المصدر: المدن
الخميس 25 أيلول 2025 15:51:32
ما يحصل مع حزب الله لم يكن لأحد أن يتخيله. في مثل هذه الحالات، قد تكثر الشائعات أو التفسيرات، لكن المؤكد هو أن هناك ما يظهر من تباينات واختلافات في المقاربات داخل الحزب وبين مسؤوليه وقيادييه. قد يكون ذلك ناجماً عن قراءات وتقديرات مختلفة. كما يمكن أن يكون انعكاساً لتباينات خارجية بعضها داخل إيران، وبعضها الآخر على مستوى الإقليم. هنا لا يمكن إغفال العامل الأمني والمخاوف من الاغتيالات التي تنفذها إسرائيل، إذ إن الإجراءات الأمنية المشددة تحول دون عقد اجتماعات متتالية للمجلس المركزي في الحزب والتشاور في كل التطورات للخروج بقرارات موحدة.
لم يكن لأحد أن يتخيل قدرة الحكومة اللبنانية على اتخاذ قرار بحصر السلاح مع ما يعنيه من نزع صفة الشرعية عن الحزب. وما كان مستحيلاً استحال واقعاً لجهة قدرة الحكومة على تبني ورقة أميركية أهدافها تتعارض كلياً مع صيغة بقاء الحزب كمقاومة مسلحة يحرص على حماية سلاحه ولا يزال يتمسك به ويرفض تسليمه. كذلك، لم يكن لأحد تخيّل خروج مسؤولين في الحزب يطلقون مواقف تبدو متباينة مع مسؤولين آخرين، كما حصل قبل فترة عندما خرج رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في تصريح على قناة المنار، يقول فيه:" أنا أتحدث باسم الناس، وأهالي الشهداء، كي تسمع قيادة الحزب". التفسير الوحيد لهذا الكلام هو عدم وجود رضى على المسار الذي سلكته قيادة الحزب، لا سيما أن هناك جواً داخل الحزب يبدو معترضاً على مسار التهدئة أو ما يوصف بمهادنةٍ تُقدم عليه القيادة.
كان حزب الله من أكثر الأحزاب تماسكاً والأشد تنظيماً. وحتماً، الضربات التي تعرّض لها والاغتيالات في صفوف قادته لها الأثر الكبير على بنيته العسكرية، السياسية، والتنظيمية. وهو ما يسعى الحزب إلى لملمته بعد سنة على الواقعة الكبرى. لذلك، تنقسم الآراء بين وجهتي نظر، الأولى تعتبر أنه لا بد من الانحناء أمام الريح لتمرير المرحلة وإعادة ترميم الذات وبناء القدرات وشدّ أواصر التنظيم، ولذلك لا يريد الحزب الدخول في مواجهة أو حالة استنفار أو توتر داخلياً. أما وجهة النظر الثانية، والتي يتبناها أكثر معارضي الحزب تشدداً، فهي أن الحزب دخل في مرحلة تراجع لأن انتهاء دوره العسكري سيكون له الأثر على دوره السياسي، ولأن هؤلاء يعتبرون أن المنطقة تدخل في مرحلة "نهاية عصر التنظيمات المسلحة".
لكن وجهة النظر الأولى والتي يعتمدها الحزب حالياً، هي التي دفعته إلى القبول بهذه التنازلات سواء كانت فعلية أم معنوية، وصولاً إلى حدّ التخلي عن هدف كان قد حدده بشكل رسمي وهو إضاءة صخرة الروشة بصورتي أمينيه العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين. فسابقاً لم يكن من الوارد بالنسبة إلى الحزب أو إلى اللبنانيين التفكير في تغيير برنامج أو فعاليات جرى الإعلان عنه رسمياً. حزب الله يعتبر أنه تراجع لعدم حصول استنفار داخل بيروت ولعدم حصول أي احتكاك أو مشكلة. بينما الآخرون ينظرون إلى ما يجري بوصفه تراجعاً لدور الحزب وتأثيره.
