المصدر: النهار
الخميس 27 تشرين الثاني 2025 07:07:40
سقطت كل المخاوف أو التقديرات الاستباقية التي ترددت طويلاً حيال احتمال إلغاء أو إرجاء زيارة البابا لاوون الرابع عشر للبنان ما بين الأحد والثلاثاء المقبلين، بسبب الأوضاع الشديدة الالتباس والتهديدات بعملية إسرائيلية واسعة في لبنان، وذلك حين أعلن البابا بنفسه أنه متوجه اليوم إلى تركيا ولبنان. إذ كتب على حسابه عبر منصة إكس: "سأتوجه غدًا (اليوم) إلى تركيا ثم إلى لبنان في زيارة لشعوب هذين البلدين العزيزين الغنيين بالتاريخ والروحانية. ستكون أيضًا فرصة لإحياء ذكرى مرور 1700 عام على مجمع نيقية ولقاء الجماعة الكاثوليكية والإخوة المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى. أسألكم أن ترافقوني بالصلاة".
والحال أن العد العكسي لوصول البابا إلى مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي بعد ظهر الاحد المقبل، انطلق وسط مشهد من الازدواجية القياسية التي تطبع وضع لبنان. فالزيارة تفتح باب الآمال العريضة بأن تشكل حافزاً ورافعة عملاقة لدفع مناخات دعم استقرار لبنان والحؤول دون تعريضه تكراراً لتجارب حربية مدمرة. وفي الوجه الآخر المعاكس تسابق الجهود والوساطات الديبلوماسية، كالوساطتين المصرية والفرنسية ما يخشى أن يكون قراراً إسرائيلياً نهائياً لا ينقصه سوى التوقيت في إطلاق عملية عسكرية واسعة ضد "حزب الله" في لبنان.
وتجسّدَ هذا السباق المحموم، في تزامن استئناف التحرك المصري في اتجاه لبنان أمس، مع حلول سنة على اتفاق وقف الاعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. واكتسب كلام رئيس الجمهورية جوزف عون خلال استقباله السفير الأميركي ميشال عيسى دلالات بارزة، إذ حمّل عون السفير "شكره للتهنئة التي وجهها اليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمناسبة ذكرى الاستقلال، ولما صدر عنه في مؤتمره الصحافي الأخير عن رغبته في توجيه دعوة للرئيس اللبناني لزيارة الولايات المتحدة الأميركية. وعبّر عن امتنانه للدعوة وجهوزيته لتلبيتها".
ولقي عون دعماً قوياً من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي أعلن في حديث خاص لـ"النهار"، "أن بكركي ترى أن الحل لملف سلاح "حزب الله" هو عبر الديبلوماسية وليس بالمواجهة المسلحة، وهو ما يعتمده رئيس الجمهورية جوزف عون وهو عين الصواب"، متخوفاً من "أن يؤدي استخدام القوة إلى وقوع حرب أهلية ومواجهة مع الجيش". ورفض الراعي "الربط بين انسحاب إسرائيل من الجنوب وتسليم السلاح، والمقايضة بين الأمرين، وبالتالي على "حزب الله" أن يسلّم سلاحه وهذا قرار نهائي"، كما قال. وسأل: "ما هي قيمة هذا السلاح بعد؟ كي يقاوم من"؟. وقال "نعتبر أن دعم الرئيس ودعم عمله السياسي والاقتصادي واجب وطني، وواجبنا دعمه لتسيير شؤون الدولة". (الحديث ص 4).
وبدوره رأى رئيس الحكومة نواف سلام أنه "ليست هناك اليوم أولويات محددة في الواقع اللبناني، لأن كل الأمور السياسية والحياتية والاقتصادية والمالية هي من الأولويات ". واعتبر "أن الانسحاب الإسرائيلي أولوية، وكذلك حصر السلاح والكهرباء والودائع وغيرها من الأمور العالقة".
وعن موضوع المفاوضات مع إسرائيل قال: "ليس عندنا عقدة في هذا الموضوع، والرئيس نبيه بري على حق عندما قال أن هناك لجنة الميكانيزم والتفاوض يتم من خلالها، لكن لم يتم التقدم في هذا المجال".
