المصدر: المدن
الكاتب: زينب زعيتر
الأحد 15 حزيران 2025 09:28:09
في ظلّ لحظة إقليمية ودولية مشحونة، تسارعت فيها التحوّلات، بتصعيد إسرائيلي تجاه إيران، حذر نائب رئيس الحكومة الدكتور طارق متري من جرّ لبنان إلى ساحة اشتباك جديدة لا مصلحة له فيها.
من دون مبالغة أو تقليل من شأن الأمور، يجيب متري على الأسئلة الأكثر إلحاحًا اليوم حول موقع لبنان في خريطة الصراع وقدرته على الصمود وسط أزمات متداخلة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، ولبنان، كما يرى، لا يحتمل المزيد.
من العدوان على إيران وتداعياته المفتوحة على كل الاحتمالات، إلى مؤشرات التصعيد المتزايدة في الداخل اللبناني، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية، مرورًا بملف النزوح السوري الذي يعود بقوة إلى الواجهة بخطة يُراد لها أن تكون حاسمة، كما سيطرحها متري يوم الإثنين المقبل أمام الحكومة، وعلى أعتاب أسبوعين من الزيارة المرتقبة للوفد السوري إلى لبنان برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني، وما سيحمله من ملفات آن أوان البحث في عمقها، خصوصًا ترسيم الحدود، وصولًا إلى التحديات المرتقبة على صعيد التجديد لقوات اليونيفيل، وعمل الحكومة وعلاقتها مع رئاسة الجمهورية.
يقارب متري في مقابلة مع "المدن" هذه الملفات بأسلوب حريص على قراءة متزنة لمآلات المرحلة المقبلة. يشدد في كل سؤال وجواب على القول: "لست من الذين يتكهنون ويتحدثون عن المستقبل كما لو أنهم يعلمون الغيب، لكن أرى لزامًا أن أؤكد على عناصر الموقف اللبناني الذي التزم بالدفاع عنه".
يؤكد ضرورة الحاجة اليوم إلى سلوك وطني مسؤول من جميع الأطراف، وعلى رأسها "أصدقاء إيران في لبنان" فيما يتعلق بالتطورات الحاصلة في المنطقة، وخصوصًا مع استمرار إسرائيل في تعزيز غطرسة القوة التي تحكم سياستها، مستفيدة تارة من دعم أميركي مباشر وطورًا من غضّ طرف مدروس.
ويقول "كمواطن لبناني": "عسى ألا يكون لبنان إحدى ساحات الحرب الإسرائيلية على إيران والرد الإيراني عليها"، وبالتالي "من الواجب تجنيب لبنان مخاطر انفجار هذا الصراع، وهذا يتطلب ليس فقط يقظة من الحكومة اللبنانية وحرصًا على حفظ الأمن، بل يتطلب أيضًا تصرفًا بمسؤولية من حزب الله لعدم إقحام لبنان في هذه المواجهة". ويتابع متري: "أمس أدان لبنان الرسمي الاعتداء الإسرائيلي على إيران، وبدوره قال حزب الله إنه لا يريد أن يزج لبنان في الحرب. وهذا من شأنه أن يجنبنا مخاطر كثيرة".
مؤشرات التصعيد المحلي
بالانتقال إلى الداخل اللبناني، لا يخفي متري قلقه من مؤشرات تصعيد سياسي واقتصادي وأمني، وخصوصًا في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان والتهديدات المتواصلة له. يؤكد أن المطلوب اليوم هو الالتزام بخطاب سياسي وطني لا يمنح إسرائيل ذرائع إضافية، فإسرائيل "تعتدي بذريعة وبدون ذريعة، لكن لا يجوز إعطاؤها فرصة أو مبررًا"، وبالتالي "لا ينبغي أن يمنح حزب الله إسرائيل أي ذريعة".
