المصدر: Kataeb.org
الكاتب: جولي مجدلاني
الخميس 14 آب 2025 11:43:42
يتخبط الاقتصاد اللبناني بين القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) والتصنيف الأوروبي للدول العالية المخاطر في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع كل المفاعيل التي تتبعها وأهمها إجراءات أكثر صرامة في التعامل مع مؤسّساته المالية.
لربما لم تكن هذه التصنيفات مفاجئة لخبراء الاقتصاد والمتخصصين في هذا المجال، إنما ما هي الاسباب التي أدت الى وضع لبنان على اللائحتين أولها الرمادية لمجموعة العمل المالي وآخرها السوداء الاوروبية؟ وما هي التداعيات لهكذا قرار؟ وكيف ستتأثر العلاقة مع المصارف المراسلة والشركات التجارية التي تتعامل مع الخارج؟
يوضح الباحث في الاقتصاد وخبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي في حديث عبر Kataeb.org أن مراقبة أداء السلطة اللبنانية بكل مكوناتها في ما يخص ملف مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب يجب أن يبدأ منذ ما قبل العام 2015 وليس اليوم، لافتًا الى أن مجموعة العمل المالي المعنية بمراقبة أداء الدول لجهة مكافحة تبييض الاموال ومكافحة الارهاب عدّلت من سنوات عديدة المعايير التي تبني على أساسها التقييم وانتظرت لبنان لسنوات كي يعدّل هذه المعايير فألغى القانون 318\2001 الذي تأسست بموجبه هيئة التحقيق الخاصة في العام 2015 واستبدله بالقانون 44 آنذاك وهو قانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب الذي زاد عدد الجرائم التي بموجبها يمكن للقانون اللبناني محاكمة الاشخاص بالهدر والفساد وتبييض الاموال والتهرب الضريبي وعددّ ما يقارب الـ 20 الى 21 جريمة وكان إنجازًا إنما التوقعات كانت بأن يترجم هذا الانجاز عمليًا على الارض وتحصل مساءلة ومحاكمة لاشخاص هدروا المال العام وتهربوا من الضرائب، ولكن بعد العام 2015 زاد هدر المال العام والتهرب الضريبي والفساد ووصلنا الى ما وصلنا إليه من أزمة اقتصادية ونقدية ومالية في العامين 2019 و2020.
ويقول:" علينا ألا نتوقف عند القوانين التي تبقى حبرًا على ورق إنما على إنتاجيتها، يضاف الى ذلك التعديلات التي أُدرجت على قانون السرية المصرفية في العام 2022 أي القانون 306\ 2022 وكان المقصود من تلك التعديلات إجراء التدقيق الجنائي للبحث على مكامن الفساد وكيف يجري هدر المال العام ولكن لسوء الحظ لم يستعمل هذا التعديل لانجاز ما هو مطلوب، إضافة الى ذلك انتقد صندوق النقد الدولي قانون إصلاح المصارف لانه لا يستوفي الشروط المطلوبة كما أن تنفيذ القانون أي إصلاح المصارف معطوف على إقرار قانون الفجوة المالية وتنفيذه وبالتالي لا يعتبر إقراره إصلاحًا".
ويشير الى أن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية في تشرين الاول 2024 تزامن مع الحرب الاسرائيلية ووضع لبنان المأزوم اقتصاديًا وماليًا وسياسيًا، موضحًا أن مجموعة العمل المالي قررت إدراج البلد على اللائحة لانه لم يلتزم بالمعايير الدولية وإجراءات الحيطة والحذر لجهة تبيض الاموال ومكافحة الارهاب، وقدمت للبنان خارطة طريقة واضحة المعالم لاخراجه من اللائحة واعطته مهلة حتى العام 2026، مضيفًا:" أما الاتحاد الاوروبي الذي كان شريكًا بهذا الموضوع كان يتوقع أن يرى إجراءات ملموسة على الارض من قبل السلطة اللبنانية للخروج من اللائحة ولكن للاسف لبنان لم يقم بأي شيء بهذا الخصوص إنما بقي في حالة إنكار متحصنًا بالوضع الامني والسياسي ولهذا السبب في 10 حزيران 2025 وضع الاتحاد الاوروبي لبنان على لائحة الدول عالية المخاطر وهو إجراء ضروري ووُضع حيز التنفيذ في 5 آب 2025".
ويقول:" لسوء الحظ لا نزال حتى اليوم بحالة انكار ونتوقع الا تقفل السوق الاوروبية أبوابها بوجهنا، ولكن نلاحظ أن من لديه عمليات مصرفية عابرة للحدود تطلب المصارف منه أوراقًا إضافية وتتشدد بالتدقيق في المستندات الامر الذي يأخذ وقتًا أكبر الى جانب ارتفاع الكلفة، وخوفي إذا استمرينا بحالة الانكار من إجراءات أكثر تشددًا مع المصارف التجارية اللبنانية وعلاقتها مع المصارف المراسلة في أوروبا وخارجها ما سيؤثر على المؤسسات المنتجة في لبنان التي تستورد بضائع تستعمل للصناعة المحلية أو تلك التي تستورد البضائع للاستهلاك وبالتالي سيؤدي الى ارتفاع في الاسعار وهو متوقع جدًا".
وردًا على سؤال، يؤكد أن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي أو اللائحة السوداء للاتحاد الاوروبي يؤثر فقط على العمليات المصرفية العابرة للحدود سواء من لبنان الى الخارج خصوصًا أوروبا، ومن المتوقع أن تمتد الى خارج أوروبا، أو من أوروبا الى لبنان أما العمليات داخل الكيان اللبناني فلا علاقة لها والعمليات المصرفية خارج الكيان ولو كانت للبنانيين لا علاقة لها أيضًا بالقرار.
يلفت فحيلي في حديثه لموقعنا الى أن لبنان يعتمد على ما يقارب الـ 7 مليار دولار سنويًا من التحاويل من لبنان الاغتراب والتي تأثرت وباتت مكلفة، فالمغترب اللبناني بات يختار تحويل الاموال باليد بدلًا من المصارف التجارية التي تطلب بدورها كلفة إضافية وهي متعددة الاوجه في لبنان، مضيفًا:" تحويل من الخارج الى لبنان له كلفته، استلام المبالغ في لبنان له كلفته المختلفة، الى جانب الرسوم التي يدفعها المودع أو المستفيد لقاء التحويلات والمبالغ النقدية للمصارف، إضافة الى تأخير في التحويل، مستندات إضافية التي هي بمعظم الاحيان تكون مكلفة بالوقت والمال".
وفي هذا السياق، يشير الى أن مسيرة مكافحة الارهاب وتبييض الاموال في لبنان بدأت في العام 1996 مع اتفاقية الحيطة والحذر التي أبرمت بين جمعية المصارف ورؤساء ومجالس إدارة المصارف التجارية، بعد الاتفاق صنف لبنان في العام 1999 غير متعاون بإجراءات مكافحة تبييض الاموال فأقرت الحكومة القانون قانون 318\ 2001 والذي بموجبه تم إنشاء هيئة التحقيق الخاصة، لافتًا الى أن الانجازات في هذه المسيرة الطويلة ضئيلة جدًا إذ بعد القوانين 318\ 2001 و 44\2015 وقانون السرية المصرفية وتعديله وصلنا الى اللائحة الرمادية لمجموعة العمال المالي واللائحة السوداء للاتحاد الاوروبي ما يعني أن إنتاجية القوانين وكفاءتها كانت ضعيفة وبقيت حبرًا على ورق لا أكثر ولا أقل.