مناورات "المسرحية": رسائل طائشة أرسلها حزب الله في ظلّ فشله بفرض رئيس

في الإعادة لم يكن هناك إفادة لحزب الله وفريقه السياسي، والترغيب قُبيل التسوية الرئاسية الكارثية لانتخاب عون عام 2016 لم ينفع في نصف العام الأول في ظلّ الفراغ الرئاسي، حتّى أن صبر الحزب لم يعُد باستطاعته تحمُّل مراوغة المعارضة التي كسرت الغالب وتحوّلت إلى لا غالبٍ ولا مغلوب. الأُطر السياسية في تكتيك الإستحقاق الرئاسي لدى الممانعة تنتقل من فشلٍ إلى آخر وبات ترغيب الآخرين وإغراؤهم مُهمّة شبه مستحيلة، خاصّةً بعد تجربة عون-باسيل في بعبدا فيما القرار في حارة حريك، لأن التجربة كانت أفشل من وصفها بالفاشلة، لأن تعريف الفاشل هو من حاول القيام بشيءٍ لكنه لم ينجح، لذلك تُسارع الميليشيا المدعومة إيرانياً لترهيب الفرقاء اللبنانيين وشدّ عصب الجمهور الجنوبي، وكان قد أعلنها أمينهم العام نصرالله في البدء "مُرشح لا يطعن المقاومة"، تلاه نعيم قاسم "فرنجية أو الفراغ" وصولاً إلى استعراضٍ عسكري يضرب عرض الحائط كل معالم السيادة ويقف حجر عثرة أمام بناء الدولة الحقيقية.

 

سياسياً: مُرشحنا أو الفراغ

مسيرة سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية ليست وليدة الظرف الذي نعيشه اليوم، بل هي استراتيجية رُسمت في طهران منذ عقود وبدأ تطبيقها جلياً بعد تحرير لبنان من الجيش السوري عام 2005، ناهيك عن تأمين التيار الوطني الحرّ لنشاطات الحزب مُقابل مكاسب في الدولة، فأطلق فريقهم السياسي السهام تجاه حكومة السنيورة وصولاً إلى أحداث 7 أيار 2008 عندما توجّه السلاح "المقاوم" إلى أعناق اللبنانيين لترهيبهم، ممّا أنتج مكاسب في اتّفاق الدوحة بعد أقلّ من شهر حينها، فيما بعد أسقط ممانعو 8 آذار حكومة 14 آذار عام 2011 وشكّلوا حكومة بقيادة ميقاتي ووافقوا على إعلان بعبدا القاضي بنأي لبنان بنفسه عن الصراع في سوريا وناقضوه بانغماسهم في عملية تطهير سوريا من معارضي النظام الشمولي المجرم، الأمر الذي "شرّع" حدودنا البرّية للتجارة غير الشرعية والتهريب، وفي مطلع 2014 ومع اقتراب نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، عطّل حزب الله الانتخابات الرئاسية بمعادلة "مرشحنا أو الفراغ" إلى أن استطاع ترغيب أكثرية القوى السياسية للدخول في التسوية الرئاسية التي ستكرّس لاحقاً هيمنة حارة حريك على رئاسة الجمهورية اللبنانية.

بعد كلّ ما سبق، يعيش حزب الله أياماً عصيبة ويحاول اللجوء إلى السبل العنفية التي استعملها سابقاً للإبقاء على سيطرته التي أحكمها على سيادة الدولة اللبنانية، فتقنياً داخل المجلس النيابي لا يملك 65 صوتاً للمُرشح الذي يرى فيه رئيساً لا يطعنه، وحتّى إن أراد تأمين نصاب الثلثين الذي رفض التخلّي عنه في اجتهادٍ دستوري بعنوان "مادّة إجرا من الشباك"، فالفريق الممانع عاجز عن ضمان 86 نائباً لحضور جلسة التجديد لحزب الله رئاسياً، وفي السياقِ أيضاً يلعب رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل وكتلته دوراً محورياً في المعارضة ثبت فعاليته حتى اللحظة بإرساء موازين قوى جديدة برلمانياً، رفض عملية فرض رئيس على اللبنانيين بالفعل، والوقوف بوجه ميليشيا متحالفة مع مافيا الفساد والهدر.

