معامل إنتاج الطاقة الكهرومائية مهددة بالتوقف: ابتزاز أم خطر جدي؟

كتبت سلوى بعلبكي في النهار: 

قبل أيام أعلنت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني عن توقف قسري لبعض مجموعاتها الكهرومائية عن الإنتاج في معمل بولس ارقش وفي معمل شارل حلو على خلفية أعطال تحتاج الى اعمال صيانة، وعدم امكان استمرار عمل مولداتها بسبب عدم توافر قطع الغيار والزيوت الصناعية المطلوب توفيرها بالعملة الصعبة وتتخطى كلفتها عشرات الآلاف من الدولارات الاميركية.

ولئن كان التوقف القسري شمل مجموعات في معملَي ارقش وحلو، إلا أن معامل إنتاج الطاقة الكهرومائية العائدة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني باتت في حاجة ملحّة الى قطع غيار وزيوت صناعية وصيانة عامة للأجهزة التشغيلية العائدة للمجموعات الإنتاجية وللمحولات ولخطوط التوتر العالي 66 كيلوفولط، إذ لم يعد هناك اي قطع غيار في مخازن المصلحة بعد استنفادها بالكامل، وتلبية الحاجة الماسّة لهذه المعامل تتطلب ما يزيد على 30 مليار ليرة بشكل فوري وطارىء لضمان استمرارية الإنتاج وتشغيل المحطات وصيانة خطوط النقل 66 ك.ف.

لكن البعض لم يقتنع بمبررات مصلحة الليطاني ووضعها في اطار الضغوط التي تمارسها الاخيرة لدفع مستحقاتها التي تُقدر بنحو 125 مليار ليرة. فيما وضع رئيس مصلحة الليطاني الدكتور سامي علوية الموضوع في اطار "الحصار المالي الذي يمارَس على المصلحة على خلفية المزايدات والمطالبات بربط مزيد من القرى في الجنوب والشوف والبقاع بالطاقة الكهرومائية التي تنتجها المصلحة، فيما الشروط الفنية لمحطات التوتر التي أُنشئت بمتوسط 15 ك. ف. لتغذية القرى المجاورة لا يمكنها تحمّل المزيد من الاعباء... وفي حال كانوا يريدون ربط مناطق أخرى فليعمدوا الى إنشاء محطات توتر اضافية لربط البلدات بمحطات التغذية من الطاقة الكهرومائية".

الحصار المالي الذي يتحدث عنه علوية يتجلى وفق ما يقول بـ"إمتناع مؤسسة الكهرباء عن تحويل الدفعات الشهرية، وعبر تحميلنا خسائر تقدر بأكثر من 285 مليار ليرة ناتجة عن فارق التعرفة، وكذلك رفض رفع التعرفة بدءا من عام 2023 للطاقة المنتجة مستقبلا".

قانونا، حصرية شراء الطاقة الكهربائية المنتجة في معامل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني هي لمؤسسة كهرباء لبنان، لذا فهي تعتبر الممول الوحيد للمصلحة لتغطية كلفة الإنتاج وديمومته وللحفاظ على سلامة المنشآت وصيانتها. فمعامل الانتاج العائدة للمصلحة تنتج شهريا نحو 40 مليون ك.و.س تبيعها لكهرباء لبنان، أي ما قيمته نحو 2.4 ملياري ليرة لبنانية على تعرفة 60 ليرة لكل كيلوواط ساعة. هذه القيمة برأي علوية "أصبحت زهيدة جدا بعد تدهور قيمة العملة الوطنية، وغير كافية لشراء قطع الغيار الضرورية، في حين ان من الضروري تأمين هذه الحاجات الملحّة بأسرع وقت ممكن لضمان سلامة المنشآت واستمرارية الإنتاج، لا سيما قطع غيار لزوم محطات وخطوط نقل التوتر العالي 66 ك.ف. التي تملكها المصلحة (محطات جون والاوّلي ومركبا وخط مركبا - الأوّلي، خطا الأوّلي - بيت الدين، خطا الأولي – الجمهور، خط الأولي - جون)، إذ في حال أصبحت هذه الخطوط خارج الإستثمار بسبب عدم توافر قطع الغيار، سيؤدي ذلك الى عزل هذه الخطوط وعزل محطاتها أي محطات معامل جون والاوّلي ومركبا، وستخسر مؤسسة كهرباء لبنان هذا القسم من شبكة النقل العامة، وتاليا سيتم عزل قسم من المناطق في الجنوب والبقاع وبيروت والشوف وحرمانها من الطاقة الكهربائية".

ويقول علوية: "في الوقت الذي ترتفع وتيرة انعدام المسؤولية والتآمر على الناس في البقاع الغربي وعلى الشبكة العامة، تحافظ المصلحة على جزء من الانتاج بغية مساعدة كهرباء لبنان في المحافظة على شبكة مستقرة على 300 ميغاواط. ولو اننا صحيح نمارس الابتزاز لكنّا قطعنا مد شبكة 66 بالطاقة الكهرومائية، ولكننا لم نعمد الى ذلك حرصا على مصالح الناس".

