"مجموعة الأزمات" توصي بتدعيم قدرات الأجهزة الأمنية في لبنان

حذّرت مجموعة الأزمات الدوليّة أو "International crisis group" في تقريرٍ لها من أنّ الأزمة الاقتصاديّة الّتي تفجّرت منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2019 قد أعاقت تمويل القوّات الأمنيّة اللّبنانيّة، بما في ذلك الجيش وقوى الأمن الدّاخليّ، ما أجبرها على الالتجاء إلى حلولٍ مؤقّتةٍ لصون السّلم الأهليّ، منها مبادراتٌ تشرك المجتمعات المحلّيّة في مساعدة الشّرطة.

ويرى التّقرير أنّ الاعتماد المتزايد على هذه التّرتيبات سيفضي، إن استمرّ تردّي المؤسّسات الرّسميّة، إلى فروط أمنٍ قد تتبعه موجات عنفٍ، خاصّةً في المناطق المهملة والفقيرة.

الخلاصات الرّئيسيّة

ما الجديد؟ منذ 2019 تآكلت موارد الأجهزة الأمنيّة، فلجأت إلى حلولٍ مؤقّتةٍ وإشراك المجتمع المحلّيّ.
ما أهمّيّة ذلك؟ تأمين السّلامة العامّة يجري اليوم بوسائل متفرّقةٍ وسريعة الازدراد لا يمكن أن تستمرّ طويلًا؛ وإن استمرّ تداعي الدّولة سينهار الأمن.
ما الّذي ينبغي فعله؟ يجب على الجهات المانحة مواصلة الضّغط لمعالجة الأزمة وتمكين الدّولة من إعادة الاستثمار في قدرات الأمن، مع تدخّلاتٍ موجّهةٍ تعزّز أداء القوّات ونزاهتها المهنيّة، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة المزعزعة للاستقرار بين إسرائيل و"حزب الله".
ملخّصٌ تنفيذيٌّ

يوضّح التّقرير أنّ الانهيار الماليّ قوّض قيمة اللّيرة اللّبنانيّة ودمّر رواتب العسكريّين وعناصر الشّرطة، فتقلّصت ميزانيّات الأجهزة إلى أجزاءٍ ضئيلةٍ من احتياجاتها التّشغيليّة. وعلى خلاف توقّعاتٍ متشائمةٍ، لم ينهر النّظام المدنيّ؛ إذ أبقت حلولٌ ارتجاليّةٌ ودعمٌ مانحٌ وترتيباتٌ غير رسميّةٍ مع جهاتٍ محلّيّةٍ على توازنٍ هشٍّ. غير أنّ هذا النّظام لا يمكن أن يستمرّ: فهو يستنزف المانحين ويفرط في التّعويل على تعاون المجتمعات، حتّى بناءً على اشتراك "حرّاسٍ متطوّعين" وأحيانًا مشبوهين.

كيف تصرّفت الأجهزة؟

وجدت المؤسّسات الأمنيّة سبلًا لترشيد الموارد وتقاسم الأعباء:

تولّت القوّات المسلّحة اللّبنانيّة ـ وهي أكثر تمويلًا وأعلى سمعةً شعبيّةً ـ جزءًا متّسعًا من واجبات قوى الأمن الدّاخليّ.
استعانت الدّولة بدعمٍ خارجيٍّ لتدعيم الدّخول، وخفّفت قيود العمل الثّانويّ، وقرّبت مواقع الخدمة من مساكن الأفراد لتقليص كلفة الانتقال.
تسلّمت الشّرطة البلديّة بعض مهامّ قوى الأمن الدّاخليّ.
"الأمن الهجين"… حلولٌ ذات كلفةٍ خفيّةٍ

ارتكز الجهد الأمنيّ على ترتيباتٍ غير رسميّةٍ يسمّيها التّقرير "الأمن الهجين":

في طرابلس، جرى التّعامل مع وجوهٍ محلّيّةٍ نافذةٍ، من بينها زعماء جرائم، لمنع الانزلاق إلى عنفٍ منفلتٍ أو حضورٍ جهاديٍّ.
في ضواحي بيروت الجنوبيّة ذات الأكثريّة الشّيعيّة، تتعاون السّلطات أحيانًا مع "حزب الله" و"أمل"، مع احترامٍ لوزن العشائر.

في محيط مخيّمات اللّاجئين، تفضّل القوّات العمل عبر لجانٍ داخليّةٍ وقادةٍ محلّيّين.
في بعض الأحياء، من محيطٍ بيروتيٍّ مرتاحٍ إلى بلدان شماليّةٍ أقلّ يسرًا، نشأت دوريّات أحياءٍ مسلّحةٌ وغير مسلّحةٍ لملء فجوات الأداء الشّرطيّ.
مخاطر الاستمرار ومهامٌّ متزايدةٌ

ينبّه التّقرير إلى أنّ هذه التّرتيبات تعتمد على دعم المانحين الّذي قد يتضاءل ما لم يتقدّم الإصلاح الاقتصاديّ. كما أنّها تحمّل الجيش أعباءً تفوق وسعه، خاصّةً بعد وقف إطلاق النّار في تشرين الثّاني/نوفمبر 2024 بين إسرائيل ولبنان، وما رافقه من تفويضاتٍ بانتشارٍ أوسع في الجنوب، ومهامّ لـ"نزع سلاح حزب الله"، وتأمين الحدود النّفاذة مع سوريا.

كما قد تفضي ترتيبات "الأمن الهجين" إلى تمكين جهاتٍ محلّيّةٍ متّهمةٍ بصلاتٍ جرميّةٍ، أو تشجّع تشكّل ميليشياتٍ بدائيّةٍ تؤجّج الانقسامات و"عقليّة الحصار".

طريق الإصلاح

لمواجهة هذه التّحدّيات، يدعو التّقرير إلى الانتقال من بنيةٍ أمنيّةٍ "مرتّبةٍ بحسب الضّرورة" إلى نموذجٍ أكثر استدامةً قائمٍ على مركزيّة الدّولة. ويشدّد على أنّ:

الإصلاحات الاقتصاديّة وحوكمة القطاع العامّ لا تحتمل مجدّدًا؛ فهي شرطٌ لتمكين ميزانيّاتٍ مستدامةٍ للقطاع الأمنيّ.
تدخّلات المانحين الاستهدافيّة يمكنها تعزيز الأداء والنّزاهة المهنيّة للقوّات، خاصّةً في البنية التّحتيّة اللّوجستيّة، والتّدريب، وإعادة التّجهيز، وتحسين أوضاع الأفراد.

الوعود الّتي أطلقها رئيس لبنان الجديد والحكومة في مطلع 2025 تجدّد الآمال ببدء مسار معالجةٍ فاعلةٍ، وهو ما يستوجب مواصلة الضّغط الدّوليّ والمساندة التّقنيّة.

وختمت الجمعية بالقول: " بإيجاز، لم يعد بإمكان قادة لبنان تأجيل معالجة الأزمة الاقتصاديّة". فهذه الإصلاحات هي الأساس لتمويل "منظومةٍ أمنيّةٍ أقوى وأكثر اعتمادًا على نفسها"، قادرةٍ على مواجهة التّحدّيات دون الارتكاز على ترتيباتٍ تفاقم المشاكل المزمنة.