مطمر الجديدة… بين بيان الاتحاد وعجز البلديات!

لم يعد اللبنانيون بحاجة إلى بيانات تحذيرية تصدر كل بضعة أشهر لتذكيرهم بأنّ مطمرًا ما قد امتلأ، وأنّ الشوارع مهدّدة مجددًا بجبال النفايات. بيان اتحاد بلديات المتن الساحلي والأوسط حول مطمر الجديدة ليس سوى نسخة مشوّهة عن بيانات سابقة، تكرّس منطق الترقيع والتهرّب من المسؤولية بدل مواجهة الحقيقة المرة: البلديات والاتحادات شريكة في الفشل تمامًا كما الحكومة.

أين كان اتحاد البلديات طوال السنوات الماضية؟

الاتحاد يتحدّث عن خطر داهم، وعن ضرورة إنجاز الخلية الثامنة بسرعة، وكأنّه فوجئ فجأة بأن المطمر سيبلغ طاقته القصوى. لكن السؤال البديهي: أين كان الاتحاد حين كانت النفايات تتكدس يوميًا؟ أين مشاريع الفرز من المصدر؟ أين معامل التدوير؟ أين خطط التوعية التي يملك الاتحاد صلاحية إطلاقها؟
إنّ التذرّع بأنّ "المسؤولية على الحكومة" لا يعفي البلديات من واجباتها. القانون يمنحها صلاحيات واضحة في إدارة ملف النفايات محليًا، لكن غياب الرؤية والإرادة جعلها تكتفي بدور المتفرّج والمسوّق لمطامر أكبر.

حلول ترقيعية… وبيع أوهام

يتغنّى البيان بثلاثة اقتراحات:

  1. إنجاز الخلية الثامنة: أي توسيع الجرح بدل معالجته.
  2. وقف استقبال النفايات من خارج المتن: وكأن المتن معزول عن أزمة وطنية شاملة!
  3. مبادلة مع مطمر كوستا برافا: لعبة مقايضة مكشوفة، لا تختلف عن تدوير الزوايا الذي يعيشه اللبناني منذ سنوات.

هذه ليست حلولًا بل أوهامًا مكلفة، تهدف إلى شراء الوقت حتى تنفجر أزمة جديدة، ويصدر بيان آخر بالصيغة نفسها.

تجاهل البيئة وصحة الناس

الأكثر خطورة في البيان أنّه يتعامل مع الأزمة بمنظار "خدماتي – سياسي" ضيق. لم نقرأ فيه كلمة عن التلوث البحري الناتج عن المطمر، ولا عن سموم الليكسيفيا التي تسرّبها الأمطار إلى البحر والمياه الجوفية، ولا عن الروائح والغازات التي تقتل الناس بصمت. كأنّ صحة المواطن آخر همّ، وكأنّ القضية محصورة بتكدّس النفايات في الشوارع فقط.

البديل موجود لكن الإرادة غائبة

الحلول معروفة منذ زمن:

  • إطلاق مراكز فرز ومعالجة لامركزية في كل قضاء.
  • دعم مبادرات المجتمع المدني التي أثبتت جدواها في أكثر من بلدة.
  • إنشاء معامل تدوير حديثة بدل مطامر قاتلة.
  • فرض الشفافية ونشر العقود والكلفة الحقيقية لكل طن نفايات.

لكن هذه الخطوات تحتاج إلى شجاعة وقرار سياسي، لا إلى لجان واتحادات تنشر البيانات وتنتظر الفرج.

بيان اتحاد بلديات المتن ليس سوى شهادة إضافية على فشل منظومة كاملة في إدارة أبسط الملفات. هو اعتراف بالعجز أكثر منه خطة حلّ. الحقيقة المؤلمة أنّ المواطن في المتن ولبنان عمومًا رهينة بين مطمر وآخر، بين خلية سابعة وثامنة، بين كوستا برافا والجديدة.

لن تنتهي أزمة النفايات بالترقيع. ستنتهي فقط عندما يسقط منطق الصفقات، ويحلّ مكانه منطق الشفافية والإدارة العلمية.