لبنان قبل أميركا: محطّاتٌ من فضائح ريمون وتيدي رحمة

ينتفع الكثير من رجال الأعمال اللبنانيين والأجانب، من "واحة" غياب رقابة الدولة على المشاريع المموَّلة من الخزينة العامة. ويشكّل قطاع الطاقة أحد أوسع أبواب الهدر والفساد، فتتشاركه أقطاب المنظومة السياسية كافة عبر أذرعها غير المباشرة، وهي شركات وأشخاص يستفيدون من الغطاء السياسي لتحقيق المزيد من الأرباح.

وتحت هذه المظلّة، وَرَدَ إسم الأخوين تيدي وريمون رحمة. على أن الثاني، جذب الأضواء إليه بشكل أكبر، نظراً لمروحة واسعة من المشاريع التي شابتها تهم الفساد في لبنان وخارجه. وهذا لم يمنع وزارة الخزانة الأميركية من إدراج الأخوين على لائحة العقوبات.

زمن الوئام مع آل رحمة
يعمل ريمون رحمة في مجال النفط، وهو شريك أساسي في توريد المحروقات والنفط إلى لبنان. وتوسَّعَ الرجل نحو استيراد الفيول لتشغيل معامل الكهرباء، بغطاء من وزارة الطاقة.

وتتجلّى استفادته من خلال توريده للبنزين لصالح وزارة الطاقة، ومن خلال الثغرة التي تُرِكَت عمداً في اتفاق توريد الفيول بين لبنان وشركة سوناتراك الجزائرية، إذ لا يكترث لبنان للجهة التي ستنقل نفط سوناتراك من مكان التحميل إلى الموانىء اللبنانية. وهنا يمكن لسوناتراك التعاقد مع أي جهة لنقل الفيول إلى لبنان. ولأن العقد المبرم في العام 2005 بين لبنان وسوناتراك مبهم، كان سهلاً على وزارة الطاقة ترتيب الأجواء لتلزيم شركة ZR Energy وهي إحدى شركات ريمون رحمة، لتكون وسيطاً لنقل الفيول إلى لبنان. فكان أن برزت الشركة على الساحة عن طريق عقدٍ مع سوناتراك في العام 2017. وجرى العمل منّ ذاك، بكل وئام وهدوء.
وتسهيل الطريق كان يتم بحسب المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، عبر تكفُّل الوزارة بـ"تمييز المتعهّدين الذين تريد تلزيمهم المشاريع عبر طرق عدة، منها تقصير المهل المطلوبة للاتيان بالشحنات، وتكون الجهة المنوي تلزيمها، حاضرة بمستنداتها قبل غيرها، فيجري تلزيمها، وهو ما كان يحصل مع شركة ZR لسنوات". ويضيف بيضون لـ"المدن" أن بعض الجهات "تلجأ لتأسيس أكثر من شركة، وتتقدّم عبرها إلى المناقصات، وتربحها تحت ستار توفُّر أكثر من منافس". أما عن التنصّل من شركة ZR فيلفت بيضون النظر إلى أنه "يمكن لأي أحد خلق شراكة مخفية".
بدأ الوئام يتحوَّل قلقاً بعد نحو عامين. فتبدّلت أحوال البلاد سياسياً واقتصادياً. وانعكس ذلك على علاقة رحمة وشركة ZR مع وزارة الطاقة. ولا يخفى أن الأسباب سياسية تتّصل بالعلاقة بين التيار الوطني الحر الممسك بوزارة الطاقة والطامح لزيادة نفوذه في قطاع النفط وبين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الذي تمتد ذراعه إلى قطاع النفط إدارياً، عبر المدير العام السابق لمنشآت النفط سركيس حليس.

ملف الفيول المغشوش
فُتِحَت ملفّات الفساد إثر المعركة، وأوّلها الفيول المغشوش المستورَد تحت عباءة سوناتراك، لمعمليّ الجية ودير عمار. وفي نيسان 2020 وصلت شحنة فيول للمعملين المذكورين، على متن الباخرة Baltic. والشحنة حملت شهادات رسمية بجودة الفيول ومطابقته للمواصفات المطلوبة للمعامل. لتكتشف شركة MEP المشغّلة للمعملين، أن الشهادة مزوّرة، بعد طلب الشركة إعادة فحص عيّنات من الشحنة في مختبرات شركة Bureau Veritas في دبي.

