لتصحيح المبادرات الرئاسية.. يجب فرض مساواة لا مُرشّح قبل أي حوار

وسط الحرب القائمة في غزة وجنوب لبنان وبظلّ الفراغ الرئاسي المُمتد منذ أواخر العام 2022، يرزح لبنان تحت وطأة أزماتٍ مُتعدّدة، لعلّ مفتاح الحلّ فيها هو ملء الفراغ الرئاسي، لأن حلّ هذه العقدة يعيد الإنتظام إلى مؤسسات الدولة اللبنانية، وبالتالي تستعيد الشرعية ورقة المفاوضات التي تُجريها جهات غير حكومة من تحت الطاولة من أجل الحصول على مكتسباتٍ بحكم الأمر الواقع، من فرض معادلاتٍ خشبية عسكرياً سقطت جراء المعارك الجارية، إلى فرض رئيسٍ "دمية" للجمهورية جُرّب حليفه بين عامي 2016 و2022، ولربما "دسترة" المثالثة أو حتى تغيير النظام بقوة السلاح ولحمايته.


من هنا، وللغوص بالملف الرئاسي، يمتهن فريق 8 آذار التعطيل للمرّة الثالثة بعد أعوام (2007-2008)، (2014-2016) و(2022-...) ويجاهرون بفرض مرشحهم على اللبنانيين تحت عبارة "مرشحنا أو الفراغ"، لكن هذه المرّة لا تزال المعارضة صامدة بوجه محاولات الفرض هذه وكانت رشّحت شخصية تمثلها، ولتعذر تأمين الأصوات اللازمة لانتخابه اتّجهت نحو الخيار الثالث "الوسطي" إلّا أن فريق الممانعة لا يزال يُعطّل ويمنع انعقاد الجلسات إلى "التوافق" على مرشحه، ويجاهر بالدعوة إلى الحوار الذي بطريقةٍ أو بأخرى يستبدل الديمقراطية. 
وفي السياق ظهرت مبادرات عديدة، داخلية منها وخارجية للمساهمة في سدّ الفراغ الرئاسي بأسرع وقتٍ ممكن، منها المبادرة الفرنسية التي أسقطتها المعارضة العام الفائت، مروراً بجهود اللقاء الخماسي الذي يحث النواب على حضور الجلسات والإحتكام إلى الدستور، وصولاً إلى المبادرة التي أطلقتها كتلة الإعتدال الوطني الأسبوع الفائت، والتي تبيّن أنها تدعو إلى حوارٍ سبق وأن دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، من دون ضمانات بفتح الجلسات ووقف التعطيل.


ويشير مصدر معارض في حديثٍ لـ kataeb.org  إلى أن المعارضة قدّمت كل التسهيلات المنطقية لإنهاء الشغور الرئاسي، لافتاً إلى أنها تنازلت عن مرشحها النائب ميشال معوض واتّجهت نحو الخيار الثالث وهو الوزير السابق جهاد أزعور، فيما الفريق الآخر لا يزال مُصرّاً على فرض مُرشحه إن كان بالتعطيل أو بأي عملية حوار يُجاهر بها. ورأى أن فريق الممانعة "يُمانع" انتخاب رئيس في الفترة الحالية بسبب مجريات المفاوضات الإقليمية والأحداث الميدانية التي يُعوّل عليها حزب الله لتحصيل مكتسباتٍ وضمانات في الداخل اللبناني.
وبالحديث عن مبادرة كتلة الإعتدال الوطني التي أبدى رئيس الكتائب اعتراضه على مضمونها، أكّد المصدر أن المعارضة تتّبع ثوابت مُعيّنة في الإستحقاق الرئاسي لا يُمكن التنازل لأنها تُشكل ضمانات فعلية تمنع فريق السلاح على حدّ وصفه من فرض مرشحه بالقوة، وهي تنازل فريق 8 آذار عن مرشحه قبيل أي حوار، والتأكيد على أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري سيعقد جلساتٍ مفتوحة للإنتخابات الرئاسية.
رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل كان قد أشار إلى أن مبادرة الإعتدال لا تختلف عن مبادرات برّي الحوارية.
وفي حديثٍ متلفز قال: "أولًا: لم نرَ أي التزام من قبل الفريق الآخر لعقد جلسات مفتوحة وليس فقط متتالية، وثانيًا: لم ينسحب مرشح 8 آذار سليمان فرنجية من السباق الرئاسي، وبالتالي لا نزال عند نقطة الصفر اليوم، وأستغرب كيف وافق البعض على مبادرة لم تُعالِج هذه النقاط البنيوية وبظلّ عدم قبول حزب الله المناقشة بمرشحٍ ثالث".


إذاً، المبادرات الرئاسية يجب أن تكون منطقية ليس فقط من أجل الإحتكام إلى الحوار وكسر الحواجز السياسية بين الأطراف، بل عليها أن تحتكم إلى منطق المساواة في طرحها، حيث لا يجوز أن تساوي بين المُعرقل والمُسهّل، بل يجب أن تدعو المُعطّل للتنازل عن "عنجهيته السياسية" وتلقف موقف المعارضة والتوجه إلى مُرشحٍ وسطي، بظلّ غياب الأكثرية المُطلقة لأي تكتل نيابي على الآخر.