مأساة حرائق الجزائر.. نيران تطارد البشر و"جثث بلا هوية"

تحولت الطبيعة الخلابة إلى نقمة على بلدية توجة في ولاية بجاية شمالي الجزائر، حيث اشتعلت النيران في الغابات لتحاصر السكان في قراهم على الجبال الشاهقة، وامتدت لتطارد المصطافين على الشواطئ.

عاشت الولاية منذ مساء الأحد وضعا مأساويا، حيث تفحمت جثث في سيارات حاول أصحابها الهروب من جحيم النيران، التي قضت أيضا على محاصيل زراعية يعيش سكان هذه المناطق الفقيرة طوال العام في انتظار حصادها.

ووصلت حصيلة ضحايا الحرائق في عدد من الولايات إلى 34 قتيلا، ولكن كانت أكثر المناطق تضررا هي بجاية التي شهدت وحدها 23 حالة وفاة، وكانت توجة أكثر البلديات التي عانت من الخسائر البشرية والمادية.

ويقول عضو المجلس الشعبي لولاية بجاية، موالس قادة، الذي شارك في جهود الإنقاذ، إنه كان في الشارع منذ بداية الحرائق حين "حاصرت النيران كل شيء وأغلقت الطرقات، وهناك أشخاص تفحموا بعدما حاصرت النيران سيارتهم".

وأضاف قادة في تصريحات لموقع "الحرة": "قوة النيران كانت رهيبة وسرعة انتشارها كبيرة جدا، وحوصر الناس قرب الشاطئ أيضا قبل أن يتم إجلاؤهم إلى الموانئ بعيدا عن منطقة الخطر باستخدام القوارب".

وكشفت الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عن حجم دمار هائل في الولاية، حيث تفحمت السيارات والأشجار وتضررت المنازل بشدة جراء الحرائق.

وبحسب بيان للسلطات الصحية، فإن عدد المصابين في بجاية زاد عن 190 شخصا بينهم 5 في حالة صحية حرجة، ما استدعى نقلهم إلى الجزائر العاصمة لتلقي العلاج والرعاية الصحية المناسبة.

ووصفت مديرة جمعية الأيادي البيضاء الخيرية، لمياء أفاوة، الوضع في بجاية بأنه مأساوي.

وأوضحت أفاوة، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "القرى التي تعرضت للحرائق فقيرة للغاية، أهلها يعيشون على زراعة الزيتون والتين، مع الأسف احترقت كل الأشجار والمحاصيل".

وتابعت: "احترقت منازل الناس، لا يمكن وصف حجم المأساة والمعاناة التي يعيشها الآن أهل هذه القرى، كارثة حقيقية".

جثث بلا هوية

يتحدث أهل المناطق الجبلية في بجاية لهجة قبائلية، وظهر مواطن من إحدى قرى توجة في مقطع فيديو وهو يفيد بفقدان 16 فردا من أسرته.

وحاول موقع "الحرة" التواصل معه، لكن قال أحد السكان في توجة، إنه بالطبع في حالة نفسية سيئة ورفض الحديث لأغلب وسائل الإعلام، والمقطع الوحيد الذي تم تصويره له متحدثا عن مأساته كان وقت مشاركته في عمليات إخماد النيران.

وعن واقع القرى الجبلية، يقول قادة إن طبيعة هذه المنطقة صعبة ولا يوجد لمثل هذه البلدات الكثير من المداخل، مضيفا أن إحدى القرى على سبيل المثال لها مدخل واحد فقط وحينما أغلقت النيران هذا المدخل بات السكان محاصرين بشكل كامل من النيران.

وتصعّب تلك التضاريس الصعبة من إمكانية وصول الحماية المدنية إلى القرى، بجانب سرعة الرياح التي تسببت في انتشار النيران.

وعن تقييمه لجهود الإنقاذ، يشدد قادة على أن "هناك حاجة إلى مزيد من الإمكانيات لمكافحة حرائق بمثل هذا الحجم، مستدركا بالقول إن "المسؤولين بذلوا الكثير من الجهود ووفروا الإمكانيات قدر المستطاع، ولو امتدت الحرائق أكثر من ذلك لواجهنا كارثة أكبر".

بدورها، أعلنت السلطات المحلية في بجاية عن وجود جثث مجهولة الهوية حتى الآن، ودعت الأهالي للتواصل من أجل محاولة التعرف على أقاربهم من الضحايا.

وفي ظل هذا الواقع الإنساني، تؤكد أفاوة أن جمعيتها في توجة تعمل على جمع الأغذية والأدوية ومستلزمات الحروق وبكل الإمكانيات المتاحة لدعم المصابين.

وأوضحت أن هناك الكثير من المفقودين إلى الآن وسط عمليات بحث جارية عنهم، بجانب وجود جثث غير معلومة الهوية.

واندلعت حرائق هائلة في ولاية الطارف شمال شرقي الجزائر، أغسطس الماضي، ما أسفر عن مصرع 37 شخصا، كما تسببت حرائق شمالي البلاد في صيف عام 2021 في حصيلة قياسية للقتلى حيث لقي أكثر من 90 شخصا مصرعهم آنذاك.

وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أعلن في أبريل الماضي، شراء بلاده 6 طائرات متخصصة في عمليات الإطفاء، وذكرت وزارة الداخلية في مايو الماضي، أنها تقترب من شراء طائرة لإخماد الحرائق وتقديم عروض لشراء 6 طائرات إطفاء أخرى.

وبحسب فرانس برس، أخرّت تداعيات الحرب الأوكرانية تسلم الجزائر 4 طائرات قاذفة للمياه من روسيا.