ملف اللاجئين السوريين قنبلة موقوتة تهدد الكيان... فهل يأتي الحل قبل انفجارها؟

صار لزامًا على الدولة اللبنانية حلّ ملف اللاجئين السوريين في لبنان الذي يشكل قنبلة موقوتة تهدد الكيان وتجعله أزمة وجودية. لاسيما بعد كلام وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام المولوي الخطر عقب اجتماعه مع مسؤولين أمنيين وعسكريين والذي اشار فيه الى أن نحو 35% من المعتقلين في السجون اللبنانية هم مواطنون سوريون في ظل تنامي نسبة الجريمة المنظمة، الى جانب حديث المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري الذي قال، في خلال مؤتمر عقد في آذار الماضي في المقر العام للمديرية لإطلاق خريطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين وآلية عودتهم: "تسلّمنا أخيراً قاعدةَ بياناتٍ من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي كناية عن 1486000 نازح، دون تصنيفٍ أو تحديد لتاريخ التسجيل أو الدخول إلى لبنان، ما يُعقّد تحديد الوضع القانوني لهؤلاء. "

في ظل تضارب المعلومات عن أعداد اللاجئين السوريين في لبنان، وبما ان لبنان ليس بلد لجوء فما هي الآلية القانونية لمواجهة مخطط توطين اللاجئين السوريين؟

يشير في هذا السياق، المحامي الدوليّ وعميد كليّة العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة في جامعة الحكمة البروفسور أنطونيوس أبو كسم في حديث لـ Kataeb.org، الى ان على الدولة اللبنانية، أولاً الالتزام بتطبيق الدستور اللبناني الذي يحظّر التوطين في الفقرة "ط" من مقدّمته؛ وأن يقوم المجلس النيابي بدوره عبر إقرار قانون تطبيقي للفقرة "ط". إضافةً إلى ذلك، يقتضي على الحكومة اللبنانية، المطالبة بتنفيذ مذكّرة التفاهم المبرمة سنة 2003 ما بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمديرية العامّة للأمن العام والمكتب الإقليمي لمفوضيّة اللاجئين، هذه الاتفاقية التي أقرّها مجلس الوزراء بموجب المرسوم رقم 11262 منشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 30/10/2003، في عددها رقم 52 تاريخ 13/11/2003. إنّ مذكرة التفاهم هذه، هي بمثابة اتفاقية دوليّة أبرمها مجلس الوزراء بموجب المادة 52 من الدستور اللبناني، ولا تزال نافذة، حيث لم يطرأ عليها أيّ تعديل، كما وأنّ تنفيذ بنودها يشكّل موجباً على عاتق أطرافها. فعدم التقيّد بتنفيذ أحكامها يشكّل خرقاً لموجب تعاقدي دولي يستدعي إعلان مسؤولية الطرف الذي أخلّ باحترام موجباته التعاقديّة، خصوصاً وأنّ مبدأ حسن النيّة يفرض أن يتمّ تطبيق هذه الاتفاقية دون إلحاق الضرر والأذى بالطرف الآخر. علماً، أنّه ينطبق على هذه الاتفاقيّة مبدأ القانون الدولي "العقد شريعة المتعاقدين". وعليه، إنّ إي قرار إداري مناقض لهذه المذكرة يشكّل انتهاكاً لمبدأ المشروعيّة، ويعتبر قراراً غير مشروع."

ويتابع:" تنصّ هذه الاتفاقية صراحة على أنّ لبنان لا يشكّل بلد ملجأٍ لأيّ طالب لجوء، ولا يستطيع إعطاء حقّ الملجأ إلّا بشكل مؤقت، على أن تتعهّد المفوضية بنقل طالبي الملجأ إلى بلد آخر خلال سنة كأقصى حدّ. فلماذا لا تلجأ الدولة اللبنانية إلى إنفاذ هذه الاتفاقية الثنائية؟ حريّ إذن بالدولة اللبنانيّة وبمفوضية اللاجئين التقيّد بتطبيق هذه الاتفاقية النافذة والواجبة التطبيق. كما ويجب مطالبة المفوّضية تنفيذ موجب نقل كافّة طالبي حقّ الملجأ إلى دولٍ أخرى وليس دعمهم بغية اندماجهم في المجتمع اللبناني وتوطينهم خلافاً للدستور اللبناني. إنّ مذكرة التفاهم هذه، تطبّق على جميع الجنسيات من دون أيّ استثناء، وليس صحيحاً أنّ هذه الاتفاقية تتعلّق بطالبي اللجوء العراقيين."

