المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الخميس 16 تشرين الأول 2025 07:26:12
في يوم الأغذية العالمي، لا تزال تداعيات النزاع العسكري المرفق بالأزمة الاقتصادية والانهيار النقدي، تعوق قدرة الدولة، ومعها المنظمات الأممية، على مواجهة سلاسل الانهيارات الاقتصادية الشاملة التي أصابت عموم اللبنانيين، وجعلت غالبيتهم في وضع اجتماعي وإنساني حرج.
وتأتي جهود منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في لبنان، لتصب في خدمة البرامج والأهداف التي وضعتها المنظمة، لمساعدة الدولة والمواطنين على حد سواء، وتنظيم مواجهة أزمات كبرى، مثل شح المياه وندرة المتساقطات الذي قلص المساحات الزراعية إلى حدود قياسية.
دون إغفال تكبّد القطاع الزراعي أضراراً تُقدَّر بنحو 118 مليون دولار، والإنتاج الزراعي والحيواني بنحو 586 مليون دولار، نتيجة العمليات العسكرية، والقصف الجوي خصوصاً في الجنوب والبقاع.
ممثلة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في لبنان نورة أورابح حداد، تؤكد لـ"النهار" أنه "لا يزال نحو 1.24 مليون من المقيمين في لبنان، يعانون من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد المرحلة الثالثة وما فوق (مرحلة أزمات وطوارئ) من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي - IPC خلال عام 2025. وبالرغم من أن هذه الأرقام تظهر تحسناً مقارنة بتحليل عام 2024، لا تزال آثار النزاع والأزمة الاقتصادية تهدّد جهود التعافي، في ظل تضرر البنى التحتية وجمود الاقتصاد، خصوصاً في مناطق بعلبك، الهرمل، بعبدا، بنت جبيل، مرجعيون، النبطية، صور، وعكار، إذ لا يزال الأمن الغذائي في لبنان هشّاً ويتطلب استجابة متكاملة واستمرار الدعم المحلي والدولي، ولكن بفضل التعاون الوثيق بين وزارة الزراعة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وشركائهما، يجري العمل على تعزيز الإنتاج المحلي، ودعم سلاسل القيمة الزراعية، وبناء قدرة المزارعين على الصمود من خلال تشجيعهم على اعتماد الممارسات الزراعية الجيدة لرفع إنتاجية محاصيلهم الزراعية والحيوانية، وترشيد استخدام الموارد المائية على سبيل المثال. وهذا ما تقوم به المنظمة بالتعاون مع القطاعين العام والخاص وممثلين من المجتمع الدولي، من خلال برامج متكاملة تدعم تحويل النظم الغذائية نحو مزيد من الاستدامة. ويبقى الهدف المشترك ضمان حق كل أسرة في غذاء كافٍ وآمن (سليم) ومتنوّع، وتعزيز قدرة لبنان على إنتاج غذائه، والحد من الاعتماد الكبير على الاستيراد".
ومن الإجراءات التي تنصح حداد باتخاذها "تلبية حاجات الأسر الأكثر عرضة للفقر وتقديم الدعم العاجل لها من خلال المساعدات الإنسانية، واعتماد النهج المتعدد الأطر أو القطاعات (multi-sectoral approach) لمنع تفاقم سوء التغذية وتحسين النظم الغذائية. ويتعيّن مراقبة عناصر الخطر من مختلف الجوانب لضمان تحديد السكان المتأثرين والتدخل السريع والفعال في الوقت المناسب. ويأتي ذلك بالتزامن مع مواصلة دعم جميع الوزارات والمؤسسات العامة المعنية بالأمن الغذائي".
شهد لبنان هذه السنة شتاءً جافاً وقاسياً لم يشهده منذ أكثر من 40 عاماً، حيث انخفض معدل المتساقطات إلى نحو 50% أو أكثر من المعدل السنوي العام، ما تسبب بآثار سلبية على القطاع الزراعي عموماً (إنتاج زراعي، إنتاج حيواني وموارد طبيعية)، فما الإجراءات التي يمكن الحكومة المبادرة إليها؟
إلى البحيرات والينابيع والماشية والمحاصيل الزراعية، تشير حداد إلى أن انعكاسات الجفاف على سبل العيش مقلقة للغاية، إذ تأثر نحو 213,284 شخصاً، من بينهم 43,026 مزارعاً تكبّدوا خسائر مباشرة في محاصيلهم نتيجة نقص المياه. ويتدهور الوضع الغذائي تدريجاً، مقدّرةً أن "41,180 شخصاً مهدّدون بالانتقال من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، في إشارة إلى ارتفاع ملموس في مستويات الهشاشة الغذائية، ولا سيما في المناطق الزراعية الأساسية".
وترتكز الإجراءات التي تقوم بها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لتعزيز الجاهزية، بهدف مواجهة تحديات الجفاف وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل، على 4 محاور أساسية تشمل: البنية التحتية، تطوير قدرات المزارعين، العمل الجماعي، والدعم المؤسسي. ويقدَّر الاحتياج المالي لقطاع الأمن الغذائي والزراعة لتلبية هذه المتطلبات بنحو 59 مليون دولار تشمل تدخلات فورية، ومتوسطة، وطويلة الأمد.
وتشير حداد إلى أن "الفاو" تنفّذ حالياً مشروعاً يرتكز على كل من نهج الترابط بين المياه والطاقة والغذاء (WEF)، ونهج الترابط بين العمل الإنساني والتنمية والسلام (HDP) ومن خلال معالجة الترابط بين نظم المياه والطاقة والغذاء، يهدف المشروع إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتطبيق حلول ذكية مناخياً، ودعم سبل عيش أكثر استدامة للفئات الزراعية الضعيفة.
كانت الفاو تساعد صغار المزارعين. هل هذه البرامج مستمرة؟ توضح حداد أن برامج "الفاو" لم تتوقف يوماً، بل تتطور مع حاجات المزارعين. نحن نعمل مع الحكومة والجهات المانحة وشركاء محليين ودوليين لنحوّل الزراعة من نشاط هشّ إلى قطاع منتج وصامد أمام التغيّر المناخي. تعمل الفاو حالياً عبر مجموعة مشاريع وبرامج مرتبطة بإطار التعاون القطري (CPF 2023–2027) لتقديم الدعم لصغار المزارعين. وتجدر الإشارة إلى أن برامج المنظمة قد أتاحت، وما زالت تتيح، العديد من الفرص لتمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في القطاع الزراعي. وقد مكنها ذلك، من خلال التدريب، من اعتماد الممارسات الزراعية الجيدة والمناسبة مناخياً، ما أدّى إلى رفع نسبة تبنّي هذه الممارسات بفعالية".
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تشير حداد الى أنه "من خلال مشروع رائدات الريف، وبعد التدريب الشامل والمكثف لـ254 مجموعة نسائية، ودعم 143 منها بمنح مالية متصلة بخطط الأعمال تمكنت المجموعات المشاركة من: تسجيل تحسنات ملحوظة في كفاية الإنتاج وجودة المنتج وتقليل المهام الشاقة، ما أدى إلى زيادة ملحوظة بنسبة 200% في حجم الإنتاج المشترك. وقد أدى المشروع أيضاً إلى زيادة كبيرة في الدخل بنسبة 191% وتوليد دخل إضافي لـ1816 فرداً لبنانياً (1538 امرأة و278 رجلاً)، إما من خلال مبيعات المنتجات أو الأجور من العمل مع مجموعات النساء في الإنتاج. وقد نجح المشروع بإنشاء 89 مشروعاً جديداً".