المصلحة حذرت من توقف كلّي لمعاملها بسبب فقدان التمويل لشراء قطع غيار لبقية المجموعات، اضافة الى تعذر دفع رواتب المستخدمين، فحاليا لا يمكن للمصلحة وفق ما يقول علوية انتاج أكثر 20 ميغاواط، بسبب توقف المجموعات الانتاجية تباعا. "الـ20 ميغاواط موزعة بالتساوي بين خطوط التوتر العالي بغية المحافظة على الشبكة العامة لكهرباء لبنان، وبين التوتر المتوسط بغية تأمين الطاقة للبلدات المحيطة. فتوقف معامل الليطاني عن الإنتاج بسبب عدم وجود التمويل اللازم لشراء قطع الغيار سيحرم مئات الآلاف من المواطنين من الطاقة الكهربائية وستذهب مياه نهري الليطاني وبسري وعين الزرقاء وشلالات جزين هدرا الى البحر، بما يعني أنه هدر مقصود من مؤسسة الكهرباء للمال العام"، وفق بيان المصلحة.

توازيا، وفيما انخفضت قيمة مدخرات المصلحة في مصرف لبنان التي هي بالليرة اللبنانية والمتأخرات المستحقة لها في ذمة كهرباء لبنان التي لم تدفعها المؤسسة منذ عشرات الاعوام، بما يوازيها من الدولار الاميركي الى العُشر تقريبا، يبقى المورد المالي الوحيد للمصلحة هو من بيع الطاقة الكهرومائية لمؤسسة الكهرباء لكونها حصريا وقانونا هي الشاري الوحيد لهذه الطاقة، في حين ان العقد السابق الموقّع مع مؤسسة الكهرباء كان ينص على بيع هذه الطاقة بسعر 60 ليرة لبنانية لكل كيلوواط ساعة اي بما يوازي 4 سنتات في حينه، وقد انتهى اجل هذا العقد بتاريخ 31/12/2021. ويشير علوية الى أن "المتاخرات لمصلحة الليطاني التي هي بذمة المؤسسة والتي لم تدفعها حتى اليوم تناهز الـ 125 مليار ليرة، إذ كانت المؤسسة جزءا من الفاتورة الشهرية بنحو مليار أو ملياري ليرة لتسيير ما تيسر من اعمالنا، ولكن كانوا يتأخرون بتسديد المتأخرات وايضا بتعسف في تعديل التعرفة". حاليا ليس في استطاعة المصلحة الاستمرار تحت هذا الضغط، فيما الحل بسيط يقول علوية: "كما اعطوا كهرباء لبنان 50 مليون دولار، فليعطونا 20 ألف دولار لمعالجة مشكلتنا"، ويسأل: "هل تأخرت مؤسسة كهرباء لبنان عن الدفع لمقدمي الخدمات، او للشركات التي تعمل على صيانة المعامل؟".

تعديل تعرفة مبيع الطاقة الكهرومائية؟

حتى تاريخه، يرفض مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان تعديل تعرفة مبيع الطاقة، وتاليا فإن المؤسسة تستمد الطاقة من معامل الليطاني على سعر 60 ليرة اي بما يوازي 0,06 سنت من الدولار الأميركي للكيلوواط/ساعة الواحد فيما تبيعه للمواطنين ما بين 10 و27 سنتا، بما ينذر بافلاس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني وتوقف كلّي لمعاملها. ويؤكد علوية أن "مال الإحتياط في المصلحة نفد بسبب زيادة الرواتب وارتفاع اسعار المواد المستهلكة الضرورية لتشغيل معاملها وعدم زيادة الواردات اي تعرفة مبيع الطاقة الى مؤسسة كهرباء لبنان وعدم تسديد المستحقات المتوجبة بذمة كهرباء لبنان".

المصلحة، ورفعاً للمسؤولية، أهابت بالمسؤولين كافة معالجة موضوع تعديل "التعرفة البخسة للطاقة الكهرومائية المنتجة في معامل الليطاني، حرصا على استمرارية الانتاج الكهرومائي الذي يوفر على الخزينة العامة شراء مادة الفيول بما يقارب 50 مليون دولار اميركي سنويا".

التعرفة التي تقترحها المصلحة هي كالآتي:

- خلال عام 2023 : تكون التعرفة سنتين من الدولار الاميركي (0.02 دولار اميركي) لكل كيلوواط ساعة.

- خلال عام 2024 : تكون التعرفة سنتين ونصف سنت من الدولار الاميركي (0.025 دولار اميركي) لكل كيلوواط ساعة.

- خلال عام 2025 : تكون التعرفة ثلاثة سنتات من الدولار الاميركي (0.03 دولار اميركي) لكل كيلوواط ساعة.

ولكن رغم الوصول الى اتفاق في هذا الشأن بين المعنيين، إلا ان مؤسسة الكهرباء تمنعت عن الالتزام والدفع، وفق ما يؤكد علوية "لأن البعض في المؤسسة يريدون في المقابل ايصال الكهرباء الى مناطق أخرى، أو انهم يعتبرون مصلحة الليطاني اصبحت حصرية، وتاليا يجب ألّا تكون في البقاع الغربي وجزين بل في مناطق اخرى".