لبنان يخوض معركة منع نزع "الذراع الأممية" للـ 1701

لم تَفصلْ أوساطٌ واسعة الاطلاع «المعركةَ الدبلوماسيةَ»، الدائرة من مانهاتن إلى بيروت مروراً بتل أبيب وباريس، حول التجديد لقوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان عن المَسار الذي وُضع معه ملفُّ ترسانة «حزب الله» العسكرية على سكة التفكيك بحلول نهاية 2025 أو أوائل 2026 بموجب قرارٍ من حكومة الرئيس نواف سلام التي عمدتْ إلى «تكييف» مقترح الموفد الأميركي توماس براك في هذا الشأن مع «المصلحة الوطنية» و«الأهداف السيادية» بالشقّ الذي يعني إسرائيل «المحتلّة» للتلال الخمس كما حصْر السلاح بيد الدولة.

ولم يكن عابراً ما ارتسم في الساعات الماضية من مناخٍ جدي بات معه مصيرُ التجديد السنوي لـ «اليونيفيل» في ذاته على المحكّ، وذلك بعدما كان «الصراعُ» في الأعوام القليلة الأخيرة يتمحور - قبيل استحقاق موعد تمديد تفويضها المستمرّ منذ العام 1978 – حول تعديل مهماتها ومنْحها صلاحياتٍ أوسع في التحرّك ضمن نطاق جنوب الليطاني بمعزلٍ عن مؤازرة الجيش اللبناني ومع محاولاتٍ متكررة لتظهيرِ «الحبر السري» الذي صيغ به القرار 1701 في أعقاب حرب يوليو 2006 بلغةِ الفصل السابع.
مجلس الأمن

وقبل 5 أيام من موعد جلسة مجلس الأمن الاثنين المقبل للتصويت على مشروع القرار الذي تَقَدَّمَتْ به فرنسا حول التمديد لـ «اليونيفيل»، بات واضحاً أن هذا الملف تحوّل من عُدّةِ الضغط الأميركي والإسرائيلي لسدّ أي «طريق عودةٍ» عن مسار سَحْبِ سلاح «حزب الله» الذي وفّرت الظروفَ له نتائجُ «طوفان الأقصى» على مجمل المحور الإيراني، خصوصاً على الحزب بعد حرب الـ 65 يوماً، وما ترتّب عليها من تداعيات سياسية أفرزتْ «لبنان الجديد» الذي أخذ على عاتقه أن تستعيد الدولة مقوّماتها، ولو بتأخير 35 عاماً عما نصّ عليه اتفاق الطائف، وبموجب قراراتٍ أممية وصولاً لاتفاق وقف النار (27 نوفمبر) وخطاب القسَم للرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري لحكومة سلام.

و«على المكشوف» لعبتْها إسرائيل التي وجّه وزير خارجيتها جدعون ساعر رسالةً رسمية إلى نظيره الأميركي ماركو روبيو طالبه فيها بوقف عمل «اليونيفيل»، معتبراً أن مَهمّتها «كان من المفترض أن تكون موقتة منذ البداية وأن استمرار انتشارها لم يعد يخدم الغاية التي أنشئت من أجلها، وهي فشلت في وظيفتها الأساسية بمنع تَمَوْضع حزب الله جنوب نهر الليطاني»

وبحسب صحيفة «إسرائيل هيوم» فقد أكد ساعر أن «حزب الله» واصل تعزيز قوته العسكرية منذ حرب لبنان الثانية (2006) متّهماً «اليونيفيل» بتقديم تقارير مضللة بانتظام إلى مجلس الأمن الدولي، وأنه اقترح «تمديد عملها لفترة انتقالية من ستة أشهر إلى عام واحد لتسهيل انسحاب منظّم، بحيث تتولى خلال هذه الفترة مهماتٍ مثل إزالة المتفجرات وتدريب الجيش اللبناني، بينما يعيد الجيش انتشاره تدريجياً وتتراجع اليونيفيل بشكل منظم».

