مزارعو البطاطا في عكار:خسائر نتيجة المضاربة ووقف التصدير

لأول مرة يخرج وزير زراعة لبناني عن عرفٍ معتمد منذ سنوات، بألا يتم استيراد أي بطاطا من الخارج بعد نهاية شهر آذار من كل عام وهو موعد قلع البطاطا العكارية، وذلك إفساحاً في المجال أمام البطاطا المحلية لتباع بالسعر المناسب لما تكبّده المزارع من أكلاف. فماذا حصل هذا العام؟

لا بدّ من الإشارة إلى أن موسم البطاطا يعتبر من أهم المواسم السنوية التي تزرع في عكار حيث تعدّ هذه المحافظة ثاني أكبر مزوّد للسوق اللبناني بهذا المنتج الزراعي بعد البقاع وتنتج أكثر من 160 ألف طن. ولطالما كانت العلاقة بين وزراء الزراعة في الحكومات اللبنانية ومزارعي عكار وبالأخص مزارعي البطاطا توصف بالممتازة على الرغم من أن أغلب وزراء الزراعة يأتون دائمًا من البقاع.

يحتكر كبار المزارعين، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أكثر من نصف الموسم في عكار. وهناك مزارعون متوسطون وصغار (يزرع الواحد منهم ما بين 5 إلى 10 طن )... وبنى وزراء زراعة سابقون علاقات طيبة مع كبار المزارعين ولم يكن يُسمع سابقاً إلا صوت المزارع الصغير الذي لا يملك حظوة سياسية أو علاقة بالوزير المختص فيحرمه ذلك من المساعدات بالأسمدة وغيرها كما يحرمه من أي تعويضات عند الخسائر.

الباخرتان المصريتان وإغراق السوق
لكن باخرتين مصريتين (6000 طن) قلبتا كل الموازين والأعراف. فقد سمحت وزارة الزراعة بدخول باخرتي بطاطا من مصر بعد 31 آذار "في إطار الإلتزام بتنفيذ الإتفاقيات مع الجانب المصري"، لأن سوء الأحوال الجوية كان قد منع هاتين الباخرتين من مغادرة الموانئ المصرية قبل ذلك التاريخ. وقد رأى مزارعو البطاطا العكارية (صغاراً وكباراً) نوعاً من الإلتفاف على الاتفاق معهم إرضاءً لمزارعي مصر أو بالأحرى إرضاءً للسفير المصري الذي زار رئيس حكومة تصريف الأعمال قبل زيارة وفد المزارعين بساعات وطلب منه السماح بإدخال الباخرتين فكان له ذلك بموافقة إستثنائية من ميقاتي.

أقفل وزير الزراعة خطه كما بابه بوجه مزارعي البطاطا العكارية واعتبرت أوساطه أن ما كتب قد كُتب وأن الوزير ليس هو من أدخل الباخرتين إنما رئيس الحكومة فليذهبوا إليه. لم يقبل حتى بمراجعات سياسية في هذا الشأن.

صراخ المزارعين
بالمقابل، لم يعد أمام المزارع العكاري إلا "النق" والصراخ والإعتصامات التي كان آخرها الوقفة الإحتجاجية أمام سوق خضار العبدة – عكار وتخللها مواقف عالية النبرة. فقد حمّل هؤلاء وزير الزراعة عباس الحاج حسن ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي المسؤولية. وطالبوا الوزير بمناظرة علنية على الهواء لتحديد من هي الجهة التي نكثت بالوعود. وطالب أحد المزارعين بـ"وزير من عكار يحن علينا لأن ابن البقاع ما بيحن إلا على أولاد منطقته". وأجاب على استفسار المدن قائلا"كل الدعم والمساعدات تذهب إلى مزارعي البقاع. يشترون البذور بالليرة اللبنانية ونحن نشتريها بالدولار، وعندما يحين موعد موسمهم لا يتم إدخال أي بطاطا من الخارج، فهل كل ذلك يحصل بالصدفة؟".

انقسام الآراء 
وبُعيد الإعتصام اجتمع المزارعون لاتخاذ الموقف النهائي من وقف القلع أو استئنافه فكانت الآراء منقسمة. فصغار المزارعين قرروا قلع البطاطا وبيعها بالسعر الموجود (13 ألف ليرة لبنانية) قبل أن ينخفض أكثر، فيما الكبار منهم يريدون التريث إلى يوم الجمعة لاكتمال الإتصالات مع المعنيين لاسيما مع رئيس الحكومة في إطار البحث عن حل. وبالفعل انعكس هذا الإنقسام على الأرض، وبدأ بعض المزارعين قلع البطاطا منذ الثلاثاء الفائت والبعض الآخر لا يزال ينتظر على قاعدة أن من انتظر 4 أشهر لنضوج الموسم بإمكانه أن ينتظر لبضعة أيام إضافية وطالما أن الخسارة واقعة واقعة ولا مفر منها. 

خسائر كبيرة
وكان تجمع مزارعي البطاطا في عكار قد أعلن بأن الخسائر هذه السنة تتجاوز الـ 50 % عن السنة الماضية وستكون بملايين الدولارات. فطن البطاطا الواحد يكلّف نحو 3000 $ في أرضه بينما مردوده اليوم على سعر 13 ألف ليرة للكيلو الواحد كما تباع البطاطا المصرية، فلن يتجاوز الـ 1500 $ للطن. وهذه خسائر ستجعل الكثير من المزارعين يقلعون عن زراعة البطاطا في المواسم المقبلة لأن خسائرها أصبحت أعلى بكثير من إيراداتها.
وهو ما يؤكده أبو محمود خشفة، مزارع متوسط من سهل عكار قائلا لـ"المدن" "كنت أزرع في السابق أكثر من 2000 طن، لكن السنوات العشر الأخيرة في الزراعة لا مثيل لها، كلها خسائر ولا مساعدات ولا اهتمام . زرعت هذه السنة 50 طناً، والموسم خاسر، وكل سنة أنوي التوقف عن زراعة البطاطا، لكن البطاطا كالحشيش، من اعتاد عليها لا يمكن أن يتركها بسهولة حتى لو استدان من أجل تأمين زراعتها". 

مستقبل زراعة البطاطا العكارية
في العامين الماضيين أقلع عدد من مزارعي سهل عكار عن زراعة البطاطا بشكل نهائي بعد الإنهيار الإقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير. هناك من استعاض عن البطاطا بزراعة الشمندر لأن تكاليفه أقل ولا يحتاج إلى ري، لكن آخرين تركوا البطاطا كما تركوا أرضهم بلا زرع لأن لا إمكانيات لديهم لزراعتها. الوضع هذه السنة سوف يكون أصعب، إذ وبعد هذه الأزمة، يؤكد العديد من المزارعين بأنها آخر سنة يزرعون فيها البطاطا طالما لا سياسة حكومية واضحة ولا روزنامة زراعية تطبّق. وتشير أوساط واسعة الإطلاع في قطاع الزراعة في عكار ل"المدن" إلى أن الإنتاج العكاري قد ينخفض إلى ما دون المئة ألف طن العام المقبل إذا لم تتغير المعطيات القائمة حالياً في هذا القطاع وهذا ما سينعكس سلباً على المزارع كما على المستهلك، ليس فقط بسب جودة البطاطا اللبنانية  التي لا تضاهيها أي بطاطا أخرى، إنما أيضاُ لجهة الإكتفاء الذاتي والامن الغذائي، خصوصاً للفقراء الذين تزداد أعدادهم وتعتبر البطاطا طبقاً أساسياً على موائدهم.