مار شربل يستعد لاستقبال البابا: رسالة أمل لبلد منهار

حين كان طفلاً، كاد شربل مطر، كما يروي، أن يفقد حياته لولا أعجوبة من مار شربل "قديس لبنان"، كما يسميه كثيرون، والذي يشكل ضريحه محجاً لمسيحيين ومسلمين، سينضم إليهم بعد أيام البابا لاوون الرابع عشر.

وقال مطر (69 عاماً) بينما كان يزور وعائلته مزار القديس شربل في قرية عنايا الجبلية على مسافة 54 كيلومتراً شمال بيروت: "وصلت الى الموت حين كان عمري خمس سنوات، لكنه أنقذني بأعجوبة". وروى كيف دفعت الحادثة أهله الى تغيير اسمه في الهوية من روجيه الى شربل تيمناً بالقديس، مضيفاً: "عائلتي وأنا، لدينا إيمان كبير بمار شربل، ونزوره دائماً"، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

ويستقطب الدير سنوياً مئات الآلاف من الزوار، خصوصا ًاللبنانيين المسيحيين، لكن يقصده أيضا مؤمنون من أديان أخرى يتحدثون عن قدراته العجائبية لشفائهم من الأمراض. وهي المرة الأولى التي يزور فيها رأس الكرسي الرسولي دير مار مارون التابع للرهبانية اللبنانية المارونية، الذي تأسس الجزء الأول منه العام 1828، وواصلت الرهبانية تطويره وزيادة أجزاء عليه، خصوصاً بعد إعلان قداسة القديس شربل الذي دفن في المكان منذ العام 1898.

ويضم مجمع الدير كنيسة قديمة وكنيسة أخرى كبيرة بدأ العمل بها بعد إعلان مار شربل طوباوياً العام 1965، وتم تدشينها العام 1974، وحملت اسم القديس شربل. وبالقرب منه، توجد المحبسة التي عاش فيها القديس شربل لفترة طويلة من حياته راهباً ناسكاً.

وقالت رندة صليبا (60 عاماً): "لا يعقل ألا يزور البابا مار شربل. لا يمكن لروما أن تنكر العجائب التي يقوم بها والناس التي يغير نفوسهم". ويصل البابا الى لبنان في 30 تشرين الثاني/نوفمبر وتستمر زيارته ثلاثة أيام.

وفي المكان الذي يضم أيضاً سجلات حافلة عن عجائب ينسبها المؤمنون الى القديس شربل، أضافت صليبا: "مار شربل رسالة محبة، ورسالة لبنان ووجه لبنان. إنه يبقي الرسالة المسيحية حية".  وتشهد الطريق المؤدية الى الدير أعمال تزفيت وتأهيل استعدادا لقدوم الضيف الكبير. وقال نائب رئيس الدير الأباتي طنوس نعمة أنه ينتظر زيارة البابا بفارغ الصبر، مضيفاً أن من أسباب الزيارة أن "هناك طابعاً عالمياً لمار شربل". وأشار الى أن القديس شربل يخاطب "غير المسيحيين أيضاً. يأتي مسلمون كثر إلى هنا من كل العالم، من إفريقيا وأوروبا وروسيا وأوروبا الشرقية"، مقدراً عدد زوار الضريح سنوياً بثلاثة ملايين شخص.

وفي الدير الذي بنيت جدرانه من الحجر، تعكر صفو الصلوات الهادئة ورائحة البخور، أصوات أعمال ترميم قبر القديس شربل الذي فتح ثلاث مرات بعد موت شربل مخلوف (1828-1898)، الاسم الكامل للراهب اللبناني الذائع الصيت. كان آخرها العام 1950 بعد نحو نصف قرن من إعلان وفاته. يومها، وبحضور كنسي ورسمي ولجنة أطباء، عثر على جثة شربل مخلوف غير متحللة بفعل الزمن. ووثق مقطع فيديو بالأبيض والأسود الحدث حينها، ومازال يعرض أحياناً على الشاشات اللبنانية استذكاراً للقديس. وأعلن مار شربل، وكلمة مار تعني السيد باللغة السريانية التي يستخدمها الموارنة في صلواتهم، قديساً العام 1977 في عهد البابا بولس السادس.

 

ويتجاوز عدد "حالات الشفاء" المسجلة لمار شربل في دير مار مارون- عنايا، عشرات الآلاف، حسبما هو مذكور في موقع الدير الإلكتروني. وتعد قصة شفاء نهاد الشامي من أشهرها. والشامي لبنانية توفيت العام 2025 عن 75 عاماً، وأصيبت بمرض عضال العام 1993، وقالت إن القديس شربل جاءها في الحلم وشفاها، وانتشرت قصتها على نطاق واسع في لبنان ومحيطه. ولم ينشر تفسير علمي لهذا الشفاء.

 

وولد القديس شربل باسم يوسف أنطون مخلوف العام 1828 في قرية بقاع كفرا الجبلية في شمال لبنان، لأسرة متدينة يعمل أبناؤها في الأرض ورعاية الأغنام. واختار اسم شربل، وهو اسم سرياني يعني "حكاية الله" بعدما انضم عن عمر 23 عاماً إلى الرهبنة المارونية اللبنانية التي أسست العام 1695، قبل أن يلتحق بدير مار مارون في عنايا.

 

وفي الدير، كانت كلود عيسى (56 عاماً)، وهي أم لثلاثة أبناء، تصلي بخشوع لقديسها المفضل. وقالت: "أنا أعشق مار شربل، وأتواصل معه. لدي إيمان كبير به. أشعر أن في زيارة البابا خيراً وبركة للبنان وتفاؤلاً للشعب اللبناني" خصوصاً "بعد الأزمات التي مررنا بها. فقد الناس إيمانهم وتفاؤلهم بوطنهم".

 

ويزور البابا لاوون الرابع عشر لبنان، بعد سلسلة أزمات عصفت بالبلد الصغير، من أزمة اقتصادية خانقة بدأت في خريف 2019، ثم انفجار المرفأ المروع في صيف العام اللاحق، وصولاً الى الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل. وسيكون لاوون الرابع عشر، ثالث بابا يزور لبنان بعد يوحنا بولس الثاني العام 1997، وبنديكتوس السادس عشر العام 2012. وخلال زيارته التي تبدأ في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، يلتقي البابا رئيس الجمهورية ومسؤولين لبنانيين. والى جانب لقاءات كنسية وروحية ورعائية، يحتفل بالصلاة عند واجهة بيروت البحرية بحضور شعبي، ويلتقي الشباب المسيحيين في مقر البطريركية المارونية في بكركي شمال بيروت. وقالت كلود عيسى: "زيارته ستشعر الناس بانتعاش، وأن الأمل مازال موجوداً في لبنان".