وأشار ساعر إلى أن «الظرف الراهن، عقب الحرب وإضعاف حزب الله، يشكل فرصة تاريخية لنزْع سلاح الحزب وتمكين الجيش اللبناني من بسط سيادته الكاملة على جنوب لبنان».

وإذ لاقى هذا الموقف الإسرائيلي ما كان كُشف أول من أمس عن أن روبيو وقّع خطة تقضي بإنهاء عمل القوة الدولية في جنوب لبنان خلال ستة أشهر، وذلك بعد خفض كبير في مساهمة الولايات المتحدة بتمويل القوة، برز ما أوردتْه «فرانس برس» من أن «مشروعَ القرار الذي تَقدمت به فرنسا للتمديد لليونيفيل يتضمّن فقرة حول عزم مجلس الأمن العمل لانسحاب هذه القوة الأممية لتصبح الحكومة اللبنانية الضامن الوحيد للأمن في جنوب لبنان».

وتعكس هذه الوقائع أن التمديد لـ «اليونيفيل» بات مَحكوماً بأن يكون على طريقة «مرحلة انتقالية» تمهّد لـ «تسليم وتسلُّم» يُراد أن يحصل تباعاً بين القبعات الزرق والجيش اللبناني، وأن النقاش صار يتناول المهلة الزمنية وهل تكون 6 أشهر أو سنة واحدة «أخيرة»، وذلك انطلاقاً من اقتناعٍ أميركي خصوصاً بأن الحلّ الذي يُعمل عليه لملف السلاح وأخواته سيعني تنفيذ القرار 1701 وتالياً انتفاء الحاجة إلى القوة الدولية التي تشكّل واقعياً «الحارسة» لتطبيقه ضمن حدود تفويضها المحدود.

قطع الطريق

ولكن لبنان الرسمي يحاول قطع الطريق على أي «جدولة زمنية» لسحب اليونيفيل يتم «دسها» في قرار التمديد لها. وقد أبلغ الرئيس جوزاف عون أمس قائد القوة الدولية الجنرال Diodato Abagnara خلال استقباله إياه «التمسك ببقاء اليونيفيل في الجنوب في المدة التي يتطلبها تنفيذ القرار 1701 بكامل مندرجاته واستكمال انتشار الجيش اللبناني حتى الحدود الدولية».

واكد عون «أن لبنان بدأ اتصالات مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والدول الشقيقة والصديقة لتأمين التمديد لـ «اليونيفيل» نظراً لحاجة لبنان إليها من جهة، ولضرورة المحافظة على الأمن والاستقرار في الجنوب ومواكبة تَمَرْكُز الجيش بعد قرار الحكومة زيادة القوى اللبنانية العاملة في الجنوب إلى 10 آلاف عسكري، وهذا يتطلب تعاوناً مع «اليونيفيل» التي تقوم بواجباتها كاملة وتنتشر في بلدات ومواقع عدة لها أهميتها في الحفاظ على الأمن في الجنوب، وبالتالي فإن أي تحديد زمني لانتداب «اليونيفيل» مغاير للحاجة الفعلية إليها سيؤثر سلباً على الوضع في الجنوب الذي لايزال يعاني من احتلال إسرائيل لمساحات من أراضيه.

وفيما شكّل ملف «اليونيفيل» أحد العنوانين اللذين تم بحثهما في بيروت من براك والمبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس العائدة إلى الملف اللبناني، والتي تقف على تماس مباشر مع قضية التمديد للقوة الدولية انطلاقاً من مَهمتها في بعثة بلادها لدى الأمم المتحدة، فقد شخصت أنظار لبنان أمس إلى نتائج زيارة الموفدين الأميركييْن لتل أبيب في سياق محاولةِ حضّها على تقديم «مقابِل» للخطوة الأولى التي قامت بها حكومة سلام في 5 و 7 أغسطس حين «فعّلت» واقعياً «ورقة الإعلان المشترك» (اللبنانية – الأميركية)، وهي الاسم الحرَكي لمقترح براك المعدَّل لبنانياً، بقرار سحب السلاح قبل نهاية السنة وتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تنفيذية بحلول 31 الجاري، قبل أن تقرّ «أهداف الورقة».

