المصدر: الراي الكويتية
الثلاثاء 9 كانون الاول 2025 23:24:47
... لبنان في عُمان، وباريس في بيروت، وتل أبيب في كل مكانٍ تراه «تهديداً». مَشْهدٌ يَختصر واقعَ «بلاد الأرز» حيث يتعايش مرة جديدة «الماءُ والنار» فوق رقعةٍ تتسابق عليها الدبلوماسيةُ مع نُذُرِ «الحرب الأخيرة» التي لا تنفكّ إسرائيل تتوعّد بها وفَرْمَلَتْها الخطواتُ الاستلحاقيةُ من الوطن الصغير والضغوطُ الأميركيةُ حتى بات عنوان المرحلة «إلى ما بعد الأعياد... دُر».
فعلى وهج تفعيل لبنان الرسمي خيارَ التفاوض المدني - الدبلوماسي مع إسرائيل عبر لجنة «الميكانيزم»، اكتسبت محطة الرئيس جوزف عون في مسقط دلالاتِها نظراً إلى موقع مسقط عُمان، كأحد أبرز عناوين وقنوات «الوساطة الهادئة» الرامية إلى تشكيل «مانعة صواعق» وعواصف.
ورغم أن أجندة عون، لا تَحمل عنواناً مُعْلَناً يتّصل بأي محاولة توسيطٍ، فإنّ هذا الأمر لم يغِب عن التقديرات في بيروت.
فبعد الاستقبال الرسمي لعون، أطلّ على «الدور الحكيم والمسؤول الذي تضطلع به سلطنة عُمان الشقيقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، تحت القيادة الرشيدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق»، معتبراً «أن سياسة عُمان القائمة على الحوار والوساطة والتوازن وحسن الجوار أكسبتها مكانة مرموقة ودوراً محورياً في تعزيز الاستقرار وحل النزاعات بالطرق السلمية».
وبحسب المكتب الإعلامي للرئاسة، فإنه في لقاء القمة الذي تخللتْه محادثات موسعة تناولت العلاقات الثنائية وسبل تطويرها - وأعقبتها خلوة ثنائية لنحو ساعة - رحّب السلطان هيثم بالرئيس اللبناني، مؤكداً اهتمام السلطنة بالوضع في لبنان ومتابعتها لآخِر التطورات فيه، مركزاً على عمق العلاقات الاخوية وضرورة تعزيز التعاون والتنسيق الثنائي.
وردّ عون مثمناً الدعم الذي تقدمه عُمان للبنان في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن الزيارة ستفسح في المجال أمام تعزيز التعاون الثنائي اقتصادياً وتجارياً وثقافياً وتعليمياً.
ثم عرض عون وهيثم بن طارق، لعدد من المواضيع في المنطقة، لا سيما الوضع في الجنوب نتيجة استمرار الاعتداءات الإسرائيلية «وكان شرح من رئيس الجمهورية لما حققه الجيش اللبناني منذ انتشاره في جنوب الليطاني لتطبيق القرار 1701. كما تناول موضوع الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية التي تقوم بها الحكومة».
وأفادت «وكالة الأنباء العمانية» بأنه «تم بحث الفرص المتاحة لفتح آفاق جديدة من التعاون والشراكة والاستثمار بين البلدين الشقيقين لا سيما في القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، علاوة على مناقشة المستجدات السياسية الراهنة في المنطقة وسبل دعم مسارات الامن والاستقرار».
الخروج من نفق الحرب
كما اكتسبت زيارة عون لعُمان أهميتها الكبيرة، نظراً إلى توقيتها اللبناني في غمرةِ سعي بيروت إلى الخروج من نَفَقِ الحرب «التي تُسلّم أخرى» مع اسرائيل، عبر مساريْن متوازييْن:
- أولهما سَحْبُ الذرائع السياسية - الدبلوماسية من يد تل أبيب بتكليف السفير السابق سيمون كرم رئاسة الوفد اللبناني إلى اجتماعاتِ «الميكانيزم».
- والثاني مُحاولة الحصولِ على تَنازُلٍ ما من الدولة العبرية على «مثلث» وقف الاعتداءات والانسحاب وإطلاق الأسرى، علّ ذلك يسهّل الدفعَ نحو إطلاق الجيش اللبناني المرحلة الثانية من مهمة حَصْرِ السلاح شمال الليطاني (بعد 31 ديسمبر)، وهو ما يتطلّب أيضاً أن تفترق واشنطن «رسمياً» عن الإصرار الاسرائيلي على أن نهاية السنة هي المهلة الأخيرة لتفكيك ترسانة الحزب من كل لبنان.
