من ذكرى الى قضية.. نايلة تويني لـkataeb.org: قتلة جبران كانوا يخافون التغيير

بينما الغرب يفتخر بناسه وشبابه وانجازاتهم، يسقط لبنان من عيون الامم والشعوب، وحتى من عيون شعبه، من بلدٍ حامٍ للحرياتومدافع عنها الى سجن كبير تكم فيه افواه الابطال واصواتهم.
16 عاما ليس مجرد رقم، انما تاريخ واحداث ومستجدات وتطورات ولحظات ضمت فيها الاضداد كلها: المؤلم والجميل، الصعب والسهل، السريع والبطيء... وفيها كلها بقي صوت جبران تويني كسياسي وقائد وخطيب،رناناَ، مشدداً على مفهوم لبنان العظيم، مندداً بقوى الظلام واسلحتها المدمرة للبنان والتي جعلت منه ذبيحة على مذبح الوطن.

 

جبران تويني من ذكرى الى قضية، كيف تحرصين ألا تموت في ذهنك وفي ذهن الكثيرين؟
القضية لا تموت واليوم نقوم بعملنا كصحافيين ونستمر في رسالتنا الاعلامية سواء في لبنان او العالم العربي لكي نبحث عن الحقيقة وندافع عن الديمقراطية ونشكل بنفسنا الاصوات والاقلام التي تدافع عن بلدنا لكي يكون بلدا ديمقراطيا حرا وبدون اي سلاح سوى السلاح اللبناني. وهذا يتطلب منا التمسك بالأمل وعدم الاستسلام رغم تعبنا كما نبقى متمسكين بمؤسسة النهار وبمبادئها ورسالتها منذ العام ١٩٣٣ لليوم.

ماذا تعلمت من جبران قبل اغتياله؟ وماذا تعلمت اثناء غيابه خلال هذه الاعوام؟
يتعلم الانسان كل شيء من جبران، فمن يشاهد جبران ويعيش معه ويلاحظ تصرفاته سواء في العمل او البيت او في كافة اصعدة الحياة، لا بد ان يتعلم الكثير. فقد كان جبران المتواضع الحنون الخدوم، المدافع عن وطنه، الشغوف، المتعاطف مع كل شخص، المؤمن بالقضية اللبنانية، الصحافي الذي يطور المؤسسة لتكون كسائر المؤسسات الاعلامية العالمية.
اما خلال اعوام غيابه، فانا لطالما اعتبرت ان الحياة مدرسة وكل لحظة فيها تعلمنا الكثير، فكيف بالحري لحظة كانت جد مأساوية ومدمرة بالنسبة ليوكانت بمثابة الفاجعة اذ سرقت نصف حياتي، فانا ان عدت بالذاكرة ارى والدي امام عيني وهو "يتشقف" بطريقة دراميتيكية فقط لأنه يكتب ويدافع عن بلده. من هنا، تعلمت الصبر والقوة والاندفاع وعدم اليأس، كما تعلمت عدم الحقد والتواضع وكيفية ادارة الازمات والمسؤولية تجاه الصعوبات.

أي مشاهد تعيشينها اليوم أو يعيشها لبنان أو تجدينها أمام عينيك، تعيد إلى ذهنك فوراً صورة جبران؟
من يزورنا في النهار يعرف اننا قد نشرنا صوره في كل مكان، يرىكيف نتحدث عنه وكيف نتذكره مع الاشخاص الذين واكبوه امثال نبيل ابو منصف وغيرهم. واليوم بتنا نفهم ان قتلة جبران كانوا يخافون التغيير في لبنان لهذا اغتالوه.

بالنسبة لسيدة تدرك حجم الخسارات، كيف استطعت الحفاظ على قدرة الصمود والنضال بعد خسارة أقرب الناس اليك؟ (والدك، جدك غسان تويني، وجدك الثاني ميشال المر)
لا يمكن التصالح بسهولة مع الامور، وانا لست دائما قوية ولكن هذه فلسفة الحياة،وعلي ان احارب لقضيتي ولايماني وللاشخاص الذين احبهم. ولا زالت صورة جبران محفورة في ذهني وهو الذي اراد ان يعطي حياته بأسرها للبنان كما لا زلت اذكره في العام 2005 وهو كله شغف وحياة. وما يبلسم جراحي هو كلمات جبران في احدى المقابلات التلفزيونية حين قال: " ليس انت من يقرر قتلي ويضغط الزر بل ربنا هو الذي يقرر ان هذه اللحظة ستكون لحظتي الاخيرة وسأفارق فيها هذه الحياة" فقد كان ذلك بالنسبة لي رسالةلاتقبل الوضع الجديد واتكيف معه. فضلاً عنكوني انسانة مؤمنةوهذا ما يجعلني اقوى واعتقد انغسان تويني صدم الناس حين قال يوم دفن جبران: "فلندفن الاحقاد"كما زادني صموداً حينقال لي: "ليس من المطلوب ان تكوني رجلا انما المطلوب ان تكوني على قدر المستوى الذي ينتظره منك جبران".

