لبنان 2025: عام القرارات المؤجلة على حافة الانفجار

شكّل العام 2025 محطة مفصلية في التاريخ السياسي اللبناني الحديث. تركزت الملفات على البحث في بنية الدولة نفسها، في محاولة لإعادة ترميمها، وهي تتلقى سهام الضغوط الخارجية والأحداث الأمنية الدراماتيكية، وخطر الانفجار المحلي. هو عام مليء بقرارات السيادة التي أعادت النبش في الملفات الأكثر حساسية: حصرية السلاح، العلاقة مع سوريا، وشكل التفاوض مع إسرائيل، التي بقيت تحارب بلغة النار واحتلال النقاط في جنوب لبنان والإمساك بملف الأسرى اللبنانيين وجعله خارج إطار أي نقاش. فبدا لبنان في 2025 ساحة اختبار حقيقي لمستقبل توازناته السياسية والأمنية، وهو ما سيرحل إلى السنة المقبلة، بعد أن وقف لبنان خلال العام أمام مفترق حاسم، بين تسوية على السلاح صعبة المنال، وتأجيل الانفجار في ظل غياب توافق على الملفات الأساسية كافة. ولا يبدو العام 2025 مقدمة إيجابية للعام المقبل، مع الدخول مجدداً في متاهة الوقت، وعناوين الحفاظ على السلم الأهلي، وإعادة الاعمار والتخوف من انقسام داخلي كبير.

 

توليفة تشكل أساسيات العام المقبل، يُضاف إليها نقاش جدي بدأ خلال الـ 2025 حول القانون الانتخابي، بعد أن شكلت الانتخابات البلدية مرحلة جسّ نبض سياسي. فتصدر اقتراع المغتربين أولوية النقاش، مع احتمالات مفتوحة على تأجيل الانتخابات أو تأجيلها تقنياً لفترة معينة، أو إجرائها وفق القانون النافذ، الذي يصر عليه بالدرجة الأولى رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي استخدم عبارته الشهيرة التي طبعت سمة العام الانتخابي بالقول "لا يتقدم على القانون النافذ حالياً إلا الإنجيل والقرآن". 

 

وإذا ما اعتمدنا السرد التسلسلي لأحداث العام، فالبداية حكماً مع نهاية زمن الشغور الرئاسي. اُنتخب جوزاف عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ دام لسنتين، وترافق مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة القاضي نواف سلام، ونيلها الثقة في السادس والعشرين من شباط، على الرغم من إعلان أميركا جهاراً معارضة واشنطن مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية، على لسان الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس.

حدث ذلك في شباط، الشهر الذي شهد وداعاً مهيباً للأمينين العامين السابقين لحزب الله السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين.

 

السلاح وإعادة الاعمار 

في الخامس من آب، أقر مجلس الوزراء اللبناني حصر السلاح في البلاد بيد الدولة، بما فيه سلاح "حزب الله"، وكلف الجيش وضع خطة وتنفيذها قبل نهاية العام 2025.

في المقابل، رفض "حزب الله" تسليم سلاحه، لتبدأ مرحلة من مسار ربط نزع السلاح بالدعم الاقتصادي. مرحلة كانت الأكثر حساسية، في ظل تبدّل في مقاربة القوى الدولية للأزمة اللبنانية، خصوصاً مع بروز دور أميركا في ما يتعلق بحصر السلاح، وهو ما فجر انقساماً داخلياً حاداً. 

عام شكل عنواناً للضغوط الدولية المتزايدة. محلياً احتدم الخلاف بين قوىً سياسية ترى أن اللحظة حاسمة لاستعادة منطق الدولة، في مقابل أطراف أخرى تعتبر أن هذه الضغوط تخفي أهدافاً سياسية وأمنية، وتسعى إلى نزع عناصر القوة اللبنانية تحت عنوان الإصلاح، مستفيدة من حجم الأزمة الكبيرة والخانقة. وبين هؤلاء من يخشى أن يؤدي نزع السلاح بالقوة إلى خلل خطير في الاستقرار الداخلي.

مجدداً، برز عامل الوقت كوسيلة ضغط إضافية؛ إذ جرى التعامل مع نهاية 2025 كمهلة فاصلة لاتخاذ قرارات مصيرية جرى ترحيلها مرارًا، وهذا ما وضع القوى السياسية أمام خيارات صعبة، ودفع النقاشات المحلية إلى مستويات متوترة غير مسبوقة.

وضمن حصرية السلاح، بدأ الجيش اللبناني في 21 آب سحب السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تنفيذا لقرار الحكومة. 

 

المفاوضات واستمرار الاعتداءات 

خلال العام، واصلت إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبية لبيروت.  ضربت الضاحية مرّتين: في الأولى اغتالت القيادي في حزب الله، معاون مسؤول الملف الفلسطيني حسن بدير في غارة استهدفت منزله في حي ماضي، والثانية حين اغتالت إسرائيل القائد الجهادي هيثم الطبطبائي. كذلك أغار الطيران الإسرائيلي خلال العام على مخيم عين الحلوة مخلفاً 13 شهيداً.

وإلى جانب آلة الطيران الحربي، استثمرت إسرائيل في هشاشة الوضع لبنانياً، ولا تنفك عن تهديد لبنان، وصولاً إلى العاصمة بيروت.

