محمد شطح...بطل الاعتدال السنّي!

الوزير السابق محمد شطح الذي يقلب لبنان اليوم صفحة العام السادس على استشهاده بانفجار دوى في قلب العاصمة بيروت، كان من بين هذه الوجوه التي لم تتأخر في العمل على ترك بصمة الاعتدال في لبنان، هذا الوطن الرسالة الذي لا يزال يلقن العالم دروسا في الانسانية والتعايش والانفتاح على الآخر. كيف لا والذاكرة الجماعية اللبنانية لا تزال تحفظ بين صفحاتها المشرقة المجيدة، على ندرتها، صورة الوزير السابق ينادي بالحوار بين شركاء الوطن الواحد لبناء لبنان جديد يليق بطموح شبابه وشاباته، وبتضحيات شيبه الكثيرة الممهورة بدماء زكية، لم يخش محمد شطح أن يضيف إليها دماءه إذا كانت هي ضريبة الحياة الحرة في بلاد ما خشيت يوما مواجهة الوصايات وخوض معارك الحرية والسيادة والاستقلال، لا لشيء إلا لأنها على يقين بأن الله مدها بالفرسان الشجعان من طينة محمد شطح وسابقيه ولاحقيه على درب البطولة والاستشهاد.

إنطلاقا من هذه الصورة، تأخذ الذكرى السادسة لرحيل شطح هذا العام بعدا آخر يبدو التجسيد الأفضل للفضائل السامية والمعاني الكبيرة التي حملها رحيل الوزير السابق، بخلاف ما أراد المجرمون. ذلك أن أصحاب السجلات السود الحافلة بالجرائم والارتكابات الشنيعة لم يفهموا أن في لبنان، ليست الشهادة مرادفا للسواد والحزن... بل للحياة. وليس أبلغ من ثورة 17 تشرين المستمرة دليلا إلى ذلك. ذلك أن الثوار الأحرار انتظروا 6 سنوات مضنية قبل أن يعودوا إلى الساحات، إلى حيث تركهم محمد شطح على غفلة قدره الحزين.. لكن الأهم يكمن في أنهم عادوا، وهم أكثر اقتناعا بالفضائل والقيم النبيلة التي صارت مرادفا لاسم شطح، الاسم البارز في عالم المال والأعمال والاقتصاد، والقيادي في تيار المستقبل الذي يشهد له، هو الآخر، الخصوم قبل الحلفاء بكونه بطل الاعتدال السني في منطقة تكاد تغلي على فوهة بركان طائفي بغيض. اليوم حقق محمد شطح هدفه من الاقدام على شجاعة الاستشهاد: وحّد اللبنانيين تحت راية الاعتدال ونبذ العنف والطائفية، وخوض معارك لصالح الإنفتاح على الآخر الذي لطالما اعتبر "مختلفا"... "غريبا"... بعيدا.... كلها تعابير انقلبت عليها الثورة واستبدلتها سريعا بما كان محمد شطح يحلم بأن يراه يوما في لبنان، وإن كان على يقين أن حلما ورديا كهذا في بلاد تبدو كالزهرة الوحيدة في حقل من الشوك، لا يتحقق إلا بإرادات صلبة وأرواح لا تعترف بالخوف. إنه مشهد اللبنانيين الأبطال الأحرار يكسرون كل الحواجز في مواجهة سلطة ودولة لا تتقن إلا العزف على وتر التفرقة والشرذمة لتكرس جبروتها...  هكذا أعاد الناس محمد شطح إلى الحياة بعد 6 سنوات... قد تكون هذه هي الحكمة وراء الغياب في بلاد لا تجد أفضل من فن الحياة سلاحا في مواجهة الموت... وحبرا في كتابة التاريخ...