازدهار الآخر. تماماً كما كل ألم مشترك بيننا».وشدد على «اننا لن نفرّط بفرصة إنقاذ لبنان. ولن نتهاون مع من لا يعنيه إنقاذ، أو لا يهمه وطن».

وختم: «معاً نريد استعادة دولة تحمي الجميع. فلا تستقوي فئةٌ بخارج، ولا بسلاح، ولا بمحور، ولا بامتداد ولا بعمق خارجي ولا بتبدل موازين. إن الاستحقاق داهم والمسؤولية شاملة (...) والعيد لن يكتمل إلا باكتمال التحرير وإنجاز الترسيم وبحصرية السلاح والمباشرة بالإعمار، ليتصالح لبنان مع دوره ورسالته».وفي حين برز أمس استقبالُ الرئيس عون قائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي الجنرال Michael Kurilla، يرافقه وفد من القيادة، حيث جرى خلال اللقاء عرضٌ لعلاقات التعاون القائمة بين الجيشين اللبناني والأميركي، صعّدت اسرائيل مساءً بسلسلة غارات ضد أهداف لـ «حزب الله» في الجنوب والبقاع، ما اعتُبر إشارةً إلى أنها لن تغيب عن الأيام العصيبة التي تفصل عن «ثلثاء السلاح».