«الميكانيزم»
وفي الإطار، تشير أوساطٌ سياسيةٌ إلى أنّ «الميكانيزم» التي تَعقد ثاني اجتماعاتها بصيغتها «المعزَّزة» في 19 الجاري تحوّلت عملياً لجنتين: أولى عسكرية خماسية (بقيادة جنرال أميركي ومشاركة ممثلين عسكريين للبنان واسرائيل وفرنسا واليونيفيل) تبحث الشقَّ التقني المتّصل باتفاق 27 نوفمبر 2024.
وثانية مدنية - دبلوماسية ثلاثية تضمّ كرم والمدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الاسرائيلي يوري رسنيك بوساطةِ وحضورِ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، ومهمّتها «فوق عسكرية» وتحاول تل أبيب أن تشقّ من خلالها «طريقاً سريعاً» نحو «اليوم التالي» للحرب، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي يُطرح في بعض جوانبه (منطقة ترامب الاقتصادية على الحدود اللبنانية) كبديل «مقنّع» لشريطٍ عازل، في موازاة حرص لبنان على احتواء هذه الاندفاعة وتأطير «الميكانيزم المطوَّرة» بمرجعيات القرار 1701 واتفاق 27 نوفمبر واتفاق هدنة + (1949) وبأهداف تحرير الأرض واستعادة الأسرى ووقف الاعتداءات.
غارات إسرائيلية
ولم يتأخّر «الثبيت» الاسرائيلي المتجدّد لكون المسار التفاوضي منفصلاً عن «الميدان» المحكوم وفق مفهوم تل ابيب - المتحفزة لاستنئاف الحرب - بسحْب سلاح «حزب الله» بالكامل، في موازاة اعتبار واشنطن هذا «الهدف» من الأدوات الضرورية لكبْح جموح تل أبيب نحو الخيار العسكري الواسع.
وفي موازاة الغارات العنيفة التي نفّذها الطيران الحربي الاسرائيلي ليل الاثنين - الثلاثاء في مرتفعات إقليم التفاح، وأعلنت تل أبيب أنها هاجمت فيها «أهدافاً لحزب الله» ومنها «مجمع تأهيل وتدريب لقوة الرضوان ومبانٍ عسكرية»، برز ما كشفته صحيفة «معاريف» عن أن التقديرات في تل أبيب تشير إلى احتمال تحرّك الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية بعد تحسّن الأحوال الجوية وانقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة.
وكتبت انه «لحسن حظّ حزب الله والحكومة اللبنانية والأميركية، فإن الطقس العاصف ووصول العاصفة بايرون قد يحدان حالياً من نشاط الجيش الإسرائيلي، لكن لا ينبغي الالتباس في ذلك. فالجيش الإسرائيلي في حالة تأهب على الحدود الشمالية (...)».
لودريان
وعلى وقع هذه الأجواء القاتمة، واصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان - إيف لودريان لقاءاته في بيروت حيث زار رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام وعدداً من القادة السياسيين.
وفيما أُعلن ان لقاء لودريان مع بري الذي استمر لأكثر من ساعة تناول تطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية في ضوء مواصلة اسرائيل لاعتداءاتها على لبنان إضافة للعلاقات الثنائية، شكّلت زيارة موفد الرئيس ايمانويل ماكرون لقائد الجيش العماد رودولف هيكل محطة بارزة في ضوء تقاطع المعطيات عند أن فرنسا ستسضيف في 18 الجاري لقاءً للتحضير لمؤتمر دعم الجيش المرتقب مطلع السنة المقبلة.
ووفق هذه المعطيات سيجمع اللقاء لودريان ومستشارة سيد الاليزيه آن كلير لوجاندر وأورتاغوس والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، وقائد الجيش اللبناني.
ولم تقلّ أهمية مواقف سفير قطر لدى لبنان سعود بن عبدالرحمن آل ثاني الذي أشار إلى أن «علاقات أخوية راسخة جمعت قطر ولبنان، وشكلت نموذجاً مميزاً للتعاون الثنائي القائم على الاحترام المتبادل والدعم المتواصل، بحيث لم تتوان دولة قطر يوما عن الوقوف إلى جانب لبنان ومساندته لتخطي الأزمات والظروف».
وجدد خلال حفل الاستقبال الذي أقيم لمناسبة ذكرى اليوم الوطني القطري التزام الدوحة «الثابت بدعم الأشقاء اللبنانيين في مختلف المجالات، من الاستثمار والتنمية الى الثقافة والتعليم والصحة وغيرها، كما تواصل دعمها للجيش اللبناني بالتنسيق مع الجانب الأميركي انطلاقاً من حرصها الصادق على استقرار لبنان وسيادته ووحدة أراضيه».