لبنان في قلب العاصفة: التهديدات الإقليمية تُفاقم الوضع الاقتصادي

تعيش المنطقة على وقع تصعيد خطير بين إسرائيل وإيران، بلغ ذروته فجر اليوم 13 حزيران 2025 مع غارات إسرائيلية واسعة على العمق الإيراني، ردّت عليها طهران بإطلاق عشرات الطائرات المسيّرة. في هذا السياق، وعلى وقع استمرار الحرب في الجنوب اللبناني منذ عام 2024، تبدو البلاد مهددة بمزيد من الانكشاف. ما يجري إقليمياً لا يعكس مجرد توتر عسكري، بل يحمل في طيّاته سلسلة من التداعيات الاقتصادية والإنسانية التي ينبغي على لبنان أن يستعد لها، بل ويسعى إلى تفاديها قدر الإمكان عبر خطط وقائية واستباقية.

شلل المرافئ والمعابر!
مع توسع رقعة التصعيد، قد تُغلق المرافئ والمطارات اللبنانية مؤقتاً، أو تُستهدف في حال انجرار لبنان إلى دائرة الاشتباك. مثل هذا السيناريو يهدد 85 في المئة من احتياجات لبنان الغذائية والاستهلاكية التي يتم استيرادها. وأي تعطيل إضافي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الشحن والتأمين ونقص في المواد الأساسية. من هنا على السلطات اللبنانية أن تبدأ بتعزيز إجراءات الطوارئ لضمان استمرارية خطوط الإمداد الحيوية وتخزين المواد الأساسية.

 تدهور الأمن الغذائي
الارتفاع الحاد في الأسعار قد يصبح واقعاً ملموساً إذا استمر التصعيد في المنطقة، خصوصاً في ظل اعتماد لبنان على الخارج. فمعدلات التضخم، التي بلغت أكثر من 15 في المئة هذا العام، مرشحة للتفاقم، ما سيؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين. وليس ارتفاع أسعار النفط عالمياً سوى عامل مباشر لارتفاع أسعار المحروقات وعموم السلع في لبنان وبالتالي تفاقم معدّلات التضخم.
ووفق تصنيف المرحلة المتكاملة لانعدام الأمن الغذائي (IPC)، يواجه أكثر من 1.2 مليون فرد في لبنان وسوريا وفلسطين انعداماً حاداً في الأمن الغذائي. والسلطات مطالبة بتفعيل برامج الحماية الغذائية فوراً، وضبط أسعار السلع الأساسية، وتوسيع شبكات الدعم الاجتماعي.

تدفقات النزوح
ليس الجنوب اللبناني وحده المهدد بالنزوح الداخلي؛ فمناطق مثل عكار والبقاع وطرابلس مرشحة لاستقبال موجات جديدة من النازحين، سواء من الداخل اللبناني أو من الحدود السورية، في حال توسعت الحرب. وبالتالي ما لم يتم تعزيز قدرات البلديات والمراكز الصحية، فإن هذا الضغط سيؤدي إلى انهيار في الخدمات المحلية. فلبنان بحاجة إلى خطة وطنية لتوزيع الضغط، وتوسيع قدرات الإيواء، وطلب دعم مبكر من المانحين.

تجميد الاستثمارات وفرص النمو
وعلى المقلب الآخر، كان لبنان قد بدأ مفاوضات مهمة لإعادة الإعمار والاستثمار في مجال الطاقة البديلة، لكن هذه المبادرات قد تتوقف إذا استشعر المموّلون خطر الحرب المستمرة أو التورط في جبهة إقليمية. إذا لم تبادر الدولة إلى تحييد هذه المشاريع عن أي اشتباك، وتحسين شروط التفاوض، ما يعني ضياع فرصة حقيقية لإنقاذ الاقتصاد الوطني.

تداعيات متعددة على قطاعات مترابطة
وليس القطاع المالي بمعزل عما يحدث، إذ إنه معرض لتراجع الثقة وتعثر التدفقات، وقد تتعطّل التجارة بفعل إغلاق المعابر، وتُهدّد الزراعة في البقاع والجنوب بفقدان المواسم.

أما الصناعات الصغيرة، التي تعاني من انقطاع الكهرباء، قد تتوقف نهائياً في حال انقطاع الإمدادات أو نقص الوقود. كذلك الخدمات الصحية والتعليمية، فإنها قد تشهد انهياراً في بعض المناطق ما لم يُفعّل التنسيق بين المؤسسات والبلديات والشركاء الإنسانيين.

ما يحدث في الإقليم ليس بعيداً عن لبنان، بل قد يكون قاب قوسين أو أدنى من التسبب بانهيار اقتصادي واجتماعي إضافي إن لم يتم التعامل معه بمنهج وقائي واستباقي، على ما يرى العديد من المحلّلين. لذلك، ينبغي على الدولة اللبنانية، ومؤسساتها، وشركائها، وضع خطط استجابة مرنة، وتأمين تمويل طارئ، وتفعيل خلية إدارة الكوارث، وتحقيق تنسيق عال المستوى مع الفاعلين الدوليين. أما الرهان على استمرار الصمود الشعبي وحده، أو على تراجع المواجهة دون استعداد، فهو خطر لا يمكن تحمّله.

ويرى محللون أن المرحلة المقبلة تتطلب قيادة مسؤولة، وإجراءات استباقية، وشراكة صادقة بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، إن أراد لبنان أن يتفادى السيناريوهات الأسوأ.