محقققًا سعراً تاريخياً جديداً.. بريق الذهب قد يلمع أكثر في 2024

حين اندلعت الحرب الأوكرانية الروسية ومن بعدها الحرب على غزة، سيطر الخوف والارتباك على التجارة العالمية، فكان من الطبيعي أن تلجأ الدول الى الملاذات الآمنة لحماية قيمة النقد الوطني واستقرار سعر الصرف، وكذلك فعل الأفراد لحماية مدخراتهم وجنى أعمارهم. لذا هرع هؤلاء الى أسواق المعادن الثمينة لاقتناء ما أمكن من الأصفر الثمين بما أدى الى ارتفاع الطلب عليه وتالياً ارتفاع أسعاره. على وقع هاتين الحربين ارتفع سعر الذهب الى مستويات قياسية تاريخية، ولكن حديث البنك الاحتياطي الفيديرالي عن خفض أسعار الفائدة كان له الوقع الأكبر على أسعار الذهب.

في التفاصيل، حقق الذهب سعراً تاريخياً جديداً بعد وصوله الى نحو 2,150 دولاراً للأونصة الأسبوع الماضي، متجاوزاً المستوى القياسي التاريخي للتداول العالمي السابق المسجل في آب 2020 بعد بلوغه مستوى 2073، فيما يشير المحللون الى أن تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما خلّفه من توترات في المنطقة والعالم كان له دور مهم في دعم المعدن الأصفر، بيد أن العامل الأهم برأيهم هو تلميحات البنك الاحتياطي الفيديرالي بانتهاء مرحلة رفع الفائدة، إضافة الى لجوء #المصارف المركزية العالمية الى شراء المعدن الأصفر بشراهة. وبناءً على ذلك تكون الدول ومصارفها المركزية ومعهما الأفراد قد كسبوا أرباحاً طائلة خلال أقل من سنة نتيجة خيارهم الصحيح حينها في اللجوء الى المعدن الأصفر. ومن بين الرابحين الكثير من اللبنانيين الذين لجأوا الى الذهب لحماية ليراتهم وبقايا دولاراتهم ومعهم ربح الاحتياط الذهبي الذي تملكه الدولة اللبنانية نحو ملياري دولار.

أسباب ارتفاع أسعار الذهب

لم يكن الذهب يوماً أداة استثمار يُبنى عليها لتحقيق مكاسب مستدامة، بيد أنه من دون شك أداة تحوّط ضد التضخم للمحافظة على الرساميل من تآكل قيمتها من جراء ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وأداة لها طابع الملاذ الآمن التي يلجأ إليها المستثمر في أوقات الحروب أو الأزمات الاقتصادية، حين يتجنب الأدوات الاستثمارية ذات المخاطر المرتفعة كالعملات المشفرة والمشتقات المالية والأسهم وغيرها.

من هنا، يؤكد الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو، أن "الذهب وسندات الخزانة هما من أهم الملاذات الآمنة"، لافتاً الى "العلاقة العكسية بين سعر الفائدة الأميركية وسندات الخزانة والدولار الأميركي من جهة وأسعار الذهب من جهة أخرى، التي تستند إلى معدل العائد على سندات الخزانة. فعند رفع سعر الفائدة ترتفع عوائد السندات وكذلك العوائد على الإيداعات المصرفية. وتالياً يزداد الطلب على الدولار للاكتتاب في سندات الخزانة الأميركية أو لإيداعه في المصارف، طمعاً بالعوائد المرتفعة وبالأمان.

لذلك، يقوم المستثمرون باستبدال الذهب بالدولار، فينخفض الطلب عليه في السوق، وتالياً ينخفض سعره، وهو ما لاحظناه في عام 2022 حين ارتفعت أسعار الفائدة الأميركية مرات عدة وانخفض معها سعر أونصة الذهب من 1,985 دولاراً للأونصة في آذار 2022 إلى 1,644 دولاراً في تشرين الأول 2022".

الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب العالمية يعزوها قانصو إلى عاملين أساسيين:

الأول، مرتبط بالتطورات الجيوسياسية حول العالم من الحرب الروسية في أوكرانيا والحرب الأخيرة على غزة، بما دفع المستثمرين والمصارف المركزية حول العالم الى اللجوء الى الذهب كملاذ آمن في ظل الضبابية في الأسواق والمخاوف من اتساع رقعة الحرب، إذ تكشف تقارير اتجاهات الطلب على الذهب أن البنوك المركزية حول العالم، واصلت الطلب على الذهب خلال عام 2023، وفقاً لتقارير مجلس الذهب العالمي عن اتجاهات الذهب خلال الربع الثالث التي أظهرت ارتفاع الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية بمقدار 337 طناً، ليرتفع بذلك الطلب من البنوك المركزية منذ بداية العام بنسبة تفوق 14% مقارنة بالفترة عينها من العام الماضي، وليبلغ مستوى قياسياً جديداً بلغ 800 طن من الذهب.