وردًا على سؤال عما اذا كان بالامكان اعتبار السوريين في لبنان لاجئين اقتصاديين، يلفت أبو كسم الى أن لبنان ليس طرفاً في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم للعام 1990. ويشير الى إنّ توصيف المجتمع الدولي للرعايا السوريين في لبنان الذين هُجِّروا أو تَهجروا أو الذين هاجروا لأسباب اقتصادية "كلاجئين" هو أمرٌ خاطئٌ ومخالف للقانون الدولي. أولاً، لأنّ الجمهورية اللبنانية ليست طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، ثانياً، لأنّ توصيف حالة المهاجرين السوريين لا تنطبق على توصيف اللاجئ. وبالتالي، لا تعتبر هذه الاتفاقية وبروتوكولها للعام 1967 مُلزمَين للدولة اللبنانية ولا يجب أن يُرتّبا أيّة آثارٍ قانونية عليها. إنّ لبنان وسوريا دولتان مستقلتان عن بعضهما البعض، لا شعب واحد في بلدين ولا شعبين في بلدٍ واحد، وبالتالي إنّ لبنان ليس بمقاطعة سورية لاستعمال مصطلح النازحين، فللبنان حدود دوليّة.

يضيف:" إنّ السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية هم إمّا مهجرون بسبب النزاع المسلح أو مهاجرون لأسباب اقتصادية، ويجب التعاطي معهم كرعايا أجانب يطبّق بشأنهم القانون المتعلق بالدخول، الإقامة والخروج من لبنان رقم 10/62 والمرسوم رقم 10188/1962 الذي يحدّد الشروط الإضافيّة التي تنطبق على الأجانب الذين يدخلون لبنان للعمل.

أمّا المشكلة الأساسية والأهمّ، فهي اعتماد الدولة اللبنانية مصطلحات اتفاقية جنيف للعام 1951 والمفوضية كمصطلحي "الإدماج" و"العودة الطوعية والآمنة" خلال مخاطبة المفوّضية والمجتمع الدولي، ناهيك عن التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية وخطط الاستجابة LCRP التي تنفذها الوزارة. "

وردًا على سؤال حول الحديث عن ترحيل السجناء السوريين وتكليف مدير عام الامن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري بالملف والآلية القانونية التي يمكن اعتمادها، يقول أبو كسم:" يمنح القانون اللبناني المديرية العامة للأمن العام بموجب المادة 17 من القانون رقم 10/62 إضافة إلى المرسوم 10188/62 صلاحية إخراج أي أجنبي من لبنان إذا كان في وجوده ضرر على الأمن والسلامة العامّين، حيث على المدير العام للأمن العام أن يودع وزير الداخليّة نسخة عن قراره. كما وللمدير أن يوقف بموافقة النيابة العامة من تقرّر إخراجه إلى أن تتمّ معاملة ترحيله. أضف إلى أنّ المادة 13 من العهد الدولي الخاص للحقوق السياسية والمدنية للعام 1966، تجيز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية وفقاً لقرار اتخذ وفقاً لتشريعات الدولة أو لدواعٍ تتعلّق بالأمن القومي."

ولكن هل هناك احتمال أن تتصاعد الحملات الدولية ضد لبنان والرافضة لهذا الاجراء؟ يجيب:" طبعاً، ستزداد الحملات على لبنان، إلّا أنّ لبنان يجب أن يتمسّك أولاً باحترام الدستور اللبناني وباحترام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات للعام 1969 التي تنصّ في مادتها الـ 34 أنّه لا تنشئ المعاهدة التزامات أو حقوقٍ للدولة الغير بدون رضاها. وبالتالي، لا يجوز لأيّ دولة إلزام لبنان بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع اللاجئين للعام 1951."