في خضم المشهد الأمني، برز دور الجيش في 2025، عُين العماد رودولف هيكل قائداً للجيش. ودخلت المؤسسة في تخوف من مواجهات تتجاوز قدراته أو تحويله إلى طرف صراع سواء مع إسرائيل أو في الداخل. وأبعد من ذلك، أُلغيت زيارة هيكل إلى واشنطن. بيان الجيش كان سبباً في "معاقبة أميركا لهيكل"، بعدما اعتبرت قيادة الجيش في بيان أن "العدو الإسرائيلي يصر على انتهاكاته السيادة اللبنانية، مسببا زعزعة الاستقرار في لبنان، ومعرقلا استكمال انتشار الجيش في الجنوب".

وفي العام، تم الإعلان في اجتماع باريس الرباعي، عن المؤتمر الدولي لدعم الجيش اللبناني في شباط المقبل. 

خلال العام أيضاً، دخل لبنان إطاراً تفاوضياً مختلفًا في مقاربته للملف الحدودي مع إسرائيل. اعتمد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مقاربة مختلفة، بإعلان القصر الجمهوري في بعبدا إشراك ممثل مدني بمستوى سفير، هو السفير سيمون كرم، ضمن لجنة "الميكانزيم". لتنطلق في 3 كانون الأول مفاوضات مدنية مباشرة بين لبنان وإسرائيل للمرة الأولى منذ 40 عاماً برعاية أميركية.

في المقابل، تحركت إسرائيل ورفعت مستوى تمثيلها داخل اللجنة، وبقيت العنصر المسيطر على قرارات الميكانيزم، والتي طلبت أكثر من مرة خلال الأشهر الأخيرة من العام من الجيش اللبناني تفتيش منازل وعمليات كشف ميداني. 

 

في العام أيضاً، وتحديداً في تشرين الأول، اختارت أميركا سفيرها للبنان من أصل لبناني، وعينت ميشال عيسى ممثلاً لها في لبنان. 

 

عودة اللاجئين والعلاقة مع سوريا  

عام شهد على بداية علاقة جديدة مع سوريا، من زيارة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي دمشق ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، في أول زيارة لمسؤول لبناني بعد سقوط نظام الأسد، وأول زيارة من نوعها بين البلدين منذ 15 عاما. لتشكل بعدها زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للبنان محطة هامة في مسار العلاقات السورية اللبنانية، بعد عقود من التأزم. زيارة تُعتبر إحدى ثمار اللقاء المشترك الذي جمع الرئيسين اللبناني جوزاف عون والسوري أحمد الشرع في نيويورك، على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. 

وهذا العام شهد أيضاً زيارات عدة لمسؤولين سوريين، بحثوا سبل معالجة ملف الموقوفين السوريين في لبنان، وقضايا أخرى عالقة، أبرزها ضبط التهريب وترسيم الحدود.

كذلك، وضعت الحكومة اللبنانية، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، خطة عودة اللاجئين السوريين. وقاد الخطة نائب رئيس الوزراء طارق متري، وينفذها الأمن العام اللبناني.

 

حركة موفدين 

 "موفد طل وموفد راح". حركة موفدين وتزاحم مواعيد في العام 2025، "طار" توم بارّاك وحطت أورتاغوس. كما كانت زيارات فرنسية عدة، من بينها الزيارة التي قام بها وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيان إلى لبنان. أمّا الزيارة الأبرز فكانت حكماً للسعودية، بعدما وصل في 23 كانون الثاني، وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى بيروت في أول زيارة منذ 15 عاماً لتعزيز الحضور السعودي في لبنان.

 

اتفاقية تحديد الحدود البحرية مع قبرص

في 25 تشرين الثاني، وقع لبنان اتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية البحرية مع قبرص بعد عقود من المفاوضات. 

 

انتخابات بلدية

وضمن إطار انتظام العمل المؤسساتي وإعادة الحياة الديمقراطية المحلية، أُجريت في آيار2025 انتخابات بلدية في جميع المحافظات، وهي الأولى منذ العام 2016، في خطوة مهمة، شكلت بروفا للانتخابات النيابية.

 

 

زيارة البابا 

في 30 تشرين الثاني قام البابا ليون الرابع عشر زيارة إلى لبنان استمرت 3 أيام، كان له فيها عدة محطات، بينها مرفأ بيروت الذي تعرض لانفجار ضخم في العام 2020، وكانت هذه الزيارة البابوية الرابعة في تاريخ البلاد.

البابا وجه دعوة إلى "الوحدة وعدم اليأس" أمام عشرات آلاف اللبنانيين الذين تجمعوا وسط بيروت، معتبرا أن لبنان قادر على أن يكون علامة للسلام في منطقة الشرق الأوسط.

 

2025 عام ثقيل على لبنان. سنة وُضعت فيها الأسس لمسارات كبرى، من دون أن تُحسم خياراتها بعد، فبقي البلد معلّقًا بين قرارات مؤجّلة وتسويات ناقصة، بانتظار ما إذا كان العام المقبل سيحمل قدرة فعلية على ترجمة النقاشات إلى استقرار، أم سيكرّس مرة جديدة منطق إدارة الأزمات بدل معالجتها.