"مجلس الأمن" يحطّ في لبنان: السّلاح و"اليونيفيل"

انتهت زيارة البابا لاون الرابع عشر التاريخيّة للبنان على  فتح باب التساؤلات على مصراعيه عمّا ينتظر لبنان في ضوء ضغوطات وتهديدات غير مسبوقة برفع العدوّ الإسرائيليّ وتيرة التصعيد بهدف تحقيق الهدف “الذهبيّ”: نزع سلاح “الحزب” نهائيّاً.

لم تلتزم إسرائيل فعليّاً “هدنة أخلاقيّة وإنسانيّة” كان يجب أن يفرضها وجود البابا على مدى ثلاثة أيّام في لبنان. تنوّعت الانتهاكات، وكان أخطرها قبل وصول الزائر الرسوليّ إلى لبنان بساعات، الغارة التي استهدفت أحد أحياء بلدة شبعا ضمن سلسلة اعتداءات مماثلة في كفرشوبا ومحيط مزارع شبعا قبل أسابيع، والتي قال أحد نوّاب الثنائي الشيعيّ أنّها قد تكون مقدّمة لتصعيد ربطه البعض بالاعتداءات الإسرائيليّة في الجنوب السوريّ، والادّعاءات أنّ بلدة بيت جنّ السوريّة جسر عبور لنقل “الحزب” أسلحة من سوريا إلى الداخل اللبنانيّ.  إلى ذلك، سبق مغادرة بابا روما قيام مسيّرة إسرائيليّة باستهداف منزل في بلدة عيترون الحدودية بعبوات متفجّرة، ثمّ لاحقاً تحليق مسيّرات إسرائيليّة فوق الضاحية بعد دقائق قليلة من مغادرة البابا.

بعد الحراك الدوليّ، المتعدّد الأطراف، المُحذِّر من حربٍ وشيكة على لبنان بفعل عدم اقتناع الجانب الإسرائيليّ-الأميركيّ بجدّيّة الحكومة في تنفيذ مطلب نزع السلاح، يستعدّ لبنان لاستقبال وفد أمميّ من مجلس الأمن الدوليّ سيكون الأوّل من نوعه وسيزور لبنان وسوريا، بالتزامن مع عقد لجنة “الميكانيزم” اجتماعها الرابع عشر اليوم في الناقورة بحضور المستشارة الأميركيّة مورغان أورتاغوس.

وفد مجلس الأمن

في تصريح لصحيفة “هآرتس” الإسرائيليّة أكّد سفير الولايات المتّحدة الأميركيّة في لبنان ميشال عيسى أنّ “إسرائيل ليست بحاجة إلى إذن من الولايات المتّحدة الأميركيّة، ونحن نحثّ الحكومة اللبنانية على تجريد “الحزب” من سلاحه”.

هذا هو السقف الثابت الفعليّ الذي تتحرّك تحته إسرائيل، وهذا ما قد يُكلّف العدوّ فقط إبلاغ حليفته واشنطن بأيّ تصعيد عسكريّ ومركّز من خارج سياق ما شهدته الأحداث منذ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار، وسط آخر التهديدات على لسان قائد المنطقة الشماليّة في الجيش الإسرائيليّ بـ”عدم جواز انتظار أن يُهاجم العدوّ أوّلاً، وعلينا أن نكون المبادرين”، مؤكّداً “استنفار القوّات الإسرائيليّة المنتشرة شمالاً دفاعيّاً وميدانيّاً”.

ضمن هذه المناخات، وبموازاة تصاعد التوتّر على الحدود السوريّة-الإسرائيليّة يحضر وفد مجلس الأمن الدوليّ، المؤلّف من 14 عضواً، غداً الخميس إلى بيروت. ورُصدت تسريبات عن انضمام أورتاغوس إلى اجتماعات الوفد، لا السفيرة الأميركيّة السابقة دوروثي شيا التي تشغل راهناً منصب مندوبة الولايات المتّحدة في مجلس الأمن، من دون أن يصدر أيّ بيان توضيحيّ عن السفارة الأميركيّة بهذا الشأن.

سيلتقي الوفد الرؤساء الثلاثة، إضافة إلى قائد الجيش العماد رودولف هيكل. وسيقوم بجولة ميدانيّة جنوباً، وسط إجراءات أمنيّة استثنائيّة. بالتالي سيكون هناك تواصل مباشر، هو الأوّل من نوعه، بين وفد دوليّ بهذا المستوى وممثّلي “الميكانيزم” من الولايات المتّحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل و”اليونيفيل”.

تترافق هذه الزيارة التي تؤكّد مصادر سياسيّة أنّها “استطلاعيّة للوقوف على حقيقة المشهد جنوباً، من ضمن ملفّ نزع السلاح ككلّ”، مع عرض الجيش اللبنانيّ لتقريره الثالث في مجلس الوزراء يوم غد.