وما يدفع هؤلاء إلى المراكمة على وجهة نظرهم، هو ما يشهدونه من تباينات أو تسريبات يجري الحديث فيها عن تغييرات ومناقلات في صفوف الحزب، مع أن مسؤولين فيه يعتبرون الأمر طبيعياً بهدف سد الفراغات التي نتجت عن الحرب، وتولية مسؤولين منسجمين مع القيادة الحالية. ويرفض المقربون من حزب الله التعليق على كل الكلام المسرّب حول سحب صلاحيات أو إقالات، كما يرفضون الحديث عن وجود أجنحة داخل الحزب تتنافس أو تتصارع في ما بينها، ويؤكدون أن ما تعمل عليه القيادة هو عدم ترك المجال لبروز أي أجنحة. وتفيد المصادر بأنه خلال الفترة المقبلة سيشهد اللبنانيون استعادة الحزب لتماسكه الكامل.
يأتي هذا الكلام، رداً على الكثير من التسريبات حول سحب صلاحيات من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، أو وجود تنافس وصراع بين مجموعات مختلفة من القياديين. بينما تتحدث معلومات أخرى عن تعزيز أدوار الشخصيات السياسية في الحزب، لا سيما الوزير السابق محمد فنيش، إضافة إلى احتمال تعيين النائب محمد رعد نائباً للأمين العام للحزب، بينما يتم تثبيت الشيخ علي دعموش في موقعه كرئيس للمجلس التنفيذي. ومما يجري التداول به أيضاً، حصول مناقلات في صفوف المجلس الجهادي للحزب، أو إجراء تعيينات للمسؤولين العسكريين، لا سيما بعد كلام كثير عن أن أحد المسؤولين العسكريين وهو خليل حرب لا يتفق مع توجهات القيادة الجديدة، وهو ما تنفيه المصادر القريبة من الحزب.
بعد سنة على الضربة الأكبر يواصل الحزب إجراءاته لإعادة ترميم وضعيته. وفيما هناك من يشير إلى تركيزه في المرحلة المقبلة على العمل السياسي وتجنّب العمل الأمني والعسكري، خصوصاً في ظل الضغوط الخارجية والداخلية لحلّ اللجان الأمنية التابعة للحزب أو إلزام الأجهزة الأمنية اللبنانية بعدم التعاون معهم، إضافة إلى تشديد إجراءات الجيش اللبناني والأجهزة الأخرى لمنع أي عملية نقل للسلاح، يعتبر آخرون أن حزب الله لا يزال يسعى إلى الحفاظ على قوته العسكرية، وهو يتحضر لاحتمالات حصول عملية عسكرية إسرائيلية أوسع قد يحتاج فيها إلى خوض المواجهة مجدداً، وأنه يدرس كل الخيارات أو السيناريوهات المحتملة.
هذا الكلام، يتقاطع مع ما قاله رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف عن إيصال الأسلحة والأموال إلى الحزب، وهو المضمون نفسه الذي أورده مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي عندما اعتبر أن حكاية حزب الله لم تنته. هذا الكلام، قابله كلام للموفد الأميركي توم باراك قال فيه إن الحزب يعيد بناء قدراته العسكرية ويحصل على 60 مليون دولار شهرياً. الموقف نفسه عبّر عنه وزير الخارجية الألماني الذي أشار أيضاً إلى أن حزب الله يعيد بناء قوته العسكرية. وذلك من شأنه أن يجدد السجال حول وضعية الحزب ودوره في المرحلة المقبلة، في مقابل، كلام عبّر عنه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني خلال زيارته لبيروت بأن إيران تحترم قرارات الدولة اللبنانية، إضافة إلى معلومات تتحدث عن أن لاريجاني بحث بالملف اللبناني وملف حزب الله خلال زيارته للسعودية، وكان لأثر هذه الزيارة انعكاس على موقف الشيخ نعيم قاسم الذي وجه دعوة إلى السعودية لطي صفحة الماضي.
يأتي ذلك خلافاً لما عمل عليه الحزب قبل فترة قصيرة، عندما وجه اتهامات مباشرة إلى السعودية بأنها الدولة الأكثر تشدداً في مقاربة ملف السلاح، إضافة إلى اتهام السعودية بأنها عملت على عرقلة الاتفاق الذي كان لبنان يعمل على إبرامه مع الموفد توم باراك حول تسوية ملف السلاح. لكن الآية انقلبت أخيراً بعد كلام باراك الضاغط على الحزب والمحرج للدولة اللبنانية. مع الإشارة إلى أن هذه الضغوط ستستمر، وقد تتصاعد أكثر، في ظل انتظار واشنطن لتقرير الجيش اللبناني الذي يفترض تسليمه للجنة مراقبة وقف إطلاق النار يوم 5 تشرين، وبناء عليه يمكن استشراف آفاق المرحلة المقبلة.