المؤشر الآخر الذي يتوقف عنده متري هو ضرورة تسريع بسط سلطة الدولة الكاملة على الأراضي اللبنانية، وهي عملية بدأت فعلاً لكنها لا تزال بحاجة إلى دعم حقيقي وإرادة سياسية "من أشقاء لبنان وأصدقائه الفعليين والافتراضيين"، الذين يُطالبون بالإسراع في هذه العملية، التي من شأنها "تعزيز قدرة لبنان على النهوض من الحالة المتردية التي وصل إليها على الصعد كافة".
النزوح السوري: فرصة العودة تلوح
وأمام واحدة من أهم المؤشرات الأمنية، يقف لبنان منتظرًا خطة كشف عنها متري لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم. طرأ عاملان جديدان على واجهة الحدث: وثيقة مختصرة تضع ركائز الخطة والمبادئ الناظمة لتسهيل أو تيسير عودة أكبر عدد من السوريين، سيعرضها متري على مجلس الوزراء في جلسة الإثنين المقبل، وزيارة الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني.
يعرب متري عن تفاؤله النسبي، ويعتبر أن التعاون مع السلطات السورية والأمم المتحدة، وخصوصًا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية — وكلتاهما وضعتا خطة تنفيذية تم تبنيها من قبل اللجنة الوزارية لتسهيل العودة وإعطاء الحوافز للسوريين الذين أبدوا استعدادًا للعودة إلى بلدهم — هو الركيزة الأساسية لإنجاح هذا المسعى، مع التأكيد على ضرورة ضبط التسلل غير الشرعي، ودور الأمن العام في هذا الإطار.
ورداً على سؤال عن مدى حسم الخطة، يرى متري أنه إذا "تم التعاون الجاد مع الدولة السورية، وهو ما نتوخاه، فإننا لا نتوقع أية عقبات في طريق هذا المسعى الذي نقوم به. من جهة أخرى، ترى وكالات الأمم المتحدة أن تنفيذ الخطة سيكون ممكنًا إذا انطلقنا من السوريين الذين أبدوا استعدادًا للعودة". وفيما يتعلق بأعداد هذه الفئة، يفضل متري عدم الدخول في لغة الأرقام، لكنه يؤكد أن "هناك مئات الآلاف من السوريين الذين أبدوا استعدادًا للعودة السريعة بحلول آيلول المقبل، لذلك سنبدأ بهم في المرحلة الأولى".
زيارة الشيباني
وفي هذا الإطار، يشير متري إلى أهمية زيارة الوفد السوري المرتقبة، والتي قد تُشكّل نقلة نوعية في تنسيق الملفات العالقة، من عودة السوريين إلى ضبط وترسيم الحدود، مرورًا بملف المعتقلين، وقضايا المفقودين اللبنانيين في سوريا، وصولًا إلى مراجعة العلاقات الثنائية على أسس جديدة تقوم على "الندية والاحترام المتبادل".
وبحسب متري، قد تتم الزيارة قبل نهاية الشهر الجاري، و"الأهم فيها هو توثيق العلاقة بين البلدين، وإدراك كلّ من الطرفين أن استقرار البلدين أولوية للجميع، ولكلٍّ منهما مصلحة في استقرار البلد الآخر".
اليونيفيل: التجديد دون تعديل
في الشأن الأمني أيضًا، يبرز ملف التجديد لقوات اليونيفيل. ثلاثة أسئلة تُطرح في هذا السياق: ماذا تريد أميركا؟ ماذا تريد إسرائيل؟ وما موقف الجانب اللبناني؟
يوضح متري أن لبنان يطالب بالتجديد دون تعديل في المهام أو تخفيض في العديد، وقد أرسل كتابًا بهذا الخصوص. ويتابع: "في المقابل، تجاهر إسرائيل بعدائها للأمم المتحدة ولليونيفيل، وخلال الحرب المدمّرة على لبنان، تعرّضت اليونيفيل لعمليات عسكرية مباشرة ومقصودة، فلم تُقصف مواقع اليونيفيل عن طريق الخطأ، بل كان ذلك متعمّدًا، وهذا ما يؤكّد ما يُنسب إلى إسرائيل الآن من أنها لا تريد بقاء هذه القوات في جنوب لبنان".
