المصدر: المدن
الأربعاء 10 أيلول 2025 01:26:53
لا تهدأ حركة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان على خط باريس- بيروت. وعلى الرغم من تصدّر واشنطن واجهة المشهد السياسي في لبنان، فإن فرنسا تسعى إلى تجاوز دورها التقليدي، عبر حركة ديبلوماسية نشطة، في بلد لطالما شكل مساحة نفوذ تاريخية لها. طموحة فرنسا في استعادة حضورها كلاعب أساسي في رسم التوازنات، متخطية حدود الدعم الديبلوماسي، لإرساء مكاسب استراتيجية بعيدة المدى، على الرغم من غرقها في أزماتها الداخلية وأحدثها إسقاط حكومة فرانسوا بايرو بحجب الثقة عنها من جهة، وخياراتها المحدودة اليوم في لبنان من جهة ثانية، خصوصاً إذا لم يكن هناك جديد يقدمه موفد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى لبنان، في زيارته المرتقبة الخميس والتي تستمر ليومين.
برنامج زيارة لودريان يتضمن لقاءات مع الرئاسات الثلاث، وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، إضافة إلى اجتماعات في قصر الصنوبر، فضلاً عن لقاء مع قائد القوة الفرنسية في "اليونيفيل". فما الذي يمكن أن يحمله لودريان إلى لبنان في ظل الصلاحيات المحدودة وتراجع تأثير فرنسا في الداخل؟ وهل يمكن لفرنسا المرتبكة في أزماتها الداخلية أن يكون لها دور في لبنان، وكيف؟ وماذا عن مؤتمر دعم لبنان الذي وعد به ماكرون، وهل تمتلك باريس القدرة على شحذ الدعم للبنان من دون الغطاء الأميركي، لضمان مشاركة بعض الدول الخليجية دعماً للاقتصاد اللبناني وإعادة الإعمار.
مؤتمر فرنسا واليونيفيل
تفيد مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ"المدن" أن لودريان يأتي إلى لبنان وفي جعبته مسألتان أساسيتان: الأولى، تتعلق بمؤتمر فرنسا من أجل دعم لبنان، وما إذا كانت الظروف قد نضجت لعقده. والثانية ترتبط بقوات اليونيفيل، حيث سيسأل لودريان الجانب اللبناني الرسمي "ماذا بعد انتهاء ولاية اليونيفيل؟"، خصوصاً أن فرنسا بصفتها "حامل القلم" في مجلس الأمن، سعت إلى ضمان التمديد لليونيفيل، وكانت وراء التفاهم مع الأميركيين الذي أفضى إلى تمديد المهلة. وبالنسبة إلى فرنسا، التي تشارك بعدد كبير من الجنود في القوة الدولية، كان التمديد ضرورة، ليس فقط لحماية دورها العسكري، بل أيضاً لضمان استمرار موطئ قدم لها في لبنان. وهي تسعى حكماً إلى محاولة البحث عن أجوبة حول مصير سلاح حزب الله والحدود والوضع الأمني.
وعليه، لن يلتقي لودريان بشخصيات سياسية أو حزبية، وستقتصر الزيارة على الجانب الرسمي بحسب المصادر، ما يعكس رغبة باريس في سماع موقف الدولة اللبنانية الرسمي حصراً، واستطلاع رأيها بخصوص هاتين المسألتين.
وبحسب بعض الأوساط، فزيارة لودريان قد لا تتعدى تسجيل حضور سياسي وديبلوماسي، خصوصاً أن أميركا تريد تطويق هذا الدور. ولكن تشير المصادر الديبلوماسية إلى أن "أميركا لا تبدو منزعجة من تحركات باريس"، خصوصاً أنها "لم تبادر بعد إلى أي تقدم فعلي على مسار المؤتمر الذي وعد بعد ماكرون، وربما لن تقدم طالما أن مسألة حصر السلاح لم تبت بعد ولا يزال لبنان تحت وطأة الضغط الأميركي في هذا الإطار".
دعم الجيش
وفي زيارته سيتطرق لودريان حكماً إلى موضوعات الوعود الإصلاحية والمالية وما تحقق من خطوات لدعم الجيش. وبحسب الأوساط السياسية، فـ"فرنسا ترفع باستمرار شعار الإصلاحات، إلاّ أنها حقيقة لا تملك أدوات فعلية لفرضها". وبالتالي هي "تحاول الدخول من البوابة المالية عبر وعود بالدعم، مع تركيز خاص على المؤسسة العسكرية". لكن الواقع السياسي يضع فرنسا في موقع ثانوي، ودليل على ذلك دورها المحدود الفعالية في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، وذلك على الرغم من انخراطها في أكثر من ملف، "واتصالاتها المتكررة لبعبدا، وعرضها الخدمات للمساعدة في أكثر من أزمة داخلية". كذلك رعت فرنسا ولا تزال ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ولم تترد في لعب دور الوسيط بين البلدين، وعرضها خرائط تعود للبنان وسوريا تعود إلى زمن الانتداب، توضح حقيقة الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا، وصولاً إلى مزارع شبعا. كما تلعب باريس دوراً أيضاً على مستوى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص.
واليوم، عشية وصول لودريان إلى لبنان، تبدو الخيارات الفرنسية محدودة. أمّا مؤتمر دعم لبنان، فلا يزال بعيداً عن التنفيذ، وقد لا يرى النور، ما لم يواكبه حضور خليجي فاعل، وبالتالي إن استكمال المؤتمر ونجاحه لن يكون في يد باريس. بينما طموح فرنسا "الأم الحنون" لا يزال قائماً، وسط استمرارها بمطالبة لبنان بتنفيذ الأجندة الإصلاحية التي درجت على التذكير بها، من دون استسلام للواقع الذي يقيّد قدرتها على التأثير.
وعليه، تبدو زيارة لودريان إلى بيروت اختباراً مزدوجاً: لمدى قدرة فرنسا على تجاوز أزماتها الداخلية وتكريس حضورها في لبنان، ولإمكان إقناع المجتمع الدولي بجدوى مؤتمر دعم لبنان، والتعويل على مدى تجاوب الدولة اللبنانية مع شروط الإصلاح والدعم.