مسرحية الكابيتال كونترول بعد الهدر من دون كونترول

كتب عارف العبد في المدن:

المسرحية التي سيطرت على المشهد الدرامي والهزلي في لبنان في آن واحد، خلال الأيام الماضية، كانت مسرحية الكابيتال كونترول التي تقاتل وتبادل العشق والخصام حولها، فرقة المسرح السياسي الوطني في مجلسي النواب والوزراء. فكل طرف كاد يشق صدره ويخرج أحشائه رفضاً لمشروع القانون هذا أو مناجاة له أو تمسكاً به.

الفرقة المسرحية الهزلية الدرامية الكبرى ظهرت في المقر المؤقت لمجلس النواب في الأونيسكو، من السادة نواب الأمة الأشاوس الذين استبسلوا في هذه اللحظة الانتخابية في تشريح وتقطيع ولعن الاقتراح الذي وصل إلى أيديهم من الحكومة.

بعض النواب -وليس آخرهم نائب رئيس المجلس المصاب ببحة صوت طبيعية- ونتيجة الانفعال المضخم في الاعتراض على المشروع فقدوا أعصابهم، وطاش صوابهم خوفاً على المودعين. كما أن رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان كاد أن يغمى عليه من شدة الانفعال، ويصرع أكثر من وزير لو تسنى له الإمساك بخناقهم، بسبب إحالتهم اقتراحاً مرتجلاً "مكفشلاً"، لم يرق له من فرط تمسكه بحقوق المودعين الفقراء!

في المقابل، فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يسمح بأن تمر عليه الأهزوجة النيابية الفقاعية مرور الكرام، فرد بأحسن وأقوى منها في الداخل وعلى المنبر أمام وسائل الإعلام. ولم يكتف بالكلام والرد الإعلامي، فكانت جلسة سريعة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا، أقرّت فيه اقتراح مشروع قانون يحمل آلية لضبط ما تبقى من قروش دولارية لإرساله إلى مجلس النواب.

والواقع، أن الطرفين مجلس النواب والحكومات المتعاقبة قد تشاركوا في ارتكاب الجريمة المستمرة التي تعرض ويتعرض لها الشعب اللبناني.

السياسات السابقة لكلا المجلسين، هي التي ساهمت في الوصول إلى قاع القاع الجهنمي الذي نعيشه الآن.

الجريمة في مراحلها الأولى كانت مسؤولية اتحاد المقاولين السياسيين، المؤلف من كل الأطراف، في التغطية والتآمر والتشارك في النهب وسياسة تكبير وتضخيم جهاز الدولة وحشوه بالمحاسيب والأتباع والزبائن على مدى السنوات الماضية، وفي الابتعاد في الوقت نفسه عن أي خطوة لتخفيف الأعباء أو للمحاسبة على الشطط والاختلاسات والتنفيعات.

ارتضى الجميع برعاية الحاكم بأمر مصرف لبنان، الإمعان في سياسة نفخ الضفدعة والتصديق أنها بقرة حتى انفجرت.

كان بالإمكان اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة للتخفيف من الأزمة وتلافي التدهور المتسارع، منذ ما قبل حكومة حسان دياب المقاومة، لكن بدلاً من التروي كانت شرارة ضريبة الواتساب وما سبقها، وكان التدهور والانفجار المتدحرج حيث اعتبر قادة محور الممانعة اليافعة أنه حان وقت الإمساك بناصية الأمور بقوة، بعد استقالة حكومة سعد الحريري. فكانت أضحوكة حكومة الحسان الكارثية.

صحيح الكلام الذي يعتبر أن حسان دياب لم يكن يعرف بخطورة مادة نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، والتحرك السريع لمنع وجودها، لكن ليس صحيحاً في المقابل أنه لم يكن يمكنه أن يعرف، لو أراد، أن سياسة إنفاق الاحتياط المتبقي من العملة الصعبة على دعم سلع بعينها، عبر حمايتها، هي إنفاق للقروش المتبقية للتنفس على محتكرين ومستفيدين وقلة مختارة.

الكابيتال كونترول كان يجب أن يقر في حكومة حسان دياب للإمساك بالقليل قبل الخروج من لبنان، وليس الآن بعد أن صُرفت كتلة الرأسمال البسيط من الأموال التي كانت متبقية، وأُنفقت في سياسات دعم غير مجدية، ليسيطر ويستفيد منها كارتيلات التهريب العلني والسري عبر الحدود الشرعية والمستترة.

بعد استقالة حسان دياب أنُفق ما تبقى من أموال لتغطية سياسة الانتقام والتشفي من قبل الرئيس القوي وصهره، انطلاقاً من مصطفى أديب مروراً بالعمل على إفشال سعد الحريري وصولاً إلى قدوم نجيب ميقاتي.

الآن، وقبل بضعة أسابيع من الانتخابات النيابية، فاضت الحماسة الزائفة للدفاع والحفاظ على حقوق المودعين الصغار، التي لم تعد موجودة أصلاً إلا على الورق.

السيناريوهات المتفائلة والأكثر إيجابية تقول، حسب ما تسرب من مسودات خطة التعافي، إن أموال المودعين قد تقسَّط في أحسن الأحوال على سنوات ليس أقل من 15 سنة، وبعد احتسابها على أسعار مفترضة لمصلحة المرابين وتجار الأموال.

إذا كان هدف الكابيتال كونترول الحفاظ على الأموال بالعملات الاجنبية، فإن إجراءات قاضية العهد القوي بحق المصارف من بدعة منع شحن الأموال ومنع السفر إلى حجز الممتلكات وملاحقة البعض، كانت كافية لتجميد كل الدراهم المتبقية في مكانها، لانعدام التواصل المصرفي مع مصارف الخارج وانعدام الثقة.

التهمت الحيتان الودائع والأموال والآمال، ولم يتبق للتسلية والتغطية الكاذبة إلا مشروع وهم الكابيتال كونترول، للتعمية وإثارة الغبار قبل الانتخابات النيابية الافتراضية، إذا جرت.