فكيف تساعدها الولايات المتحدة الأميركية في ذلك؟ يجيب متري: "أُثير الحديث عن اتفاق أميركي-إسرائيلي بإلغاء دور اليونيفيل، وتبيّن أنه غير صحيح، ولكن أميركا، بوجه عام، تعترض — خصوصًا خلال الإدارة الحالية — على قوات حفظ السلام عمومًا، وتعتبر أنها مكلفة وقليلة الفعالية، وإذا ما أنهت الأمم المتحدة مهام إحدى القوات الدولية في العالم، فلن تذرف الولايات المتحدة الأميركية دموعًا".
انطلاقًا من هنا، وبحسب متري، "لن نُفاجأ بأن يكون لأميركا موقف يطالب بتخفيض ميزانية اليونيفيل، وبطبيعة الحال، تخفيض عديدها. ولن نُفاجأ أيضًا في حال طلبت الولايات المتحدة تعديلًا في مهامها".
وحول احتمالات التمديد أو عدمه، يقول متري: "من المجازفة الحديث عما سيحصل من اليوم، فالمواقف في مجلس الأمن تتغيّر من يوم إلى آخر، وقليلة هي الدول التي تصوغ موقفًا وتلتزم به حتى اللحظة الأخيرة".
الحكومة: التقدم رغم الضغوط
في تقييمه لأداء الحكومة بعد أكثر من مئة يوم على تشكيلها، يعتبر متري أن ما أُنجز "هو أقصى ما يمكن تحقيقه في ظل الظروف"، مشيرًا إلى مشاريع إصلاحية مهمة أُقرّت، مثل رفع السرية المصرفية، ويضيف: "أرسلنا إلى المجلس النيابي مشروع قانون لإصلاح المصارف، ولا نعلم متى يُقر، ولكننا أسرعنا في إنجازه، وكذلك مشروع قانون لاستقلال القضاء، وهو لا يزال قيد الدرس في المجلس النيابي"، إضافةً إلى "بعض التعيينات التي وُضعت لها آلية شفافة ومهنية، تختلف عن نهج المحاصصة السابق".
يرفض متري وصف عمل الحكومة بـ"التقصير" أو "التأخر"، قائلاً إن التوقعات غير الواقعية هي ما خيّب البعض، مضيفًا: "لم نتأخر، ولم نفشل، لكننا تمنينا لو كنا قادرين على فعل المزيد".
أما في ما يتعلق بالعلاقة مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وفي ظل ما يُحكى عن نزاع على الصلاحيات وتجاوزٍ للحكومة، فينفي متري وجود أي توتر، مؤكّدًا أن التنسيق بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ممتاز، وأن الحكومة تعمل بانسجام غير معهود في حكومات سابقة. ويتابع: "سمعت الرئيس عون يكرّر مرارًا قوله للوزراء: أنتم لستم ممثلين لا لأحزابكم ولا لطوائفكم. وهذا ليس مجرد كلام، ففي الماضي، كان يضطر رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة إلى التعامل مع الوزراء انطلاقًا من انتماءاتهم. وبالتالي، هذا تغيّر جذري في النظرة إلى الحكومة، ويصب في مصلحة رئيس الجمهورية، ويشكّل دليلاً على صوابية موقفه في هذا المجال".
ويعتبر متري أن الانتقادات المتداولة حول تدخل المستشارين في عمل الحكومة "مبالغ فيها"، مشيرًا إلى أن "هؤلاء يُسدون النصائح، ولا صلاحية لهم في اتخاذ القرار داخل الحكومة".
أما في ما يخصّ تعاطي رئيس الجمهورية مع ملف سلاح حزب الله، فيرى متري أن دور الرئيس في التواصل مع الحزب بشأن هذا الملف أو في ما يتعلّق ببسط سيادة الدولة يقع ضمن صلاحياته، ويتم بشفافية وبعلم مجلس الوزراء، وهو ما ينسجم مع التزامه بخطاب القسم، وكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة. ويضيف: "نحن مطّلعون على ما يقوم به الرئيس عون على هذا الصعيد".