وفي سياق التهديدات الإسرائيلية، برزت اشارة لافتة في حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن مهلة أميركية لـ"حزب الله" حتى نهاية السنة. إذ قال كاتس أنّه "لا يعتقد أن حزب الله سيتخلى عن سلاحه طوعا"، مشيرًا إلى أن "الأميركيين ألزموا حزب الله بالتخلي عن سلاحه حتى نهاية العام ولا أرى أن هذا سيحدث". وقال: "إن لم يسلم حزب الله سلاحه فلا مفر من العمل مجدداً بقوة في لبنان". وأشار إلى أن "اتفاق الحدود البحرية مع لبنان به نقاط ضعف وقضايا إشكالية وسنعيد النظر في شأنه مع لبنان". وكرّر أن "لبنان لن ينعم بالهدوء من دون ضمان أمن إسرائيل".
وفي المقابل، كانت طهران تصعّد منسوب تدخلها السافر في لبنان عبر دفاعها عن"حزب الله" وسلاحه، إذ أعلن مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي اكبر ولايتي أن "وجود حزب الله بات بالنسبة للبنان أهمّ من الخبز اليومي". وقال: "حزب الله كان منقذاً للشعب اللبناني، وإيران ستواصل دعمه، واعتداءات إسرائيل تظهر النتائج الكارثية لنزع سلاحه بالنسبة للبنان".
وسط هذه الأجواء، وفي محاولة لتجنيب لبنان حرباً جديدة، جال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على المسؤولين اللبنانيين، وأشارت معلومات إلى أنه حذّر خلال عشاء ليل أول من أمس، من تجدّد الحرب الإسرائيلية على لبنان والتي لن تقتصر على الضربات الجوّية.
وقد أعرب عبد العاطي عن الخشية من أي احتمالات للتصعيد في لبنان، مؤكداً "أننا لن نتوقف عن أي جهد لتجنيبه المخاطر". وقال إنه نقل إلى الرئيس عون "توجيهات الرئيس السيسي بتقديم مصر كل سبل الدعم والمساعدة، وتسخير شبكة علاقات مصر لدعم التهدئة ودعم تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية والعمل على نزع فتيل أيّ نزاع محتمل، وأكدت دعم مصر الكامل لمبادرة الرئيس عون التي أطلقها خلال عيد الاستقلال لجهة استعداد الجيش اللبناني لتسلّم كل النقاط في الجنوب". واشار إلى أن "بسط سلطة الدولة أمر مهمّ جداً وهناك تناغم بين الموقفين المصري واللبناني".
إلى ذلك، شهد قصر بعبدا أمس توقيع الاتفاق اللبناني القبرصي لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، في حضور الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس. وأكد الرئيس عون أن الاحتفال بإنجاز ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص، "سيسمح للبلدين ببدء استكشاف ثرواتهما البحرية، كما بالتعاون المشترك في هذا المجال". ولفت إلى أنه "يمكن الآن العمل جدياً على تطوير اتفاقات ثنائية، لتسهيل وتطوير عمل الشركات المستكشفة بين البلدين في مختلف المجالات".
من جهته، شدد الرئيس القبرصي على أن "الاتفاقية التي تم توقيعها أمس في بيروت، تاريخية"، معتبراً أنها " إنجاز استراتيجي يكرّس، بأوضح طريقة ممكنة، مستوى علاقاتنا".
وشدّد على أن الاتفاقية تعزز بشكل كبير آفاق التعاون في قطاعات حاسمة، مثل الطاقة والبنية التحتية، وفي الوقت نفسه تعزز آفاق التعاون في مجال الطاقة في شرق المتوسط، ومع إمكانية أن تعمل منطقتنا كممر بديل للطاقة نحو أوروبا، كما تشكّل أساساً استراتيجياً للاستقرار والأمن الإقليميين في منطقتنا الخاصة والمعقدة للغاية". ورحّب "بالحوار الذي بدأناه بالفعل بشأن الربط الكهربائي بين قبرص ولبنان. وفي هذا الاتجاه، سنتوجه معاً في الفترة المقبلة مباشرة إلى البنك الدولي لإعداد دراسة جدوى ذات صلة".