مصادر ديبلوماسية عربية تحذّر: الأمن أولاً وتسليم السلاح بات ضرورة

يشهد لبنان في هذه المرحلة الدقيقة تقاطعا حاسما بين عوامل داخلية وإقليمية تشكّل ملامح مستقبله السياسي والاقتصادي والأمني، خصوصا ان أمامه فرصة نادرة قد تكون مصيرية، إذا ما أحسن اللبنانيون استثمارها بالشكل الصحيح.


وتأتي هذه الفرصة مدعومة بإرادة عربية ودولية تتطلّع إلى رؤية لبنان ينهض من أزماته عبر تحقيق الأمن والاستقرار، والذي يُعتبر الشرط الأساسي والأساس لأي إصلاح حقيقي لاستعادة ثقة المستثمرين والعودة التدريجية للسياح، خصوصا من دول الخليج التي لطالما كانت ركيزة اقتصادية مهمة بالنسبة للبلد.

لكن لا يمكن التغاضي عن التحدّيات الجسيمة التي تواجه لبنان، حيث أن حصر السلاح بيد الدولة وانتشار الجيش على كامل الأراضي، والتفاهمات الإقليمية على انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة، تظلّ عناوين بارزة لا يمكن تجاوزها في أي نقاش وطني. خصوصا في ظل التأكيد بأن معالجة ملف سلاح تبدو اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، مع دعوات متزايدة لفتح هذا الملف على طاولة الحوار الوطني كخطوة ضرورية لبناء دولة مؤسسات حقيقية.
ولكن في ظل المعطيات الراهنة فان الصورة تبدو أمام لبنان واضحة ولكنها محفوفة بالمخاطر. فهل سينجح اللبنانيون في تجاوز خلافاتهم وتوحيد جهودهم لتثبيت دعائم الاستقرار، أم أن الفرصة ستضيع وسط صراعات الداخل وضغوط الخارج؟


وفي هذا الإطار تكشف مصادر ديبلوماسية عربية رفيعة لـ«اللواء» أن لبنان أمام فرصة ذهبية قد لا تتكرر، وأن الشرط الأول والأساس للاستفادة منها هو تحقيق الاستقرار الأمني الشامل، الذي يشكّل البوابة الوحيدة لاستعادة الثقة العربية والدولية، وعودة الاستثمارات، وخصوصاً السيّاح الخليجيين الذين يشكّلون ركيزة أساسية في إنعاش الاقتصاد خلال موسم الصيف.


وتشدّد المصادر أن «الأمن، ثم الأمن، ثم الأمن» هو العنوان الأبرز في أي مقاربة عربية للوضع اللبناني، معتبرة أن حصر السلاح بيد الدولة وانتشار الجيش اللبناني على كامل الأراضي اللبنانية هما الشرطان الضروريان لأي مسار إصلاحي حقيقي. وهذا المسار، وفق المصادر، لا يمكن أن يكتمل من دون انسحاب إسرائيل من النقاط التي لا تزال تحتلها، وهو أمر مرتبط بتعزيز سيادة الدولة اللبنانية وإنهاء ملف السلاح غير الشرعي.


وترى المصادر أن ملف سلاح «حزب الله» بالتحديد لم يعد يمكن القفز فوقه أو تأجيل مناقشته، وتدعو بوضوح إلى فتح هذا الملف على طاولة الحوار الوطني، مؤكدة أن تسليم الحزب سلاحه إلى الدولة بات ضرورة وطنية لا تحتمل المواربة. مشيرة الى انه على الثنائي الشيعي اليوم الاعتراف بهذه الحقيقة، والانصياع لموجبات بناء الدولة، لأن الاستمرار بهذا الشكل من ازدواجية القرار لا يخدم لبنان، بل يدمّره.


وتلفت المصادر إلى أن المجتمع الدولي بات يُحمّل سلاح «حزب الله» مسؤولية مباشرة عن تعطيل أي إمكانية حقيقية للنهوض. وتكشف عن أفكار دولية كانت قد طرحت حول إمكانية دمج عناصر الحزب ضمن الجيش اللبناني كحل مرحلي، لكن هذه الفكرة لم تلقَ قبولاً لدى الولايات المتحدة الأميركية، التي ترى أن هذا الطرح لا يعالج جوهر المشكلة، بل يُضفي شرعية غير مباشرة على واقع موازٍ للدولة.


بالتالي، تقول المصادر، لا بد من البحث عن بدائل واقعية يتقبّلها الجميع، تأخذ في الاعتبار أن عملية تسليم السلاح لن تكون سهلة، لا سياسيا ولا اجتماعيا، في ظل وجود الآلاف من العناصر المنضوين تحت راية الحزب.
من هنا، تأتي أهمية توفير مسارات موازية لإعادة دمج هؤلاء في مؤسسات الدولة، سواء عبر الجيش أو عبر مبادرات إنمائية واقتصادية مدروسة، بما يضمن الانتقال السلمي والسلس نحو حصرية السلاح بيد الشرعية حسب ما تقول المصادر. التي تعود لتحذّر من أن لبنان قد يخسر هذه الفرصة إذا لم يتحرك بسرعة.


وإذ تشير إلى أن التطورات الإقليمية، لا سيما في سوريا، يجب أن تُقرأ بتمعّن، تلفت الى النهضة الاستثمارية المدعومة بانفتاح دولي تدريجي في سوريا، والذي قد يضعها في موقع قد يسبق لبنان اقتصاديا، رغم العقوبات والعزلة السابقة.
كما أنها ترى ان الاختلاف بين النظامين السوري واللبناني يكمن في مركزية القرار وقدرة النظام السوري على فرض تنفيذ الخطط، فيما يعاني لبنان من تشتّت السلطة وتعدد المرجعيات.


وتبدي المصادر الديبلوماسية استعداد الدول العربية، وخصوصا الخليجية لمساعدة لبنان، لكنها تنتظر من الدولة اللبنانية أن تبدأ أولاً بمساعدة نفسها عبر تنفيذ ما هو مطلوب منها من إصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية. وتقول: «نحن أمام عهد جديد، وهناك آمال كبيرة، لكن من دون قرارات فعلية على الأرض، لن يترجم شيء من هذه الآمال إلى دعم ملموس».


وتختم المصادر بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت جنوب لبنان ليلة عيد الأضحى، خصوصاً أنها جاءت في توقيت دقيق يتزامن مع بداية الموسم السياحي. مشيرة إلى الذعر التي أثارته الاعتداءات في صفوف السيّاح، لا سيما الخليجيين، الذين تواصلوا مع سفاراتهم لاتخاذ موقفهم من بقائهم في لبنان أو مغادرته خصوصا ان عددهم كان كبيرا بسبب عطلة الأعياد، معتبرة انه استمرت الأوضاع على ما هي عليه فان الأمر سينعكس سلباً على موسم الصيف ككل.