 

رسائل طائشة.. محلياً وإقليمياً

ممّا لا شكّ فيه، هو أن الأوراق قد خُلطت حقاً على صعيد الشرق الأوسط، فبعد التعصيد "الطهراني" بوجه الخليج العربي من خلال التدخل في حروب سوريا، العراق واليمن، وخطفه  قرار الدولة اللبنانية منذ 2016، باتت المنطقة أمام صفحةٍ جديدة من العلاقات بين المتخاصمين، خاصّةً مع عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية وحضور الأسد القمّة العربية في جدّة في المملكة العربية السعودية، ومع الإعلان عن الإتفاق السعودي الإيراني الذي قطع شوطه الأول من "التجربة" لأداء طهران لمدّة شهرين وعودة التمثيل الديبلوماسي بين قطبي الشرق الأوسط، بات حزب الله حائراً من أمره، فمن دعمه ووعده بالسيطرة على المنطقة صافح عدوه، ومن شتمه وهدّده بعمليات إرهابية من اليمن صالح ممولّه.

من هنا يعيش حزب الله أزمة سياسية تمنعه من فرض رئيس الجمهورية ولو بعد حين، ويلوح في أفق مستقبله أزمة لوجستية كون إيران مجبرة بعد مصافحة السعودية، التخلّي عن ميليشياتها بدءاً من اليمن، مروراً بتسوية سياسية لحلّ الميليشيات الشيعية في العراق، وإبعاد الميليشيات التي تأتمر من الحرس الثوري الإيراني عن حدود الجولان المُحتلّ أولّاً وإبعاد هذه الميليشيات عن مناطق سيطرة النظام ثانياً، وصولاً إلى الوصول إلى حلّ نهائي لسلاح حزب الله الذي وقّع هدنة مع اسرائيل بعد تنازل الجهة الشرعية التي أولاها الحكم عن جزء من حقّ لبنان لصالح الدولة الصهيونية، وكل ذلك في سبيل تقديم الضمانات طويلة الأمد لإرساء نوع من الإستقرار لرؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتطوير دول الشرق الأوسط وتحويلها إلى أوروبا الجديدة على حدّ وصفه.

أمّا "مسرحية" العرض العسكري والمناورة المُسلّحة في الجنوب فليست لإخافة اسرائيل حتماً، بالأخصّ بعد أقل من شهرين على "حماسة" الفصائل الفلسطينية لضرب الأراضي المُحتلّة من لبنان ممّا نتج عنه ردّ مدفعي وضربة جوية للجيش الإسرائيلي على الجنوب، وحينها اتّبع الحزب سياسية "إعمل نفسك ميّت"، بل ما قام به نصرالله كان لإعادة الإهتمام إلى قواعده المهترئة أوّلاً، لإثبات وجوده في المعادلة الإقليمية التي تخطّت "قوّته" في الإعلام الموجّه والبروباغندا التي يتّبعها ثانياً، وترهيب اللبنانيين عبر استغياب الدولة وسلب سيادتها وتذكير المُعارضين بإمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري إن فشل بالخيار "الدبلوماسي" لإعادة إحكامه على رئاسة الجمهورية.

 

إذاً سياسة الترغيب التي نفعت في السابق لن تنفع اليوم بسبب تماسك المعارضة حتّى اللحظة بفضل قنوات الكتائب الجامعة، وسياسة الترهيب ولو أجدت نفعاً لعقدٍ من الزمن إلّا أنها فشلت بسبب "أقلّية" مُعارضة سابقاً تحوّلت إلى قوّة وازنة باستطاعتها منع الترغيب والترهيب معاً، وإن كان للباطل جولة، فللبنان الحرّ، السيّد والمُستقلّ ألف جولة وجولة.