كتبت في العام الماضي في صحيفة النهار مقالاً بعنوان: ننتظر العدالة ونتحدّى القاتل... مؤكدة في ذلك المقال ان ليس الهدف هدفنا الانتقام، بل الاقتصاص من المجرم ومعرفة الحقيقة، هل لا زلت تؤمنين أنه يوماً سيلقى المجرم عقابه؟
كلا، ففي لبنان المسؤولون لا يريدوننا ان نعرف الحقيقة لا بل يخافون من ذلك، ونحن سنبقى نحارب لنعرف من قتل جبران، ليس انتقاما او أذية فانا اعتبر انالقاتل اضعف انسان على وجه الارض ولكن هذا حق مكرس والمحاسبة ضرورية والا نكون في شريعة غاب وللاسف هذا ما نحن عليه.

بعد 16 عاماً، نرى "النهار" تتجدد، تتحدى أزمة الصحافة، تواجه الصعوبات وما خلفه انفجار المرفأ، تتوسع لا بل تزيد المشاريع، في تقييمك للنهار، هل استطعت بذلك ان تردي ولو جزءاً من كرامة والدك؟
كل لحظة ونجاح وتحد وجائزة وتطور وانجاز ... يكون لرد جميل جبران ولأثبت اني على قدر ما هو يستنظر مني. وهو يهبني من السماء القوة لاستمر واكمل المسار لانهذا ما كان يرغب به وهذا ما كانيريد لمؤسسة النهار ان تكون.

بالمصطلحات اللبنانية، بات لدينا عبارة "ما قبل 4 آب وما بعده"، كون هذا التاريخ هاماً للبنانيين. 12 كانون الاول تاريخ هام لك ايضاً وللبنانيين على حد سواء، كيف تصفين وضع لبنان "ما قبل جبران" و "ما بعد جبران"؟
كنا نتوقع ونحلم ببلد مغاير كليا اما بعد ١٦ عاما فتوقعاتنا كلها خابت. اعتقد انه ليس هذا ما يستحقه اللبناني الجبار الذي يحب العمل والضحك والعيش والنجاح. كما ان هذا ليس ما يستحقه ايضاً لبنان فنحن نحب لبنان بكل نواحيه، ونحبه بلد التعايش والتعددية. ولكن للاسف اجندة مدمرة اوصلتنا لوجه ثان من لبنان، وجه لا نريده ويختلف اختلافا جذريا عما نطمح اليه مما يحزنني فعلا.

اليوم، سياسة قمع الحريات وكم الافواه واسكات الالسنة الحرة لا تزال مستخدمة وسارية المفعول وبشدة، من برأيك المسؤول عنها؟
المسؤول هو من لا يريد للبنان ان يكون له واجهة شبيهة بالعالم ونحن في المقابل مع الديمقراطية وضد اي سلاح غير سلاح الجيش وضد كل انسان يريد الغاء الجميع في حين اننا لا نريد الغاء اي طرف.

يوم اغتيل جبران، كان الاغتيال جزءاً من تدمير لبنان، اليوم ومع الشلل السياسي والازمات الاقتصادية وما تتضمنه من سياسة افقار الشعب وتجويعه، هل برأيك يتدمر لبنان؟ أم تدمر؟ أو لن يتدمر؟ (ماذا كان سيقول جبران؟)
بواقعية هو تدمر، ولكن على صعيد اللبنانيين الذين يحبونه نقول اننا لن نستسلم كي نعيد بناءه من جديد ليعود لبنان الذي يشبهنا.

ما اكثر مشهد يؤلمك اليوم؟
الام التي ترى ولدها يهاجر، الام غير القادرة على اطعام ابنها، الاهل القلقون على ابنائهم،التلميذ الذي لا يعرف مصيره ومستقبله، الطفل الخائف من صوت الرصاص... وكل انسان مستسلم ويائس ويبدو الهم على وجهه.بالمقابل لا افهم كيف ان المسؤولين يفتخرون بخاطاباتهم ويعتبرون انهم يغيرون لبنان نحو الافضل.

وسط هذه الظروف، هل برأيك هناك شخصية اليوم شبيهة بجبران او ستكون مثله بمواقفه الحرة والثائرة والرافضة للخضوع؟
لا احد يشبه والدي، ولكل شخص شخصيته وحيثياته. لكني ومن منطلق مبادئ جبران، اتمنى من جيل وسائل التواصل الاجتماعي، الذي هو فاعل جدا اليوم في اهم منبر للديمقراطية، ان يكون غير حقود ومنتقم ولا يريد الغاء الآخر.

كلمة اخيرة توجهينها لجبران؟
لا يمكن لنا سوى ان نصلي له ونصلي لقيامة لبنان، ونعتبر ان كل يوم هو يوم جديد ومعركة جديدة سنخوضها ايمانا بربنا وبجبران تويني وبالوطن.