"معجزة" رجا سلامة المريض: يشفى بعد انقضاء موعد استجوابه!

لرجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، حالة مخفية لا بد أن يُكشف عنها يوماً ما. الرجل بصحة جيدة، ولكنه يعاني من وضع استثنائي، ما أن يُبلَّغ بموعد جلسة استجوابه، حتى تخونه بنيته الجسدية، فتتدهور صحته، وتسوء وظائفه الجسدية، ويُدخل إلى المستشفى لتلقي العلاج، وتستفيق جميع الأمراض في جسده. وما إن يمرّ موعد الجلسة "المشؤومة" وينقضي، حتى يستعيد طاقته، ويخرج من المستشفى ويُكمل حياته بشكل طبيعي.

أعذار لامتناهية
في الحقيقة، من البديهي القول أن هذه الحالة الاستثنائية لا تصيب جميع المخلوقات البشرية، وربما يسعنا القول أنها تُلازم كل شخص يحاول التهرب من محاكمته، أو يرغب بالفرار من القضاء الأجنبي.

لذلك، لن نسأل عن سبب إصدار القاضية الفرنسية أودي بوروسي مذكرة توقيف دولية بحق الحاكم، وعدم هضمها للحجة التي قدمها، ولن نسأل عن سبب إصرار القضاء الأوروبي على تمديد زيارته في بيروت للاستماع لرجا سلامة بعد أن قدّم معذرة طبية، ولن نسأل عن المهلة المحددة للتعافي التي أعطيت لرجا سلامة، بالرغم من إبرازه التقارير الطبية التي تثبت تعرضه لالتهابات حادة في الأمعاء. والأهم من هذا كله، لن نقارن بين سرعة القضاء الأوروبي وبطء القضاء اللبناني.

لن نفكر في كل هذه الأسئلة، ولكننا سنطرح سؤالاً واحداً فقط: لماذا يوافق القضاء اللبناني على أعذار رجا سلامة الطبية باستمرار؟

تهرب واضح
في الخامس والعشرين من نيسان الماضي، تمنع رجا عن حضور جلسات استجوابه أمام الوفود الأوروبية مدعياً أنه يعاني من التهابات حادة في الأمعاء، وأدخل نتيجتها إلى مستشفى أوتيل ديو. فأصرت الوفود الأوروبية على استجوابه في الرابع من أيار الماضي.

في هذه الجلسة، والتي دامت أكثر من 5 ساعات متواصلة، حاول سلامة التهرب طالباً من القضاء الأوروبي السماح له بالخروج من الجلسة، بعدما سيطرت عليه حالة التوتر. فمنعته المدعية العامة الألمانية وطلبت منه التزام الصمت لإكمال الجلسة.

في السادس عشر من أيار الماضي، تمنّع الحاكم عن جلسته في فرنسا، فلم تتردد القاضية بوروسي في إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه، غير مكترثة للحجة التي قدمها للقضاء الفرنسي.

وفي نهاية شهر أيار، تمنع رجا سلامة عن حضور جلسته المحددة في فرنسا، وقدم معذرة طبية تفيد بأن آلامه الحادة عادت مرة أخرى وبحاجة لإجراء عملية "تمييل" (في القلب) وغير قادر على السفر إلا بعد شهرين.

ما عرضناه، هو للتأكيد أن عائلة سلامة تجيد اللعب على الوقت والقانون في آن معاً، وبارعة باستنزاف الأعذار الطبية المكشوفة حتى الرمق الأخير. وفي الواقع، ربما لا تُلام على ألاعيبها المفضوحة التي صارت تعتمدها داخل القضاء اللبناني، طالما أن هذا القضاء نفسه يوافق على تمرير هذه الأعذار المكشوفة، وأن تلحق به هذه المهانة.

وفي التفاصيل، كان من المفترض أن يمثل رجا سلامة أمام القاضي شربل أبو سمرا الأسبوع الماضي، وكما كان متوقعاً، تغيب عن جلسته زاعماً أنه بحاجة إلى إجراء عملية لتفتيت الحصى في كليته، ومن ثم إجراء عملية قلب مفتوح.

وبعد هذه الحجج المريعة، رفضت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل هذه الأعذار وطالبت القاضي أبو سمرا بتعيين طبيب شرعي لمعاينة سلامة والتأكد من أمراضه الفجائية.

لم يعيّن أبو سمرا أي طبيب، بل طلب من الوكيل القانوني إبراز التقارير المفصلة خلال 3 أيام فقط. ولم يتردد سلامة، إذ أحضر الكثير من التقارير الطبية من دكتور متخصص بالمسالك البولية هذه المرة. وعلى ما يبدو أن الرجل صار قادراً على تأمين عشرات التقارير الطبية إن طلبها أبو سمرا. فمرة يستعين بطبيب متخصص بأمراض القلب، ومرة بمتخصص بالمسالك البولية، ولا نعلم إن كان بحاجة لمعذرة طبية من متخصص آخر لتقديمها الشهر المقبل.

واللافت في حالة رجا، أن مكوثه داخل المستشفى يتزامن دائماً مع موعد جلسات استجوابه، ومن غرائب هذه الحالة المرضية، أنه يمثل للشفاء في اليوم الثاني ويتعافى ويخرج.

في الواقع، أكد وكيل سلامة القانوني الأسبوع الماضي أن موكله يتلقى علاجه داخل المستشفى وبحاجة لراحة ومتابعة مستمرة، ويوم أمس الخميس، تواصلت "المدن" مع وكيله القانوني، فأكد خروج سلامة من مستشفى أوتيل ديو، قائلاً: "هو بحاجة إلى إجراء عملية جراحية لتفجير الحصى في كليته، ولكنه لن يجري أي عملية جراحية لقلبه". إذن، قلب رجا بحالة جيدة، فلم يتهرب من جلسات استجوابه؟

في المقابل، أوضح وكيل سلامة القانوني أمام رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر "أن موكله بحاجة لإجراء عملية قلب مفتوح بعد العملية الأولى لتفتيت الحصى..".

جلسة استجواب أخرى
على أي حال، مصدر قضائي متابع أكد لـ"المدن" أن القاضي أبو سمرا تسلّم التقارير الطبية المفصلة عن حالة سلامة، ووافق عليها، واقتنع بها، وحدد جلسة أخرى في 12 تموز المقبل، حيث سيمثل أمامه الحاكم وشقيقه ومساعدته.

هذا وقد علمت "المدن" أنه من المتوقع أن تطلب هيئة القضايا من القاضي أبو سمرا تسليمها التقارير الطبية للتدقيق فيها، خصوصاً أنه يحق لها الاطلاع عليها  وإبداء الرأي، فهي طرف أساسي في الدعوى المرفوعة.

ما نخشاه اليوم، أن يكون ملف سلامة القضائي شبيهاً بملف المرفأ، الذي أطلقت عليه رصاصة الموت الرحيم. ولا يسعنا سوى تذكر عبارة صريحة لأحد المراجع القضائية الرفيعة قائلاً: "ستبقى قضية المرفأ على حالها مدى الحياة ولن تُكشف الحقيقة". وهذه العبارة تنطبق على قضية الحاكم، على الأقل عند القضاء اللبناني، لا في الخارج.

ببساطة، القضاء اللبناني أثبت اليوم أنه عاجز عن متابعة أي قضية سياسية. وفي الأشهر المقبلة، سيصل أبو سمرا إلى سن التقاعد، وسيُحول الملف إلى قاض آخر. وحتى ذلك الحين، من المتوقع أن أحداً من هؤلاء المعنيين في ملف آل سلامة وأعوانهم لن يمثل أمام القضاء اللبناني.