«دبلوماسية الاحتواء»

وفي الوقت الذي كرّستْ الزيارةُ الخاطفةُ لبراك واورتاغوس، يُتوقع عودتهما إلى بيروت مع إنهاء الجيش وضع خطته، مَسارَ «الخطوة مقابل خطوة» الذي تَعكسه المراحل التنفيذية للورقة، فإن أوساطاً سياسية على خصومة مع «محور الممانعة» اعتبرتْ أن خلاصات محطة الموفديْن الأميركييْن لم تؤشر لتراجع في المقاربة الأميركية بل اعتُبرت انعكاساً لتقدُّم لبنان الرسمي في «دبلوماسية الاحتواء» وحشْر إسرائيل، وذلك عبر قيام بيروت بالخطوة الأولى وانتظار ما ستقدم عليه تل أبيب:

- فهل ستعطي للأميركيين موافقةً على أنها ستوقف الاعتداءات ولو موقتاً من ضمن تعهداتٍ بأن تَنسحب أيضاً من التلال الخمس وتعيد الأسرى بما يطلق المراحل الأخرى من الورقة اللبنانية - الأميركية.

- أم ستستفيد من موقف «حزب الله» الذي يَشي برفْض مسار «الخطوة تقابلها خطوة» ويَطرح تنفيذ إسرائيل وقف النار والانسحاب وإطلاق الأسرى إلى جانب بدء الإعمار قبل خوض حوار حول إستراتيجية الأمن الوطني، بما يَعني رفض تسليم السلاح ضمن الإطار الناظم لورقة براك الملبنَنة.

واستوقف الأوساط السياسية استحضار براك من بيروت العامل الإيراني في ملف حزب الله وسلاحه من باب الكلام حول كيف «نجعل طهران تتعاون»، معتبرةً أن الأمر يبدو حمّال أوجه ويَحتمل أن يكون من باب تحميلها تبعاتِ رَفْضِ حزب الله تسليم سلاحه بموجب ما عبّرت عنه مواقف علي لاريجاني نفسه من لبنان الذي بدا وكأنه يعلن «الأمر لنا» في هذا الملف، أكثر منه في إطار جعْلها شريكاً في التفاوض من باب «المقايضة» بين هذا العنوان والقضايا العالقة مع الجمهورية الإسلامية وعلى رأسها النووي.

الخطة التنفيذية

وفي الوقت الذي تَشي معطياتٌ بأن الجيش اللبناني يعدّ خطته التنفيذية التي ستُبحث على طاولة الحكومة في 2 سبتمبر، مع حرص قيادته على الإشارة إلى محاذير أيِّ إدخالٍ للمؤسسة العسكرية في حقلِ الأزمات السياسية أو المذهبية وتحبيذها وجود إجماع سياسي حول خطتها، فإن مَصادر متابعة بدت حذرة في استشراف ما يمكن أن تخلص إليه زيارة براك واورتاغوس لتل أبيب، خصوصاً في ضوء ما يوصف بالإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة بعد «طوفان الأقصى» والقائمة على الحاجة إلى الاحتفاظ بشريط جغرافي «دفاعي» عن المستوطنات الشمالية داخل الأراضي اللبنانية بعمق نحو 3 كيلومترات.

ورأت هذه المصادر أن ممانعة إسرائيل الانسحاب، أي في حال قررت الاحتفاظ بالتلال الخمس داخل الأراضي اللبنانية، ستصبّ في مصلحة حزب الله الذي يجد في استمرار الاحتلال مبرراً للاحتفاظ بسلاحه، وهو ما سيصعّب على بيروت المضي قدماً في تنفيذ قرار سحب السلاح ويضعف التوجه الرسمي في هذا الاتجاه، نظراً لعدم ممارسة واشنطن الضغط الكافي لإلزام إسرائيل بالانسحاب.