المصدر: العربية
الجمعة 26 كانون الاول 2025 21:17:55
لفهم ما يجري اليوم في سوق الذهب، ولماذا يواصل تسجيل مستويات تاريخية، لا يكفي النظر إلى الرسوم البيانية الحديثة، بل يجب العودة إلى فترة كانت فيها أفضل أيام الذهب.. إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً إلى عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر.
في تلك المرحلة، لم يصعد الذهب بدافع المضاربة أو الموضة الاستثمارية، بل لأن العالم بأكمله كان يفقد توازنه.
الذهب لا يقفز عبثاً.. بل عندما ينهار كل شيء آخر
خلال أواخر السبعينيات، تلاقت أربعة عوامل كبرى صنعت واحدة من أعنف موجات صعود الذهب في التاريخ.
تشمل هذه العوامل تضخماً خارج السيطرة في الولايات المتحدة، كما في أجزاء واسعة من العالم، إذ انفلت التضخم من عقاله وارتفعت الأسعار بوتيرة سريعة، وتآكلت قيمة الدولار، وظلت الأجور عاجزة عن ملاحقة الغلاء.
وقد ساد شعور عام بين المواطنين بأن المدخرات تفقد قيمتها يوماً بعد يوم.
ومع غياب أدوات تحوط فعالة، بدأ البحث عن أصل لا يمكن طباعته أو التلاعب به.
ثاني هذه العوامل أزمة طاقة خانقة شلّت الاقتصاد، وذلك بعد حظر النفط العربي، إذ قفزت أسعار الوقود، وتوقفت مصانع وامتدت طوابير السيارات أمام محطات البنزين وتعطلت سلاسل الإنتاج.
وأصيب الاقتصاد الأميركي بالشلل، والثقة في استقرار النظام الاقتصادي اهتزت بشدة.
أما العامل الثالث فهو فوضى جيوسياسية عالمية، حيث جاءت الثورة الإيرانية لتزيد المشهد قتامة إذ سقط أحد أهم حلفاء واشنطن في طهران، وتم احتجاز الرهائن الأميركيين وكانت صورة العالم خارج السيطرة.
وفي تلك اللحظة، بدت القيادة الأميركية في موقف ضعف غير مسبوق، ما زاد القلق في الأسواق العالمية.
السياسة النقدية المرتبكة في حينه كانت أحد العوامل. وقبل وصول بول فولكر إلى رئاسة الاحتياطي الفيدرالي كانت الفائدة منخفضة مقارنة بمعدلات التضخم، والدولار بلا حماية حقيقية.
أما البنك المركزي الأميركي فكان متردداً في اتخاذ قرارات حاسمة، وكانت النتيجة فراغاً نقدياً قاتلاً.
الذهب.. الملاذ الأخير
في هذا المشهد المضطرب، لم يجد المستثمرون خياراً سوى الذهب؛ لا حكومة تتحكم به، ولا بنك مركزي يطبعه، ولا عملة سياسية تربكه.
فكانت النتيجة صعود الذهب من نحو 100 دولار للأونصة إلى أكثر من 800 دولار بحلول عام 1980.
ولم تكن القفزة التاريخية مجرد مكسب سعري، بل صرخة فقدان ثقة بالنظام المالي العالمي بأكمله.
وعندما تولّى بول فولكر زمام الأمور رُفعت أسعار الفائدة بقوة غير مسبوقة، وتمت مواجهة التضخم بلا تردد، واستعادت السياسة النقدية مصداقيتها، حينها، تراجع الذهب لأن الخوف تراجع.
الخلاصة.. لماذا يزدهر الذهب؟
ولا يصعد الذهب لأنه محبوب ولا لأنه أصل عصري، بل لأنه يزدهر عندما يخاف العالم ويصعد عندما تهتز الثقة ويبلغ ذروته عندما تفشل الأدوات التقليدية.
ولكل هذا، فإن قراءة التاريخ ليست ترفاً بل مفتاحاً أساسياً لفهم ما يحدث اليوم في سوق الذهب.