بعد نحو شهر، انكشفت فضيحة فيول مغشوش أخرى آتية لصالح باخرة فاطمة غول التابعة لشركة كارادينيز التركية، وأيضاً عبر شركة سوناتراك وتتولّى شركة ZR نقلها. كِلا الشركتان تنصّلتا من المسؤولية. سوناتراك أكّدت مطابقة الشحنة للمواصفات، وZR رفضت تهمة الإضرار بالمال العام كونها لم توقّع عقداً مع الدولة اللبنانية.

وتعليقاً على الملف، يستغرب مدير العمليات في شركة MEP يحيى مولود "عدم محاسبة أحد من المدّعى عليهم في هذه القضية، رغم الادعاء عليهم والاستماع إليهم. لا بل تبقى التركيبة نفسها قائمة، ويستمر استيراد الفيول والمحروقات عبر الجهة عينها، فيما العقود معها مبهمة وتُفَسَّر كما تريدها الجهة النافذة في وزارة الطاقة".

ومن هذا الباب، يسأل مولود في حديث لـ"المدن"، عن سبب عدم شراء مؤسسة كهرباء لبنان للفيول الذي تحتاجه، وفق القانون. "ولماذا يتم الشراء عبر وزارة الطاقة دائماً؟". وما يحصل في لبنان "يدلّ على أن الأميركي لم يكتشف شيئاً تقنياً جديداً حين أعلن العقوبات على هذه الشركة وعلى آل رحمة. أما الجانب السياسي فهذا شأن آخر".

واللافت في هذا الملف، أنّ التيار الوطني الحر جَعَلَه قضيّته الأولى بذريعة مكافحة الفساد وحماية المال العام، فقدَّمَ رئيس لجنة مكافحة الفساد في التيار، المحامي وديع عقل، إخباراً بحق شركة ZR إلى النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، التي سارعت إلى الادعاء على الشركة وعلى ريمون رحمة بصفته مالكها، ليرّد على ذلك شخص يدعى إبراهيم محمد ذوق، ويعلن ملكيّته للشركة.
تلزيم الشركة ثم الانقلاب عليها، يعيد إلى الأذهان كيف تعاقدت وزارة الطاقة مع الشركة عينها في العام 2019 بهدف استيراد 150 ألف طن من البنزين لصالح الوزارة، في مناقصة مغمّسة بالمخالفات القانونية.

شركة ZR Energy
في الدفاع عن استقلالية الشركة عن آل رحمة، وتحديداً عن ريمون رحمة، تقول الشركة في بيان لها في شهر أيار 2020، أنها شركة "تأسست في العام 2013 وهي مسجّلة في إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة بموجب الرخصة رقم DMCC-33225 برقم سجل تجاري هو DMCC4189، ومديرها ومالكها اللبناني إبراهيم محمد ذوق. وتحدد الرخصة أنشطة الشركة بتجارة المشتقات النفطية على أنواعها داخل وخارج الدولة".

أما لإبراز مهنيّتها وشفافيّتها، تورِد الشركة عبر موقعها الالكتروني، أنها "تملك وتدير 225 ألف متر مكعب من المخزون، خاصة في مناطق البحر الأبيض المتوسط والخليج وقزوين. وتدعم هذه الأصول الحيوية استراتيجيتنا في جميع أنحاء العالم، مما يمنحنا المزيد من المرونة لخدمة عملائنا بشكل أفضل". وتقول الشركة أن لديها "علاقات عمل ممتازة مع العديد من شركات النفط الكبرى والمصافي والتجار. وتتّخذ تدابير مكثفة لضمان امتثالها والتزامها للإرشادات العالمية لمكافحة غسيل الأموال".

التقى القضاء اللبناني، وتحديداً غادة عون، مع وزارة الخزانة الأميركية في تشخيص علاقة شركة ZR Energy بآل رحمة. إلا أن الجانب الأميركي يملك القدرة، إن أراد، على التضييق أكثر على الشركة وأصحابها طالما أنهم مدانون حسب ما يراه الأميركيون. وهذا يعني فتح كافة الملفات المتعلّقة بلبنان والخارج، وتحديداً في العراق. إلا أن فتح الملفات وفضح تفاصيلها أميركياً، لا يُلزِم لبنان بتحريك الملفات النائمة وتحصيل ما أهدر من مال عام، لكن الضغط الأميركي قد يلزمه بمسار يتعلّق بكشف معلومات عن الحسابات المصرفية لآل رحمة. وفي هذه الحالة، لا يمكن للمصارف اللبنانية التهرُّب، وإن كان ريمون رحمة ركناً من أركان القطاع المصرفي عن طريق شراكته في بنك ميد، وعلاقاته بأصحاب مصارف أخرى.