لبنان والمنطقة ولحظة الحقيقة العارية... السلاح بلا معادلة سياسية "خردة"

يقف لبنان اليوم أمام لحظة الحقيقة على تخوم يومين من الانطلاقة المفترضة لبرنامج تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية، والذي يعد اختباراً جدياً لـ "العهد" والحكومة على السواء في تطبيق مندرجات "خطاب القسم" و"البيان الوزاري". ولحظة الحقيقة هذه تتمدد لتشمل المنطقة بأسرها عقب الضربات الإسرائيلية التي أطاحت بكبرياء الملالي قبل قياداته ومنشآته الحساسة، وأكدت من جديد أن السلاح بلا معادلة سياسية تحميه يصبح "خردة" أو "زينة".

وإيران فقدت عناصر القوة السياسية التي كانت تحمي بها سلاحها، والمتأتية من إرادة دولية بتصعيدها لتصبح عدو العرب على حساب إسرائيل. ليس تفصيلاً أبداً أن تعم مشاعر الفرح الجماهير العربية بعمل إسرائيلي بما يؤكد نهاية دور "الأخطبوط" الإيراني. أما المواقف الرسمية العربية المستنكرة للضربة، فتندرج ضمن المعادلات الجيوسياسية الناشئة لحماية دولها من انتقام عصابات طهران بموازاة التمهيد لقبولها ضمن النظام الإقليمي الجديد "منزوعة الأسنان".

يقول نابليون بونابرت إن الحرب هي استمرار للسياسة بأشكال أخرى، كما أن أي حرب لا يمكن قطف جني ثمارها إلا على طاولة السياسة، حيث تبين التقارير قبول آيات الله تقديم تنازلات مرة لحماية نظامهم الذي تعلو قدسيته على ظهور المهدي المنتظر، كما قال الخميني، لكنهم راحوا يراوغون في التفاصيل على جري عادتهم، أملاً في استنزاف الطاقة "الترامبية" القصيرة النفس. ما حدا بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إطلاق "العصا" الإسرائيلية في اليوم الأول لانتهاء مهلة الشهرين التي منحها لطهران، لجلبها صاغرة إلى طاولة المفاوضات.

عقب الضربات قال ترامب إنه "وجه تعليمات إلى الإدارة بالتفاوض بكامل طاقتها مع إيران، وأن واشنطن ملتزمة بالسعي إلى حل دبلوماسي للنزاع معها". في حين أنه قبل يومين أبدى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف استعداد بلاده "لإزالة المواد النووية الزائدة وتعديلها لاحقاً لإنتاج وقود للمفاعلات"، بما يشير إلى وجود تنسيق أميركي – روسي عالي المستوى إزاء مسألة المفاوضات يجعل إيران وحيدة.

هذا الواقع السياسي ينبغي أن يقرأه "حزب الله" بدقة إن كان راغباً في عدم "نحر" نفسه، وكذلك الفصائل الفلسطينية، من أجل تسريع عملية تسليم السلاح وحماية البلاد ومعها المخيمات من بطش "العصا" الإسرائيلية. والأمر نفسه ينسحب على السلطات اللبنانية للمضي قدماً وبلا استبطاء في برنامج جمع السلاح.

فرغم التزام جميع الفصائل بما فيها "حماس" بتسليم السلاح، وخلال هذه السنة، إلا أن الإشكالية تكمن في عدم نضوج الآليات التنفيذية، ولا سيما في ظل اعتزام "رام الله" إجراء تغييرات واسعة قريباً على صعيد ممثليها في لبنان، الأمر الذي سينعكس على المهل الزمنية الموضوعة من قبل السلطة الفلسطينية. في المقابل تشير مصادر رسمية لـ "نداء الوطن"، أن السلطة اللبنانية توازن بين القرار الحاسم بتجنب استخدام القوة، وبين عدم السقوط في فخ "ميوعة" المهل الزمنية، من خلال توظيف كل أدوات الضغط المتاحة وشبكة الدعم الخارجية كي تنفذ الفصائل التزامها، ومن بعدها "الحزب".

بكافة الأحوال، من عجائب الدهر تزامن الضربات الإسرائيلية مع ذكرى هزيمة "حرب الأيام الستة" المريرة التي لا نزال نعيش تأثيرها الجيوسياسي. تلك الحرب فجرت "فقاعة" الوهم الناصري، وقادت الواقعية المتأخرة لـ "القائد الخالد" إلى تصدير إرث صناعة الوهم الخطابي نحو لبنان عبر "اتفاق القاهرة"، قبل أن يستحوذ عليه الخميني ويطوّره عبر مزجه بالشحن الديني الراديكالي، لكنه بالنهاية يبقى "فقاعة" تنفجر بأصحابها لحظة الحقيقة العارية.

فلا يغرّنكم شعارات أو عصبة حمراء صارت منصوبة غير مرة على مسجد "جامكران" أو ضجيج إعلامي، فكلها من أدوات النفاق لنظام أدمن سبك شعارات إسلامية برّاقة لإخفاء حقيقة أهدافه ومشاريعه، لتنطبق عليه الآية الكريمة "كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". لا بديل عن الواقعية السياسية المستندة إلى عناصر القوة المتاحة، ومدى البراعة في توظيفها ضمن المعادلات السياسية والجيو - استراتيجية الناشئة، "أما الزبد فيذهب جُفاءً".