يفترض أن يكون التقرير الأخير المرتبط بتنفيذ مهمّة حصر السلاح جنوب الليطاني مع نهاية العام. لكنّ مصادر عسكريّة تؤكّد لـ “أساس” أنّه “بالتأكيد التقرير النهائيّ لهذا العام، لكن ليس التقرير النهائيّ من ضمن خطّة الجيش، إذ لا يمكن إعلان منطقة جنوب الليطاني نظيفة من السلاح في ظلّ استمرار الاحتلال والانتهاكات الإسرائيليّة الخطيرة للاتّفاق”.

سيشكّل لقاء الوفد الأمميّ مع المسؤولين اللبنانيّين مناسبة لرئيس الجمهوريّة لتأكيد قرار الدولة اللبنانيّة تنفيذ حصريّة السلاح، والشكوى من عدم التجاوب الأميركيّ والإسرائيليّ حتّى الآن مع دعوات التفاوض لحلّ ملفّات النزاع مع إسرائيل، ووضع حدّ نهائيّ للحرب وانسحاب إسرائيل.

إلى ذلك تشير مصادر مطّلعة إلى أنّ “الزيارة مرتبطة بشكل وثيق بملفّ انسحاب قوّات “اليونيفيل” من لبنان نهاية العام المقبل، بموجب مفاعيل القرار 2790، وبدء تقليص أعدادها وتفكيك جزء من منشآتها وسحب قطعها البحريّة، فيما هناك مخاوف لبنانيّة ودوليّة من أن يخلق هذا الانسحاب فجوة خطِرة، إذا لم يتمّ  وقف الانتهاكات وتنفيذ الانسحاب الإسرائيليّ من كامل المواقع المحتلّة، قبل إنهاء مهامّ اليونيفيل”. لكن لم يُعرف حتّى الآن إذا كانت الزيارة ضمن سياق الزيارات الدوليّة التحذيريّة أو زيارة دعم للحكومة اللبنانيّة.

اجتماع “الميكانيزم”

يأتي اجتماع لجنة الإشراف على تطبيق اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة اليوم عقب جولة إعلاميّة نظّمتها قيادة الجيش لإعلاميّين، وهي الأولى من نوعها منذ توقيع الاتّفاق في 26 تشرين الثاني 2024.

تتجلّى الخلاصة الأساسيّة للزيارة في تأكيد الجيش اللبنانيّ الأمور الأساسيّة التالية التي ستحكم أيّ تعاطٍ للمؤسّسة العسكريّة مع جنوب الليطاني وشماله:

– هناك نحو 300 ألف منزل في منطقة جنوب الليطاني لا تشمل خطّة الجيش دخولها إلّا بالجرم المشهود أو بأمر قضائيّ. وقد قال قائد قطاع الليطاني العميد نقولا تابت أمام الإعلاميّين: “مسألة دخول المنازل ظهرت في الإعلام على شكل تسريبات ليس الجيش مسؤولاً عنها. وليست شغلتنا نضيّع وقتنا على مسألة تُشغِلُني بموضوع لا أحد له فيه مصلحة إلّا أصحاب هذه المصلحة حصراً”.

– قال تابت أيضاً: “الجيش ملتزم القرارات الدوليّة والاتّفاق، وإذا حصل هجوم برّي تجتمع الحكومة ويتمّ إعطاء قرار للجيش و”رقبتنا سدّادة”. عديد العسكر ارتفع منذ بدء المهمّة من 4 آلاف وسيصل إلى عشرة آلاف نهاية العام. ثبّتنا الوضع على الأرض، وأستطيع الآن أن أفتح مراكز أكثر للعسكر بطريقة آمنة بعد تلقّي الدعم اللوجستيّ المطلوب”، مؤكّداً أنّه بعد حادثة بليدا “تمّ تثبيت نقطة عسكريّة في القاطع الشماليّ على الحدود الأماميّة على الخطّ الأزرق”.

– لن يطلب الجيش تمديداً لإنجاز مهمّة حصر السلاح جنوب الليطاني المقرَّر بعد نهاية العام، “على الرغم من كلّ المعوّقات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيليّ والانتهاكات اليوميّة”. وقد أنجز الجيش حتّى الآن جنوب الليطاني 80% من الخطّة في المرحلة الفرعيّة الأولى، و34% من المرحلة الفرعيّة الثانية.

– وفق الجيش “لا تنسيق إطلاقاً مع “الحزب”، ونعمل وفق معلوماتنا وضمن إطار “الميكانيزم” حصراً، ولا معوّقات من قبل “الحزب” أو الأهالي”.

– يجزم الجيش عدم رصد منصّات صواريخ معدّة للإطلاق جنوب الليطاني، كما يزعم الجيش الإسرائيليّ.